العدد 4139 - الأحد 05 يناير 2014م الموافق 03 ربيع الاول 1435هـ

ما أضيق جنَّتكم وما أوسَع ناركم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثبتَ «التكفير» أنه بلا «تفكير». ليس ذلك فحسب، بل هو بلا «قواعد آدمية» حتى، لطالما احتَكَمَت إليها الإنسانية في تعاملاتها وتدافعها. لا ضمير. لا أخلاق. لا رحمة. لا وعي. لا عدالة. لا إنصاف. وعندما تتجلَّى كل تلك العناوين في أمر ما، يصبح بلا شيء يُذكر.

إن كان العالَم به سبعة مليارات من البشر، فإن ستة مليارات منهم يجب أن يذهبوا إلى النار بحسب ثقافة التكفير! لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، أن المليار المتبقي، سيكون نصيب أهله الجنة، حتى ولو كانوا مسلمين، يشهدون ألا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله، فما ينتظرهم من غَرْبَلَة مذهبية وسياسية وفكرية سيُفضي بمئات الملايين منهم إلى النار وبئس المصير، بحسب ثقافة التكفير!

ثم وإن تبقى شيء من تلك الملايين «الناجية» فإن مسلسل الغَرْبَلَة لن ينتهي مطلقاً، بل إن عملية التشذيب ستستمر. حتى يُستَخلَص الأنقى من النقيِّين، والأصلح من الصالحين، والأصدق من الصادقين، كي لا يبقى سوى آحاد الناس مِمَّن يستحقون الجنة!

وربما هذه هي فلسفة التكفير، القائمة على رؤية الكون من خلال حَيِّز المُكَفِّر الجسماني والفكري، وكأن اختصاراً لامحدوداً لأجرامٍ وأراضٍ وحَيَوَات، قد بدأ ولم يتوقف إلاِّ حِذَاءه، لتبدأ تالياً آلة القضم الممنهج لذلك الحيَّز ذاته، في صورة من صور الساديَّة المتطرفة على النفس وضد الأغيار معاً.

قبل أيام، قرأتُ خبراً مثيراً للشفقة من سورية، يفيد بأن تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) المرتبط بالقاعدة، قد أهدَرَ دماء كل منتمي «الجبهة الإسلامية» التي تضم أكبر تجمع لفصائل المعارضة المسلحة في سورية، واصفاً إيَّاهم بأنهم «أعداء الله».

وقد أصدَرَت «داعش» ذلك الهَدْر في الدم، بناءً على فتوى أصدرها أميرها في شمال سورية، ويُدعَى أبو عبيدة العدم (دققوا في اسمه جيداً)، متبوعاً بتهديدٍ لكل من «لواء التوحيد»، و»جيش الإسلام»، و»الجيش الحر» (فضلاً عن النظام السوري) بالقصاص والقتل.

وكانت «داعش» قد أسَرَت ثم عذَّبَت ثم قَتَلَت القيادي في الجبهة الإسلامية المعارضة الطبيب حسين السليمان (أبو ريان)، مدير معبر تل أبيض، ومعه عشرون عنصراً (وهو أساس الخلاف) لكنها قتلت قبله المئات من الأكراد وأهل حلب والساحل وإدلب من المدنيين، بينهم قُصَّر ومجانين.

وبِغَضِّ النظر عن موقفنا من مسألة العَسكَرة في سورية، إلاَّ أن ذلك المشهد القاسي، يُعطينا حقيقة ذلك التفكير الأعمى، الذي لا يُبقِي ولا يَذَر، وكأنه هندسة دينية عمياء، كالهندسة الاجتماعية التي فعلها الخمير الحمر في كمبوديا والتي أبادوا فيها الملايين من الفقراء والعُزَّل.

يحب أن يعلم أولئك، أن هذا العالَم ليس مُلْكاً لأحد. ورجاله ليسوا عبيداً لأحد. ونساؤه ليسوا إماءً لأحد. وثرواته ليست حكراً على أحد. وعليهم إن اعتقدوا غير ذلك أن يفهموا أنهم جُهَّال وحمقى، وجبابرة لا يقلّون خطراً عن جبابرة السياسة والسلطة، بل وربما هم أشد قسوة، وأكثر بلاءً منهم.

لم تبنِ إحدى الديانات ولا أحد الأعراق ولا شعباً ولا أمة ما وصلنا إليه من تطور علمي ورخاء؛ بل إن جميع أولئك وضعوا حجراً في هذا العالَم بمختلف مشاربهم. المسلمون، كانت لهم دولة عظيمة، وصلت إلى الصين وإسبانيا، لكنهم أيضاً تعلموا في ازدهارهم على غيرهم من الديانات (كالمسيحية) دون غضاضة.

لقد كانت مدرسة الاسكندرية السريانية في أوائل القرن السابع الميلادي تزدهر بالطب. وكان من روّادها يوحنا النحوي عَرَّابُ الشروحات الفلسفية لأرسطو، والمدافع عن الحالة الدينية بحججه الثمانية عشر ضد وثنية برقلس، حتى تأثَّر به الإمام الغزالي في عصره.

هؤلاء المتعصبون من التكفيريين لم يقرأوا عن يوحنا الأفامي، ولا عن الفيلسوف سرجيوس الرأس عيني، ولا عن أيوب الرهاوي ولا عن يوسغ بُخَت ولا عن دِنّحا وطيماتاوس الأول (وكلهم مسيحيون)، ولا عما أتحفتنا به نصيبين والمدائن وجنديسابور وآمد ودير القديس أفينوس في قنسرين بسورية، وكيف استفادت منهم الحضارة الإسلامية وحكامها خلال عصور التقدم والازدهار، كما ذُكِرَ ذلك بالتفصيل في موسوعة الحضارة.

هؤلاء المتعصبون اليوم يختصرون الدنيا في أنفسهم، ويختصرون حياتهم في ممات غيرهم، ويُضيِّقون الدنيا على غيرهم، فلا يكون فيها أخ لهم في الدين، ولا نظير لهم في الخلق، كما وصف الإمام علي علاقات البشر ببعضهم. إن هذا الفكر الأعمى هو تزوير للدِّين وللإنسانية كلها.

كم هي قاسية أن يحمل الإنسان على ظهره هَمَّ تصنيف البشر، فيُعاملهم طبقاً لملبسهم ولحاهم ومعتقداتهم، دون أن يُطلق لنفسه (ويريحها) حين ينظر لهم على أنهم بشرٌ مثله، بل وأخوة في الدم والتراب! ألم نتعلَّم أننا كلنا لآدم وآدم من تراب؟

قبل أيام كنتُ أتصفح كتاب نَسَب قريش، لأبي عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيري وكان يتحدّث عن أنساب العرب، وبالتحديد عن مَعَدّ بن عدنان وصِلَتِه بنبي الله إبراهيم الخليل (أبو الأنبياء). وقد تحدث قبل ذلك أيضاً عن نَسَبِ إبراهيم نفسه، وهو نسَبٌ يعطينا صورة أوسع لأنفسنا ومَنْ نكون.

لقد ذكر أنه إبراهيم بن آزر بن التاجر بن الجاشع بن الراعي بن القاسم الذي قسم الأرض بين أهلها، ابن يَعْبُر بن السائح بن الرافد بن السَّائم، وهو سام بن نوح نبي الله، ابن ملْكان بن مَثُوب بن إدريس نبي الله – عليه السلام - بن الرائد بن مهْلِيل بن قِنَّان بن الطاهر بن هبة الله بن شيث بن آدم أبي البشر.

وهنا قد يتفكَّر الإنسان في نَسَبِ كل هذا العالم، وكيف أنهم من صُلبٍ واحد (كما قلتُ هذا في مقال سابق قبل شهور)، ما يعني، أن القتل اليوم هو قتلٌ من الأخ لأخيه قبل أن يكون قتلاً من منتمين لأديان على منتمين لأديان أخرى. هذه هي الحقيقة المُرَّة يا أخوة. نعم فنحن أخوة!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4139 - الأحد 05 يناير 2014م الموافق 03 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 7:31 ص

      كل الناس في نظرهم في النار

      جيوش العار مثل داعش واللانصره واللاحر جيوش الخزي والقتل والدمار يدعون ان لهم الجنة وكل الناس في النار عقول بليدة وأفكار هابطة محد له النار غيرهم وترحب بهم اذا كان هذا تفكيرهم الجزاء عند رب العالمين وحده وعلم الغيب ومصير البشر عنده الأولى بهم ان يتقوا الله في الأرواح البريئة هذلين حتى النار تخاف منهم وهم تلامذة إبليس الرجيم

    • زائر 14 | 5:18 ص

      دعاة الضلال

      هذه الزمرة من التكفيريين ما هم سوى دعاة للضلال والانحراف والقتل والأجرام ومن يؤيدهم فهو على شاكلتهم قلبا وقالبا تجردوا من الرحمة والانسانية ويدعون التدين وهم بعيدين كل البعد عن الدين الإسلامي دين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وهؤلاء لا رحمة لديهم وهم حطب جهنم

    • زائر 12 | 4:21 ص

      كفار ضلالا

      رسول الله يقول ان دماءكم واعراضكم واموالكم عليكم حرام الا لا ترجعن بعدي -كفارا -ضلالا - يضرب بعضكم رقاب بعض

    • زائر 10 | 3:09 ص

      متابع

      :"وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ غ–

    • زائر 9 | 3:01 ص

      متابع

      ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابةٍ نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا !
      (محمود درويش)

    • زائر 8 | 2:01 ص

      إبتلاء الأمة الإسلامية بالإرهاب والجهل والتطرف

      يحب أن يعلم أولئك، أن هذا العالَم ليس مُلْكاً لأحد. ورجاله ليسوا عبيداً لأحد. ونساؤه ليسوا إماءً لأحد. وثرواته ليست حكراً على أحد. وعليهم إن اعتقدوا غير ذلك أن يفهموا أنهم جُهَّال وحمقى، وجبابرة لا يقلّون خطراً عن جبابرة السياسة والسلطة، بل وربما هم أشد قسوة، وأكثر بلاءً منهم.

    • زائر 7 | 2:00 ص

      لغة التكفير متنوعة الاشكال

      ثقافة التكفير موجودة ولكن بمسميات مختلفة . فحتى الذين يعتقدون أن تلك الملة في النار فهم يكفرونهم ولكن بطريقة أخرى

    • زائر 13 زائر 7 | 4:42 ص

      منتهى التخلف

      التكفيريون أفكارهم موضع استهزاء يقتلون الأبرياء ويحلمون بالحوريات وتناول الطعام مع النبي صلى الله عليه وآله انتم ليس لكم سوى جهنم تستعر في جلودكم والنبي براء منكم ومن أفعالكم حتى أشكالهم مخيفة تشبه كفار قريش يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد هذا هو مكانهم

    • زائر 5 | 1:11 ص

      الكفر

      الكفر مله واحده وليس هم المشركون والكفار فقط بل كل من يكفر بالله ورسوله وماجاء به فى القرأن والأسلام المحمدى الأصيل سواء من هؤلاء التكفريين الجدد او السابقين الذين اتخدوا الدين جسر لمأربهم ومصالحهم بقتل من يخالفهم.

    • زائر 4 | 12:29 ص

      عبد علي

      فرعون أراد بكلمه ذكيه داهيه ((ما بال القرون الاولى ))أراد فرعون أن يقول لاهل مصر ، بني اسرائيل أن موسى يقول أن آبائكم كلهم في النار لانهم غير مسلمين , كما يدعي موسى أن كل انسان ليس بمسلم يدخل النار , فأجابه موسى في جمع من اهل مصر ، بذكاء وفطنه قائلا : علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ، فخسر فرعون خسرانا عظيما ، وبائت خطته بالفشل !!
      يقول الامير عليه السلام : مخاطبا احد ولاته اعلم ان الناس اما أخ لك في الدين وإما اخ لك في الخلق ، يعني كلنا اخوه يا ...،،، والجنه مو في ايد احد..

    • زائر 3 | 12:10 ص

      كلاهما حلوهم مر

      داعش وجبهه النصره والمتبقى من خواتها لا فارف بيتهم وبين السلفبه الوهابيه ممن يكفروا كل مخالف عن عقائدهم الهدامه

    • زائر 1 | 10:31 م

      المشكلة ان لهذا الفكر دعاة وانصار من علماء الدين

      قبل يومين وقف احد شيوخ البحرين والمفروض ان لديه دكتوراة وقف داعما لمثل هذا الفكر الذي لو اختلف هو معه يوما في جزئية بسيطة لبعثه الى نارهم كما يزعمون وقد فعلوا ذلك حين اختلفوا مع بعضهم القتل وسفك الدم هو الحل الاوحد لديهم

اقرأ ايضاً