العدد 4124 - السبت 21 ديسمبر 2013م الموافق 18 صفر 1435هـ

الأمراض النادرة

بقلم الدكتورة فاطمة نعمة

(استشارية أعصاب الأطفال- في قسم علم الأعصاب السريري بمجمع السلمانية الطبي)

إن معظم الأمراض النادرة تكون وراثية، وقد تظهر أعراضها في أي وقت من حياة الإنسان، حتى وإنْ لم تظهر عليه أعراض المرض منذ الولادة. وعادةً ما تكون نسبة حدوث هذه الأمراض عالية، خاصة في دولنا العربية. وتُعزى هذه الزيادة لارتفاع نسبة زواج الأقارب والتي تصل إلى 50 في المئة في بعض الدول، خاصة إذا كان هناك تاريخٌ مرضيٌّ نادر في العائلة.

ومن الأمثلة على الأمراض النادرة تلك التي تصيب الجهاز العصبي المركزي أو الطرفي، ومن المؤسف أن معظمها لا يوجد لها علاج شافٍ. ولكن بمعرفة اسم المرض يمكننا تجنب تكراره عن طريق الاختبار الجيني إذا أمكن ذلك؛ فهذا يساعد بقية أفراد العائلة على تجنّب مضيعة الوقت لتشخيص أطفالهم وقد تكون المعلومات مفيدة لهم عند التخطيط للإنجاب.

إن أعراض الأمراض النادرة التي تصيب الأطفال تكون متشابهة، بحيث إنها تظهر على شكل تأخّر في النمو الحركي أو المعرفي، أو تظهر بشكل حدوث تشنجات كثيرة لا تستجيب للعلاج، ولكن أسباب هذه الأمراض مختلفة، وأمثلة ذلك كثيرة مثل الأمراض الاستقلابية والاستقلابية العصبية التي يستجيب بعضها للعلاج.

وقد تكون هناك صعوبات جمّة في تشخيص بعض الحالات النادرة؛ وذلك لندرتها الشديدة؛ فهم بحاجة إلى فريق متخصص, ومختبر متطور لعمل الفحوصات اللازمة والضرورية بهدف المساعدة في تشخيص الحالة المرضية، وعلى سبيل المثال فإن مختبر مجمع السلمانية الطبي قام بإرسال 6 آلاف عيّنة في السنة الماضية إلى مختلف المختبرات التخصصية في أنحاء العالم، وذلك يحتاج إلى جهد كبير من قبل العاملين لتنسيق هذه الفحوصات.

والحمد لله، فإن الكوادر المتخصصة في هذه الأمراض متوافرة في مملكة البحرين؛ فهناك عيادات مشتركة متخصصة في هذا النوع من الأمراض، وبفضل الاتصالات بين المختصين والخبراء في الدول الأوروبية المتقدمة في هذا المجال قد ساعد كثيراً في تشخيص الكثير من الحالات المرضية, كما أنه في بعض الأحيان نحتاج إلى أخذ عينات من الحمض النووي الجيني (DNA) وحفظه في المختبرات لعمل الفحوصات اللازمة في وقت لاحق عند حدوث تغييرات قد تساعد في تشخيص المرض.

ويطرح أهالي المرضى الكثير من الأسئلة عندما يعلمون فيما بعد أن طفلهم مصاب بمرض وراثي، والتي منها كيف حدثت الإصابة بهذا المرض الوراثي على رغم الفحص قبل الزواج وكانت النتائج سليمة؟!

والإجابة على هذا السؤال, أن الفحص يشمل أمراض الدم الوراثية المنتشرة في مملكة البحرين والشرق الأوسط وحول البحر الأبيض المتوسط، وبفضل هذه الفحوصات قلَّت نسبة المصابين بهذه الأمراض.

إن الأشخاص المصابين بهذه الأمراض الوراثية المستعصي علاجها، والتي ابتلاهم الله بها، بحاجة كبيرة إلى دعم من كل الجهات المسئولة للتقليل من حدتها على الفرد والمجتمع.

تصف الورقة التي طرحت في يوم الأمراض النادرة حالتين نادرتين قمنا بتشخيصهما في البحرين.

تصف الحالة الأولى طفلاً رضيعاً عمره ستة شهور يعاني من ليونة في الجسم، والتي كانت تزداد بمرور الزمن، ولم يكن يستفيد من العلاج الطبيعي ولم تثبت الفحوصات المخبرية والأشعة المقطعية والمغناطيسية سبب حدوث هذه المشكلة. وقد أُعطي الطفل عقار الدوبامين (LDopa Carbidoba)، وقد استفاد منه كثيراً، وبدأت حالته تتحسن بالتدريج ورجع طفلاً طبيعياً. وقد ثبتت الفحوصات الجينية كما توقعنا بإصابته بمرض نقص إنزيم تيروسين هيدرواكسليز (deficiency of Tyrosine Hydroxylase)، وهو مرض نادر الحدوث، وقد اكتشفت أول حالة بالغرب سنة 1971م عن طريق عالم اسمه «Castaigne etal»، ومنذ ذلك الحين فقد زادت عدد الحالات إلى أن وصلت خمسين مريض من عدد 41 عائلة حول العالم.

والحالة الثانية في الورقة كانت ترجع إلى طفل عمره ثلاث سنوات و11 شهراً أتى إلى المستشفى بسبب تأخّره في المشي ومشيه على أطراف أصابعه، وأيضاً يصاحبه تأخر في قدراته اللغوية. وبعد الفحص الإكلينيكي اتضح أنّ لديه اختلال في التوازن، وعنده حركات غير إرادية في كل الجسم، وخاصة في الجهة اليمنى. واتضح بعد ذلك أن لديه ترسبات معدنية في أشعة الدماغ المغناطيسية التي ترجع إلى معدن المنجنيز (Manganese)، واتضح أن نسبة معدن المنجنيز في الدم عالية جداً، وذلك يرجع أيضاً إلى خلل جيني في التمثيل الغذائي بمادة المنجنيز وهو (SLC3OA1O) الذي اكتشف مبكراً في العام الماضي وتعالج هذه الحالات عادة بمركب (disodium calcium edtate) الذي يقلّل من نسبة المنجنيز في الدم وبالتالي في الدماغ والكبد.

والمفرح في الموضوع هو أن علاج هاتين الحالتين هو عبر عقاقير - فقط - تُعطى عن طريق الفم، وبخلاف ما كان شائعاً قديماً أنه لا يوجد علاج شافٍ من الأمراض العصبية الوراثية. ومع تطور التكنولوجيا خاصة في عزل الجينوم (Whole genome sequencing)، فقد توصل العلماء إلى تشخيص أمراض وراثية عديدة.

العدد 4124 - السبت 21 ديسمبر 2013م الموافق 18 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً