دعت الولايات المتحدة لمزيد من التعاون في منطقة القطب الشمالي، ولكن مع التحذير بأنها ستدافع عن سيادتها في وجه تنامي الاهتمام الدولي بفتح ممرات ملاحية تجارية جديدة واستغلال فرص استخراج الموارد الطبيعية، في وقت يواصل فيه جليد المنطقة التلاشي.
فقد خرجت الولايات المتحدة، للمرة الأولى، باستراتيجية شاملة تهدف إلى توجيه ردود عسكرية في منطقة القطب الشمالي. وقال مسئولون إن الرؤية الأميركية تأتي علي ضوء المخاوف الناجمة عن التغيير المناخي، وترمي إلى تحقيق التوازن بين «الأمن البشري والأمن البيئي» في المنطقة.
في هذا الشأن، أكد الباحث في معهد القطب الشمالي للأبحاث ومقره واشنطن - سيث مايرز - أن «هذه الإستراتيجية الجديدة هي في غاية الأهمية لأنها تعترف بالنفوذ المتنامي لمنطقة القطب الشمالي بالنسبة للولايات المتحدة وباعتبارها منطقة عمليات عسكرية محتملة».
وأضاف أن السؤال الأكبر الذي تثيره هذه الإستراتيجية الأميركية الجديدة هو «كيف سيتم تحمل تكاليف أي تواجد جديد في القطب»، في مرحلة خفض مكثف للموازنة في واشنطن.
وتصور الاستراتيجية الأميركية الجديدة القطب الشمالي على أنه «نقطة انعطاف» سواء من حيث تقلص الغطاء الجليدي أو زيادة النشاط البشري. ففي العام الماضي، سجل العلماء أدنى مستويات للجليد علي الإطلاق في القطب الشمالي، بحيث استطاعت ما يقرب من 500 سفينة شق مياهه بين ألاسكا وروسيا.
ويشكل ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة منذ منتصف فترة الألفين. وصرح وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، أن الخبراء يتوقعون الآن زيادة بمقدار عشرة أضعاف أكثر من ذلك على طول ما يعرف باسم طريق بحر الشمال.
وشرح هيغل لمؤتمر أمني في كندا حيث أعلن عن الإستراتيجية الجديدة، «إننا، بالطرق البحرية في القطب الشمالي، بدأنا نرى المزيد من الأنشطة مثل السياحة والنقل البحري التجاري، وزيادة مخاطر الحوادث، وستجتذب الأسماك المهاجرة الصيادين إلى مناطق جديدة، ما يشكل تحدياً لخطط الإدارة الحالية».
وأضاف «وبينما سيكون هناك المزيد من القدرة على استغلال نحو ربع النفط والغاز غير المكتشف على الكوكب، فإن طوفان الاهتمام باستكشاف الطاقة قد يؤدي لزيادة التوترات بشأن قضايا أخرى».
ويشير العلماء حالياً إلى أن مياه القطب الشمالي يمكن أن تكون خالية من الجليد تماماً لمدة شهر تقريباً بحلول منتصف العقد المقبل، مع توقع فترات أطول بحلول عام 2030، في حين يشعر البعض الآن بالقلق من أن مثل هذه الظروف يمكن أن يؤدي إلى فتح المجال أمام الجميع - ما يؤدي لما وصفه هيغل «بالتحديات غير المسبوقة».
عن هذا، قال هيغل «طوال التاريخ البشري، تسابقت البشرية لاكتشاف آفاق جديدة. ومرة بعد مرة، أعقبت تلك الاكتشافات المزيد من النزاعات». وأضاف أنه «يجب علينا إدارة احتمالات القرن 21 هذه بحكمة. ويجب على الدول التعاون وبناء الثقة من خلال الشفافية والتواصل من أجل تحقيق الإمكانات الكاملة للقطب الشمالي».
ويتم كشف النقاب عن الإستراتيجية الجديدة مع بدء الولايات المتحدة استعداداتها لتولي الرئاسة الدورية لمنتدى الإدارة الإقليمية الرئيسية المعروف باسم مجلس القطب الشمالي. ومن المقرر أن تبدأ ممارستها لهذا المنصب في عام 2015، وهذا سيوفر لواشنطن دوراً قيادياً جديداً فريداً من نوعه بشأن قضايا القطب الشمالي.
وفي الواقع، يلفت الكثيرون النظر إلى الاستراتيجية العسكرية الجديدة باعتبارها خطوة مهمة في بلورة سياسة الولايات المتحدة الوليدة بشكل أكثر عموماً، على رغم أن هذه الرؤية لاتزال غامضة نسبياًًًًًً بل وربما استراتيجياً.
وتقول وزارة الدفاع الأميركية إنها ستسعى لتوسيع فهمها لكل من بيئة القطب الشمالي وتواجدها في المنطقة، وفي الوقت نفسه تعزيز التعاون أيضاً حول مجموعة من القضايا.
وحالياً، تضع الولايات المتحدة نحو 27,000 من العسكريين المتمركزين في آلاسكا. ويقول هيغل إن البحرية الأميركية ستقدم خطة جديدة لعملياتها بحلول نهاية العام. لكن على رغم هذا العدد، إلا أن واشنطن تبدأ في بعض النواحي من موقف ضعيف نسبياً. فقد تحركت دول أخرى في القطب الشمالي بالفعل سعياً إلى وضع أفضل في المنطقة.
وفي الوقت نفسه - وبسبب التخفيضات في الميزانية الاتحادية - يواجه الجيش الأميركي حالياً أول انكماش كبير في تمويله منذ عقود. ومن المقرر أن تستمر هذه التخفيضات على أساس سنوي خلال العقد المقبل.
ويقول مايرز من معهد القطب الشمالي، «ليس مؤكداً أن الولايات المتحدة تمسك بزمام القيادة بشأن قضايا القطب الشمالي. فوفقاً لمؤشرات قابلة للقياس الكمي، روسيا لديها الآن المصالح والقدرات الأكبر في هذا المجال».
ويضيف «على سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة لديها اثنتان فقط من كاسحات الثلج في المنطقة، وكلاهما تابعة لخفر السواحل. والواقع أن مدى تواجد الولايات المتحدة بفعالية في الأمد القريب إلى المتوسط لايزال غير واضح، إلى حد كبير بسبب السياسات المالية. لهذا السبب تضع الاستراتيجية الكثير من التركيز على الشراكات».
وتبني الإستراتيجية العسكرية الجديدة على وثيقة أقصر للأهداف/الرؤية صدرت في وقت سابق هذا العام من البيت الأبيض، وتعرضت لانتقادات كثيرة لتركيزها الكبير على إمكانات استخراج الوقود الأحفوري. كما واجهت انتقادات مماثلة بشأن التوجه السياسي لمجلس القطب الشمالي.
في هذا الصدد، قال قائد فريق السلام الأخضر للقطب الشمالي غوستافو أمبوجنيني، الذي ينتقد المضاربات الجارية على النفط في القطب الشمالي، «نحن سعداء بأن استراتيجية وزارة الدفاع للقطب الشمالي تعترف بتناقص الغطاء الجليدي في القطب الشمالي. ولكن لا ينبغي أن ينظر إلى ذلك كفرصة للعمل، لا لخلق ظروف أفضل للقيام بأعمال تجارية تهدف لاستغلال ثرواته».
وأضاف أن «ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي هو رمز لتدمير هذا الكوكب، وليس حافزاً للوصول إلى هناك ولاتخاذ إجراءات كان لا يمكن أن تتخذ حتى وقت قريب جداً».
وفقاً لتقديرات الولايات المتحدة، فقاع المحيط المتجمد الشمالي به نسبة كبيرة من احتياطيات النفط غير المستغلة المتبقية بالأرض بما في ذلك نحو 15 في المئة من النفط المتبقي ونحو 30 في المئة من احتياطيات الغاز.
وبالفعل بدأت شركة النفط الروسية غازبروم المدعومة من الدولة في التنقيب عن النفط، حيث تم اعتقال العشرات من نشطاء منظمة السلام الأخضر مؤخراً، في حين كررت شل محاولاتها للبدء في القيام بذلك في المياه الأميركية.
العدد 4135 - الأربعاء 01 يناير 2014م الموافق 28 صفر 1435هـ