العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ

الحقائق الدينية والتاريخية والمساس بمعالم البلد الإنسانية

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

عندما قرّرت وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني هدم مسجد الشيخ محمد البربغي الواقع في منطقة عالي الذي شيد عام 1549 ميلادية، أي قبل 464 عاماً، كانت تعلم عن قيمته التاريخية والإنسانية، ومكانته الدينية والإنسانية عند جل أبناء الوطن. كما كانت تعلم عن الحكم الشرعي الذي لا يجوز في جميع الأحوال والظروف التصرف بمسجدية أرضه إلا في الضروريات القصوى التي يحددها الشرع المقدس وليس غيره. وقد ورد في البند رقم (1324) من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الذي صدر في 23 نوفمبر 2011 في الفصل الخاص بهدم المساجد، أن وزارة البلديات قالت أن سبب إقدامها على هدم مسجد الشيخ محمد البربغي وتسويته مع الأرض بصورة قاسية جداً، لأنه كان يشكل خطراً محدقاً على مستخدمي الطريق السريع.

لقد قالت تحديداً أنه كان عائقاً أمام المرور الآمن على الطريق، وأما عن الأسباب التي دعتها لهدم عشرات المساجد ومحو أثرها من على الخارطة، والتي جميعها تابعة لإدارة الأوقاف الجعفرية، والتي لم تستطع أن تقول أنها تقع على شوارع عامة ولا أنها تعيق مرور الناس على الطريق أو تشكّل خطراً محدقاً على مستخدمي الطريق، كما قالت عن مسجد البربغي، فقد تحدثت عن أسباب أخرى. قالت إما أن تكون لأسباب أمنية أو أنها تقع في مناطق ملتهبة أو بسبب غياب سند الملكية أو بسبب غياب شهادة المسح، أو عدم استخراج إذن البناء أو بسبب غياب موافقة وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، أو بسبب إساءة استخدام المرافق كالماء والكهرباء.

وقد ردت اللجنة في البند رقم (1334) على مبررات وزارة البلديات بالقول إن توقيت هدم المساجد أي خلال الفترة من 1 مارس إلى 11 مايو 2011 يرتبط بأحداث فبراير ومارس 2011، أي بالوضع السياسي في البلاد. وأضافت: فمن المؤكد أن الحكومة كانت تعلم مسبقاً بمسألة بناء هذه المساجد، ولم تقم باتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لوقف البناء طوال السنوات الماضية، وإن وتوقيتها للهدم وطريقته، من الطبيعي أن ينظر إليه باعتباره عقاباً جماعياً للمواطنين الشيعة، ولهذا أوصت الحكومة في البندين (1335 و1336) ببنائها جميعها على نفقتها.

لقد كان الأولى على إدارة الأوقاف الجعفرية قبل الموافقة على إجراء استبدال أرض مسجد البربغي بأرض أخرى الذي يعتبره في العلوم الإنسانية استبدالاً لتاريخ إنساني ولقيم تاريخية عميقة تمتد إلى أكثر من أربعة قرون من الزمن، والتي تجذّرت في وجدان أبناء هذا الوطن الدينية والإنسانية، أن ترجع لكل التفاصيل والحيثيات القانونية والشرعية في عملية الهدم التي استهدفت المساجد التابعة لإدارتها، دون غيرها من المساجد التي تنطبق عليها مبررات وزارة البلديات ولم تمسها بسوء. هل الإجراء الذي قامت به الوزارة قانوني أم طائفي؟ لم نسمع عن أمة من الأمم تحترم وتقدر موروثها التاريخي والإنساني الذي يظهر عراقتها الأصيلة أنها فرطت فيه بهذه البساطة التي فعلتها وزارة البلديات في مسجد البربغي. وقد وجدنا جميع الأمم تحرص حرصاً شديداً جداً على الحفاظ عليه، لأنه يثبت عمقها وتجذرها الإنساني، فتراها تحافظ على هيئته التاريخية إذا ما أرادت ترميمه أو إعادة بنائه، وتعطيه أهمية خاصة في هندسته المعمارية، ليبقى معلماً بارزاً في البلد، ولم تتجاوز الموانع الشرعية والعرفية والإجتماعية والإنسانية والتاريخية، أو تحاول المساس بمشاعر الناس الدينية والإنسانية، وغير هذا وذاك لم تتعامل معه بطائفية بغيضة، كما فعلت وزارة البلديات بعشرات المساجد التابعة للأوقاف الجعفرية، لأنها في إعتقادهم أن تلك الأماكن التاريخية والإنسانية تمثل الإرث التاريخي الذي لا يمكن الاستهانة به في جميع الأحوال والظروف، لأنه يمثل تاريخ البلد بكل مكوناته الإنسانية.

هكذا تتعامل الأمم المتحضرة مع تراثها الإنساني، ولم تتعامل معه بمكاييل مختلفة ولم تجرده عن كل القيم الإنسانية والتاريخية والشرعية، ما فعلته وزارة البلديات ليس له علاقة بتطبيق القانون ولا بسلامة المارة على الطريق. لقد استغلت بنود القانون وحاولت أن تجعله مطية تركب عليه ليوصلها عنوة لتنفيذ التمييز المذهبي المريب بين مسجد وآخر. والكل يعلم أن هناك مساجد كثيرة في جميع مدن البلاد ممكن أن يتعامل معها بنفس الأسلوب لولا تدخل الحسابات المذهبية التي جعلتها تتجنب التحدث عن القانون في وضعها، ولم تجرؤ أن تقول كلمة واحدة ضد وجودها المسجدي.

ما نريد قوله إنه يجب على الجهات الرسمية المعنية بهذا الأمر تعظيم الأماكن والبقاع التي يذكر فيها الله، وأن لا تميّز بين طائفة وأخرى، ولا بين دين وآخر في تعاملها معها، فالأرض التي تقام عليها الصلوات وتعمر بالدعاء والمناجاة، تكون عند الله أرضاً مباركةً ويجعلها يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، شاهدةً على كل من ساهم بإعمارها بذكره سبحانه وتعالى، وشاهدةً أيضاً على كل من منع عباده من ذكر اسمه فيها.

إنه لابد من الرجوع إلى الحقيقة الدينية والتاريخية والإنسانية في مثل هذه المسائل الحساسة، والابتعاد عن كل المؤثرات النفسية السلبية التي تجر إلى زوايا طائفية ومذهبية لا يحمد عقباها. اللهم بلغت... اللهم فاشهد.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:33 ص

      يقال عقارات وتجاره لكن شوف ها الشوفه

      كن حر ولا تبشر سر لكن كما المساجد لله الأرض أرض الله ويقال الحق حق والحقيقه تبقى حقيقه بينما هنا في البحرين من الحقائق التي قد لا يقال عنها من الأسرار لكن أرض الحياة والخلود أرض مقدسه تعود الى السيدة الجليله فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليها وعلى بعلها و بنيها!!! ومن لديه برهان فليأتي به قال جحا...

    • زائر 4 | 2:23 ص

      الكذب

      تطرقت السيدة مريم امس على عمودها للمعادلة 2+2=5 فهو نفس الموضوع مضافا اليه الشق الديني المقدس عند الناس و هو المسجد فهل هناك من يصدق هؤلاء الناس؟

    • زائر 3 | 1:01 ص

      هذا المسجد جزء من تاريخ البحرين الذي يراد طمسه ومحوه

      المسجد يقع ضمن مسلسل استهداف التاريخ ......لهذا البلد الذي يعمل البعض على طمسه ومحوه واستبداله بتاريخ آخر

    • زائر 2 | 12:47 ص

      يريدون ابعاد التاريخ الحقيقي للبلد عن ان يراه احد

      يزعجهم بل ويزعجهم كثيرا ان يعرف او يتعرف احد على حقيقة تاريخ هذا البلد ووجود هذا التاريخ الضارب في عمق التاريخ الاسلامي.
      نعم ان تاريخ هذا البلد الاسلامي الناصع يؤلمهم كثيرا لذلك يحاولون القضاء عليه بكل طريقة

    • زائر 1 | 11:41 م

      عبد علي البصري

      لو نظرنا الى الحروب القديمه , كيف تكون : تقتل الرجال وتسبى النساء و تستعبد الاطفال و تحرق دور العلم المكتبات ودور العباده المساجد،كما حصل في العراق عندما غزاها هولاكو احرق ورمى بالكتب في نهر دجله وكذلك حدث في مصر عندما حكمها صلاح الدين الايوبي فأحرق مكتبه دار الحكمه , والغريب ان الاستعمار عندما غزى العالم العربي لم يقتل العلماء فكان ينفيهم من بلد الى بلد مثل السيد الاجل جمال الدين الافغاني . ولم يحرق المكتبات بل اخذها حتى تصل الينا بأسمهم فجزاهم الله خير لوظلت عندنا لاحرقناها لانها كتب ظلال؟!

    • زائر 6 زائر 1 | 4:23 ص

      محمد

      يا عبدعلي ؟ انت ذكرتني بتاريخ ... لما كانت تنشد الشعر وتعيش فيه كل الطوائف بسلام ؟ لكن اللي اريد اقوله القتل والسبي مو في الحروب القديمة فقط
      حتى في الفتوحات الاسلامية وللحين هدي التشريعات موجوده والمخفي اعظم لكنه محظور عليك الكلام فيه ؟؟ وتزداد بشاعة هدا السلوك عند ما يدخل الدين وتنعدم الانسانية ويعتقد الانسان ان ما يفعله هو مرضاة لله

اقرأ ايضاً