العدد 4145 - السبت 11 يناير 2014م الموافق 10 ربيع الاول 1435هـ

سائق أجرة تونسي... وحديث عن العدالة الانتقالية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

بعد العام 2011 تسنَّت لي زيارة تونس (بعد انتصار ثورة الرَّبيع العربي) وأول ما لفت انتباهي هو كتاب عن «العدالة الانتقالية» وجدتُّه مرميّاً على أحد مقاعد سيارة الأجرة التي طلبت من سائقها أخذي مع زملائي إلى شارع الحبيب بورقيبة. هذا الشارع الذي سمعت عنه الكثير وودتُّ رؤيته عن قرب، فهو الشارع الذي شهد بداية حراك التغيير في المنطقة العربية... الحراك الذي مازال يشهد الكثير من التقلبات السياسية.

سائق الأجرة التونسي كان في العقد الثالث، خريج جامعي، ويتحدث خمس لغات أوروبية إضافة إلى اللغة العربية مما أثار دهشت زملائي من عرب وأجانب وممن اعتقد أنه يتحدث فقط الفرنسية إلى جانب العربية.

فضولي دفعني إلى تصفح الكتاب، وسألت سائق الأجرة: ماذا يفعل هذا الكتاب في سيارتك؟ هل أضاعه أحد؟ فأجاب مبتسماً بأن هذا الكتاب هو له وكان يقرأه لأن هناك حديثاً عن أهمية العدالة الانتقالية في تونس ومن الضروري أن يكون شخص مثله على وعي تام بما يحصل في وطنه، كما كرر وهو يضحك «نقابي ونموت على بلادي»، وهو شعار الاتحاد العام التونسي للشغل.

أكمل حديثه قائلاً: «الاتحاد العام التونسي للشغل هو قلعة نضال، وسيبقى الضَّامن الحقيقي والوحيد لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في تونس».

حديث هذا السائق مازال عالقاً في الذاكرة... ومناسبة التطرق إلى الموضوع هي تصديق المجلس التأسيسي في (15 ديسمبر / كانون الأول 2013) في تونس وفي جلسة عامة على قانون «العدالة الانتقالية» الذي يهدف بالأساس إلى جبر الأضرار التي لحقت بضحايا نظامي الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة. ويهدف قانون العدالة الانتقالية إلى «تفكيك منظومة الاستبداد، والفساد السياسي والاقتصادي، وحفظ الذاكرة الوطنية المتعلقة بتاريخ تونس المستقلة في مجال حقوق الإنسان» بحسب الفصل الرابع من مشروع القانون.

وقد عرَّفت وكالة الأنباء التونسية قانون العدالة الانتقالية بأنه «مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسئولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار إليهم بما يحقق المصالحة الوطنية، ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات، والانتقال من حال الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان».

وينص القانون على إحداث «هيئة الحقيقة والكرامة» (مستقلة) تتولى رصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في عهدي بورقيبة (1957-1987) وبن علي (1987-2011) وتحديد مقترفيها وإحالتهم إلى العدالة. وأضافت الوكالة أن «قانون العدالة الانتقالية يشتمل على 70 فصلاً، وأن المجلس التأسيسي «رفض مقترحاً» بإضافة باب «تحصين الثورة» إلى هذا القانون لعدم حصول المقترح على العدد الكافي من الأصوات».

رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر قال إنه «نظراً إلى الحساسية الشديدة لهذا الملف (...) خيرنا التريث حتى لا نعيد إنتاج الظلم»، بينما أعلنت النائبة عن حركة النهضة الاسلامية كلثوم بدر، ورئيسة لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي في أول جلسة عامة مخصصة لمناقشة مشروع قانون العدالة الانتقالية، أن القانون سيشمل الانتهاكات الحاصلة منذ العام 1955 من دون تحديد أسباب اختيار هذا التاريخ من دون غيره». وأقرت النائبة بأن عرض مشروع القانون على المجلس التأسيسي تأخر إذ يأتي بعد حوالي ثلاث سنوات على الإطاحة بنظام بن علي.

ومن لا يعرف ما هي «العدالة الانتقالية» فهي تهدف إلى فتح آفاق الاستقرار في المجتمع والدولة، ولا يمكن أن يتم ذلك بسواعد من اتهموا بارتكاب جرائم بحق مجتمعاتهم، فهؤلاء يعيشون «الوهم» بل ويعانون من عقدة القتل التي تبقى تلاحقهم حتى آخر رمق من حياتهم. ولا يمكن أن ينفتحوا على الطرف الآخر مادام الإرهاب والقتل وبث الكراهية وسيلة للخلاص بدلاً من مصالحة قد تهدد مصالح من يعيش على آلام وبؤس الآخرين.

وحتى تبدأ المجتمعات بإعادة البناء الاجتماعي فلابد أن تكون هناك مصالحة وطنية، تأسيس لجان الحقيقة، تعويض الضحايا، إصلاح مؤسسات الدولة العامة مثل قوى الأمن، الشرطة، الجيش، الاعتراف بواقع المشكلة وتقبل التغيير والحلُّ المتوقع لوقف سلسلة الانتهاكات. أيضاً وقف إساءة استخدام السلطة ضد المعارضة أو لمجرد الاختلاف في الرأي سواء من خلال المحاكمات أو التعذيب أو السجن أو القتل خارج القانون، وقف نهب المال العام على حساب الشعب وإفقاره وزيادة الدين العام.

لعل سائق الأجرة التونسي سعيد اليوم بخطوة التصديق على قانون العدالة الانتقالية، والأمل في أن تنجح تونس في تقديم أنموذج أفضل للعدالة الانتقالية في وطننا العربي، فعلى رغم أن المغرب حاليّاً هو أول بلد عربي في هذا المجال، فإن تجربته منقوصة إذا قورنت بتجربة جنوب إفريقيا، وبالتالي فإن تونس التي اعطتنا الأمل بانتصار الإرادة الديمقراطية على الاستبداد، ربما توضح السبيل إلى عدالة دائمة تمر عبر عدالة انتقالية حقيقية.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4145 - السبت 11 يناير 2014م الموافق 10 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:33 م

      موضوع ممتاز يستحق القرأءة

      تطبيق العدالة الانتقالية عندنا فى البحرين يعد من المستحيلات ...

اقرأ ايضاً