العدد 4124 - السبت 21 ديسمبر 2013م الموافق 18 صفر 1435هـ

الشرعية الجبرية والشرعية الشعبية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

في الشرعية الجبرية، يستطيع الحاكم العربي متى ما استحوذ السلطة، في أدواتها البشرية والعتادية، أن يجبر الناس على إظهار قبوله، ولكنه لن ينال اليقين بذلك، فهو بالنتيجة، مرتاب وجافل، بما يستزيد من الريبة والخوف، اللذين يجبرانه على المزيد من القسوة، لإظهار معالم القوة والتمكن لديه، وهكذا يدور في محيط دائرة، منتهاها عند بدايتها، لا يجرؤ على الدخول في أتونها، خشية أن تضيق عليه، بما لا يعلمه إلا الله.

أما الشرعية الشعبية، فيكون فيها الحاكم العربي، مقبولاً يقيناً، ومصدر قوته ووجاهته، حب الناس واستعدادهم للذود عنه، بما يصل لبذل الدم، فينام قرير العين، ويصحو منشرح الصدر، ومساحة حياته مفتوحة الحدود، فلا يحتاج حوله أولئك الأغبياء في الأداء، والمنافقين في التقييم، والمتلصصين على الناس، ولا أولئك الكاذبين في الإعلام، المتلقين لقاء ذلك العطايا.

الشرعية الجبرية، تكلف الحاكم العربي أضعاف ما تكلف الحاكم في الشرعية الشعبية، الأول يرصد ثروات الوطن، للبذل على بطانة السوء، الذين لا يستطيع إزاءهم الامتناع عن العطايا أو تقليلها، لوهمه أنهم سبب هيمنته، وأنهم سبب خنوع العامة له، بل يزيد لهم منها في الأزمات، فهو مرهون البقاء لولائهم المدفوع الأجر، وهكذا يدور الطرفان في محيط الدائرة، ولا يلتقيان أبداً، فكل طرف له مقصوده المختلف مع الآخر، وهما في فراقهما يضحك كلِ منهما على الآخر، وهكذا يعجز الحاكم عن إيلاء عامة الناس حقهم في ثروات وطنهم.

أما الحاكم الشرعي شعبياً، فهو مسنود بشعبه، في السراء والضراء، فلا تضعف مكانته، كما هي في اليسر، حال العسر، بل يجد شعبه مشمراً عن سواعده، شاداً على بطونه، يرفل بالأمل الذي يرفع من شأن حاكمه، لأنه أي الشعب، يرى ارتباط يسره وعسره بيسر وعسر الحاكم، فثروة الوطن، يتمتع بها الجميع حاكماً ومحكوماً.

في الشرعية الجبرية، يكثر الفساد وتتعاظم السرقات، ويسود الظلم العام، ويعجز الحاكم العربي أمام كل ذلك، نتيجة عجزه عن محاسبة أولئك السرّاق الفاسدين الظالمين، ليقينه أنه إن حاسبهم أو حتى عاتبهم، ينحسرون من حوله، ليبدأ في الدوران كما المستجيب للنداهة، فتعمه بطانة السوء في غيها، لتزداد المفاسد، بما يجعل من عامة الناس تضيق عليهم الحال، ليبدأوا التململ، فيزيد الحاكم العطايا، ويصمت عن الفاسدين، ويدور الطرفان، كل في خط سيره على محيط الدائرة، مع احتفاظ كليهما بالمسافة بينهما، والناس تزداد مظلوميتهم، ليبدأوا بالصوت المسموع من بعد التملل، فيزيد الحاكم في بطشه، ويزيد الفاسدون في فسادهم، لتصل الحالة الشعبية إلى الحراك الجماعي المنظم.

إنما الشرعية الشعبية، فإنها تتطهر من كل ذلك، والقانون يأخذ مجراه ضد الفاسدين الفاسقين، ويسود العدل، يسراً كان أو عسراً، والجميع، يحمي كل منهم الآخر، فالحاكم متقوٍ بشعبه، والشعب متقوٍ بحاكمه، ويفتقر المجتمع في هذه الحالة للأزمات، اللهم إلا اليسيرة منها، التي تجد من الحاكم والشعب الإصغاء لبعضهما، والتعاون على حلها.

في الشرعية الجبرية، يخال الحاكم العربي أنه مستهدف من شعبه، فلا يتردد عن الاستعانة بالأغراب، الذين فعلهم أسوأ من الفاسدين والسرّاق المواطنين، وبتكاثرهم يخسر الطرفان، الحاكم والشعب، احتمالية التقارب والتوافق، فتزداد الفرقة بينهما، ويدخل المجتمع في الأزمات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما يوسع من دائرة المتسلقين، الشاحتين من لدنه العطايا، سواء المادية أو الوظيفية، فيزدادون في التمظهر بمظهر الناصحين للحاكم، عبر انشقاقهم عن المصلحة الشعبية الجامعة، والقذف بشركائهم في الوطن، الذين حركوا لهم آسن الأوضاع، بما يجمعهم وإياهم، في الحقوق، وبدل التوحد لدعم المطالب الشعبية العامة، تجدهم، ينفردون بمطالب سبقهم إليها الآخرون، مع وصم الآخرين بالخيانة والفرقة، وباستثارة الحاكم عليهم.

والمنتهى من الشرعية الجبرية، تشويه الهوية والتاريخ الوطنيين، وإجبار الناس على مناهضة الحكم، بما يفضح الحالة الحقوقية والمدنية في الوطن، ليجعل المجتمع الإقليمي والدولي، ينفحان كلاً بما في نفسه، من مصالح ومن قيم إنسانية، لتتضخم الأزمات، ولا يعود لها من حل، إلا الصراع الذي يودي بالطرفين.

وما بين الحالتين، الشرعية والجبرية، هناك الحاكم الجبري العادل، وهناك الحاكم الشرعي الظالم، ولكل منهما الشعب بالقبول النسبي للأول وبالمرصاد للآخر، فاختر أيها الحاكم العربي بين الظلم والعدل.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4124 - السبت 21 ديسمبر 2013م الموافق 18 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 4:10 ص

      الى الزائر رقم 11

      الى الزائر رقم 11 في اعتقادي ان المقال الذي كتبه الاستاذ يعقوب سيادي فوق مستواك بدليل مداخلتك التي لا تخلو من فراغ مخك و واضح انك من جماعة على نفقة الدوله

    • زائر 19 زائر 14 | 11:37 ص

      حقوق المواطن

      صا رت حقوق المواطن منة ....!!

    • زائر 13 | 3:47 ص

      v

      ماذا عن اللا شرعية أستاذ

    • زائر 11 | 2:10 ص

      خوش كاتب

      انت بعد ما تعلمت على حساب الحكومة والان ابنائك ويمكن احفادك الان تتنكر لبلدك

    • زائر 12 زائر 11 | 3:21 ص

      هو وابنائه واحفاده تعلمو من ميزانية بلدهم وموارد بلدهم

      ولاتمن انت ولاغيرك عليه عنما تعطيه حقوقه وحقوق ابنائه او احفاده فلا تخلط بين العطايا والمنح والحقوق الثابتة للمواطن.

    • زائر 15 زائر 11 | 4:21 ص

      ااا

      عزيزي التعليم والصحة،وحق العمل. والسكن الصحي كلها حقوق كلها الدستور وليست رعاية ابوية

    • زائر 10 | 1:35 ص

      أصبت لب المشكلة

      ما كتبته هو لب المشكلة في معظم الدول في كل العالم ولو ان العالم العربي الاشكال فيه اعظم+ ماذا نعمل مع العصبية الجاهلية وحب الذات والحقد الاعمى

    • زائر 9 | 1:35 ص

      اصيل

      صباح الخيرات استاذي الجليل مقاربة رائعةبين الحاكم الشرعي. وبين الحاكم الجبري والذي يعتبر نفسه الحاكم بامر الله وهو حق الهي ليس من حق احد ان ينازعنه الااهلكه

    • زائر 8 | 1:07 ص

      شكرا استاذي

      كلام جميل سلسل مفهوم بسيط سهل التطبيق بدون رتوش ولكن عمك اصمخ

    • زائر 7 | 12:55 ص

      لو اعطوا للناس حقوقها لأعطهم الناس شرعيتهم

      عندما تسلبني حقي فمن المؤكد ان اسلبك شرعيتك الشعبية هذه نتيجة حتمية

    • زائر 6 | 12:53 ص

      المشكلة انهم يعيّشوننا الجبرية ويريدوننا ان نعترف لهم بالشرعية الشعبية

      المصيبة هنا يستقوون علينا باموالنا ويجيشون علينا ويسلبوننا حقوقنا ثم يريدوننا ان نصوت لشرعيتهم كيف لا اعرف؟
      تلسبني كل حقوقي ثم تطلب مني ان اعطيك شرعية في وين يعقل هذا الكلام

    • زائر 5 | 12:03 ص

      نتمنى ان نحقق الشرعية الشعبية

      قلنا وصلنا لها فترة الميثاق حدث الذي حدث وتم ذكره في مقالات عديدة من قبلك سيدي الكاتب ونقول هانحن قابضون على الجمر لتحقيق الاصلاح المنشود بلارجوع للخلف فنظرنا للمستقبل فلن يضحك علينا بعد

    • زائر 4 | 11:58 م

      طوال تاريخنا ونحن نعيش الجانب الشرعية الجبرية

      بحجة الأعراف والتقاليد لايرغبون بالتغيير والتطوير والانتقال إلى الجانب الشرعية الشعبية ولقد استمر وضعنا مند تأسيس البحرين دولة عربية حرة إسلامية????

    • زائر 3 | 11:31 م

      صح لسانك.

      نعم استاذى كلام لعله يصل بأمانه فصناعته ذهب غال الثمن .فصح لسانك استاذ سيار ولعلهم يتفكرون.

    • زائر 2 | 9:57 م

      همسه في اذن الحاكم

      مقال رائع اتمنى ان يستفيد منه الحاكم والمحكوم لما له من اثر في تنوير العقول المجمدة والتي لا ترى الحياة لا من جانب واحد

    • زائر 1 | 9:21 م

      كلام حلو

      ممكن أى واحد يسمى لى مؤسسة أو إدارة أو وزارة أو دولة، شرعيتها مبنية على الحق أو العدالة ؟ الكل يتخذ من القوة قانونيا و يفرض رأيه. إن لا تصدقنى إدخل على أية إدارة و شاهد تصرف المراجعين مع الموظفين و كأنهم يشحذون للحصول على حقهم. الأصول التى أسس عليها البشر الحياة على الأرض منذ الأزل كان و سيكون مبنيا على قانون "الحق و القوة".

اقرأ ايضاً