العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ

«تجريم الآخر»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لاشك أن اضطرابات وتقلبات الربيع العربي منذ 2011 مازالت ماثلة أمامنا، ومازلنا لا نعلم ما ستؤول إليه في نهاية المطاف، فلقد شاهدنا انقلاب الوضع رأساً على عقب في مصر ومناطق أخرى، وشاهدنا كيف ترتبت التحالفات، ثم أعيد ترتيبها، وسيعاد ترتيبها مرات أخرى، وذلك قبل أن تهدأ الحالة التي تتحرك كرمال الصحراء العربية.

من الوسائل التي انتهجت مؤخراً في عدد من البلدان العربية، هي «تجريم الآخر»، بمعنى استهداف الطرف المعارض في كل ما يقوم به من نشاطات يومية وصياغة تلك النشاطات في نصوص قانونية تعتبرها «جريمة»، وبالتالي يتم قمعها تحت مسمى «حكم القانون». هذا النهج ليس جديداً، ولعل الفلسطينيين هم أكثر من عانى من هذا النهج الذي يطبقه الإسرائيليون ضدهم بصورة عنجهية.

فلو تفحص المرء ما يجري في فلسطين، فسيجد، مثلاً، مستوطنة يهودية تم إنشاؤها حديثاً تقع في أعلى التل، تتوافر فيها كل تسهيلات الحياة الرغيدة، بينما في أسفل التل ستجد قرية فلسطينية جذور أهلها تمتد لمئات السنين، ولكنها تعيش الفقر وفي منازل مبنية على هياكل متآكلة من دون تسهيلات للحياة، من دون كهرباء أو ماء كما تعرفه الحياة العصرية. ولو حاول الفلسطينيون الحصول على الماء، مثلاً، من الأنابيب التي تمرُّ بجنبهم وتذهب إلى أعلى التل، فإنهم سيكونون «مخالفين للقانون». فقد يقول الفلسطيني إن هذه أرضه ولديه ورقة ملكية منذ أيام الدولة العثمانية ومن حقه أن يبني منزله بصورة حديثة والحصول على تسهيلات، ولكن المحكمة الإسرائيلية ستقول له إن «إسرائيل احتلت هذه المنطقة من الأردن في 1967، وإن ورقة الملكية يجب أن تكون أردنية وليست عثمانية»، وبالتالي فإن الفلسطيني «مخالف للقانون»، وإذا حاول أن يبني منزله فإنه «مجرم» بحكم القانون.

هذا النهج استطاع أن يستمر لوقتنا الحالي بسبب قدرة الإسرائيليين اللعب على التناقضات الدولية التي منعت تطبيق القانون الدولي عليهم، بينما يتم تطبيق قانون عشوائي على أهل الأرض... غير أن المجتمع الدولي لم يعد يحتمل هذه العنجهية والالتفاف والكذب والتلفيق من أي مصدر كان.

غير أنه من المؤسف جداً أن بعض بلداننا العربية بدأت تنتهج هذا الأسلوب ذاته عبر توصيف كل ما تقوم به جماعة من المعارضة، أو فئة غير مرغوب فيها، بأنه «مخالف» لقانون كُتب تحت ظروف غير طبيعية. غير أن هذا النهج أصبح مفضوحاً، وهو قد يفرض من خلال «حكم الحديد والنار»، وليس من خلال «حكم القانون العادل»... وهذا مآله لن يختلف عن كل ما آلت إليه الأساليب غير العادلة، طال الزمان أو قصر.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 9:08 ص

      محمد

      موضوع فلسطين فيه اخد ورد ؟؟ ممكن ايكون المثل الافضل هو زمبابوي لما اخد مكابي الاراضي وقال اصله ترجع لسكان الارض الاصليين وضيع حق المشترين من البيض الاجانب ؟ اما عن استخدام هذا ضد معارضين فهدا موضوع بعد طويل فهناك تصنيف للناس ؟في عندنا احنا في البحرين للاسف تصنيف لكل الطائفة ش باستثناء من تثبت براءته يحرمون من بعض حقوقهم وهذا التصرف موجود حتى في امريكا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟وما ادري انا شخصيا اذا كان هدا التصرف سليم ام لا لكنه وحسب معرفتي بواقع البحرين فقط قد يكون سبب حرق الاخضر واليابس بعيد عن الربيع

    • زائر 8 | 8:35 ص

      كرم وشيم العربي الاصيل

      هكذا نحن نكرم الاعداء ونبخل على الاصحاب

    • زائر 4 | 1:32 ص

      مقال عميق المعنى

      أ / د . منصور الجمري يعطيك العافية .
      مقال رائع وعميق في معناه ، رحم الله والديك .

    • زائر 2 | 10:35 م

      شرعة القوانين

      عندما تتواجد مجموعة تبيع ضمائرها لإصدار قوانين مقيدة للحريات والفتك بالمعارضين لم تبالي أمة على وجه الارض سوى أمة العرب بقادة يحملون هم أمتهم بالمقلوب ونقول مصر تدمر سوريا تتفكك العراق يتشطى والسودان والصومال في الماضي اصبحوا وعندما تبحث عن اساس المشكلة تراها في تلك الدولة الحاضنة للإرهاب والساكت عنها من قبل العالم والي متى العلم عند الله

    • زائر 1 | 10:25 م

      صحيح

      في البحرين كذلك مستوطنات لل>>>> بكافة الخدمات بالمقابل بيوت وقرى قديمة رثة وانعدام للبنية التحتية فيها تحياتي

اقرأ ايضاً