العدد 4129 - الخميس 26 ديسمبر 2013م الموافق 23 صفر 1435هـ

الحكم الرشيد الصالح والمسألة الديمقراطية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لا تشبع مجتمعات أرض العرب من إدخال الإنسان العربي في متاهات التردد والخوف من خلال مناورات تشويه المفاهيم والواقع. آخر المناورات هي المحاولة الحالية المستميتة، القائمة على استغلال انتهازي خبيث للعثرات التي تواجهها ثورات وحراكات الربيع العربي، لإقناع الإنسان العربي بأن الحكم الرشيد الصالح يمكن أن يوجد دون أوجاع دماغ الديمقراطية ومشاكلها.

ويجري الحديث ليل نهار على منابر شاشات التلفزيونات العربية، وتدبج المقالات المدفوعة الأجر في كثير من الصحف العربية، لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وإدخال الإنسان العربي في غيبوبة الاعتقاد والرضا السابقين من أن قدره هو أن يكون واحداً من رعية تابعة محكومة، بدلاً من أن يكون حاكماً لمسيرة حياته، وقائداً فاعلاً في واقع مجتمعاته.

فجأة تذرف دموع التماسيح على انفلات الأمن هنا أو تراجع السياحة هناك، من أجل أن ينسى الناس ما بينته سابقاً تقارير التنمية الإنسانية العربية والبنك الدولي، من أن إدارة الحكم في أرض العرب كانت من أضعف وأفسد أنواع الحكم مقارنةً بكل مناطق العالم الأخرى، بل من أجل أن ينسى الناس تاريخ القرون من حكم الغلبة المستبد المستبيح للأرض والثروات والسلطة. وهكذا يتراجع الملايين من العرب عن حلمهم الكبير المبهر في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

لكن... هل حقاً يمكن أن يوجد حكم رشيد صالح دون ديمقراطية عادلة؟ والجواب القطعي هو «كلا»، إذا اعتمدنا تعريف الحكم الذي تنادي به مختلف مؤسسات هيئة الأمم المتحدة منذ أكثر من عقدين من الزمن. إنه يعني إدارة شئون المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من قبل جهات ثلاث، هي سلطات الدولة الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأجهزتها الإدارية العامة من جهة، ومؤسسات المجتمع المدني، وعلى الأخص الأحزاب والنقابات، وكذلك فعاليات القطاع الخاص الاقتصادية والخدمية من جهة أخرى.

إن هذا الحكم، الذي يعني حكم المجتمع لنفسه وبنفسه، لا يمكن أن يدعي صفات الرشد والصلاح إذا لم يقم على معايير وشروط وقيم لا يمكن أن تتوافر إلا من خلال نظام ديمقراطي عادل في مبادئه وممارساته.

إن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وضع تسعة شروط لكي يعتبر الحكم رشيداً وصالحاً. الشرط الأول هو المشاركة في الحكم، والتي تكون مشاركة مزيفة إن لم توجد الحريات العامة والأحزاب السياسية والانتخابات الحرة النزيهة والسلطات التشريعية المستقلة. والعديد من الشروط الأخرى المتمثلة في تواجد حكم القانون والمساواة في تكافؤ الفرص والشفافية في المعلومات وقرارات الحكم والقدرة على المحاسبة هي أيضاً في صلب أي نظام ديمقراطي. وإذاً، فالغالبية من معايير الحكم الرشيد الصالح هي من مبادئ وممارسات النظام الديمقراطي الشامل العادل.

وهكذا، فعندما يتحدث أو يكتب أبواق الردة، الراغبون في وأد أحلام الأمة، عن أنه من الأفضل، خوفاً من دخول الربيع العربي في الفوضى، تسليم الأمور في الفترة الانتقالية إلى ذلك الشخص المدني والعسكري الفذ، أو إلى ذلك الحزب أو ذلك الجيش المحنك المجرّب ليقود، أو إلى تلك الجهة الأجنبية لتساعد وتمهد الطريق... عندما يفعلون ذلك فإنهم يمهدون الطريق لأن يكون الحكم في الفترة الانتقالية غير رشيد وغير صالح وغير مأمون العواقب وقابلاً لأن تسرقه فلول الثورات المضادة.

إنهم يكررون ما فعله من سبقهم من اعتبار البشر العرب ناقصي الفهم والإرادة والخلق، أي ناقصي الاستعداد، لحمل مسئوليات وواجبات حكم أنفسهم بأنفسهم من أجل مجموعهم.

هؤلاء ينسون أن الأحداث الكبرى التي شهدها الوطن العربي إبان السنوات الماضية قد كشفت للغالبية العربية الصامتة، الجوانب المظلمة في كل حكم غير ديمقراطي، سواءً أكان حكم العساكر أم الطوائف أم الأحزاب الشمولية أم القبائل أم العشائر.

الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة العادلة يجب أن تصبح مكوناً مقدساً لا مساومة عليه من مكونات أي حكم سيقوم في أرض العرب بعد اليوم. عقارب ساعة الأمة الثائرة الناهضة لا تعود إلى الوراء قط.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4129 - الخميس 26 ديسمبر 2013م الموافق 23 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:08 ص

      هدى الكتاب والعترة ...

      ان مشكلة المشاكل هو الانحراف التاريخي الذي تلا وفاة الرسول الاعظم - ص -حيث ان الامة ..........................، فسارت الامور بهم الى المنزلقات الفكرية والعقدية . وما التكفيريون الاجلاف الا ثمرة تلك النبتة ... وما المتسلطون على رقاب الناس الا ثمرات الاحاديث المضلة . والفتاوى الشيطانية ...

    • زائر 8 | 1:40 ص

      شكرا

      كم انت رائع يا دكتور في هذه المواضيع والاطروحات ، شكرا لك من اعماق قلبي

    • زائر 7 | 1:09 ص

      عبد علي البصري قائد قاعده قوه

      قوه الثورات وضعفها تكمن في هدفيتها في الاعلام وفي الواقع وفي كل تحركاتها عندما يختل شعار أو حركه أو تصرف يكون له تأثير على قوه هذه الثوره واستمراريتها .

    • زائر 6 | 1:05 ص

      عبد علي البصري قائد قاعده قوه

      القاعده الشعبيه لها اهميه كما هو الحال في القائد فكلما كانت الجماهير واعيه ومستعده للتغيير , وعلى وعي لا تبعيه عمياء غبيه . هذه الجماهير كثيرا ما استغلت استغلال سيئ ((مثل المنكاش )) يتقون به النار ويرمونه . والوعي ليس هو الوعي الديني الساذك ولا الوعي الاجتماعي العنصري البغيض ولا السياسي الشيطاني .

    • زائر 5 | 12:52 ص

      عبد علي البصري

      ينفرد هذا القائد بقوى ملكوتيه وقوى حسيه القوى الملكوتيه هي الاصطفاء من الله والقوى الحسيه هي البسطه في الجسم والعلم . نعم لو استطاع الشعب العربي فهم هذه الآيه لكان الامر مختلف تمام في هذه الثورات . ليس بالضروري البسطه في الجسم لان يكون قوي ابو عضلات فقط لا في كل نواحي جسمه العقليه والحسيه والقلبيه وهناك الكثير , يعني ما يستغفل بسرعه شجاع و شهم وغيرها من الصفات الجسميه والنفسيه و الاخلاقيه وغيرها .

    • زائر 4 | 12:36 ص

      عبد علي البصري

      قائد .... قاعده...... قوه ...... القائد ((رَجُلٌ مُحَنَّكٌ ": مَنْ حَنَّكَتْهُ التَّجَارِبُ وَجَعَلَتْهُ خَبِيراً وَحَكِيماً . كذلك التقوى الذي يحجزه عن ظلم الآخرين )) أفمن يهدي احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى . وللاسف الشيد أن يولي امر الناس في الثورات او غيرها الحمقى والاغبياء و الذئاب والثعالب .إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا غڑفلم بعث الله طالوت ملك يأتي التفسير اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ غ– تكمله

    • زائر 3 | 11:53 م

      صح السانك

      مقال رائع يا دكتور

    • زائر 1 | 10:49 م

      لا فض فوك

      اسعد الله صباحك يا دكتور . بعد قراءة مقالك هذا شعرت بتفاؤل وايجابية لا حرمنا الله من هكذا عقول .

اقرأ ايضاً