العدد 4147 - الإثنين 13 يناير 2014م الموافق 12 ربيع الاول 1435هـ

تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس... الاستثناء الجميل

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

بعد أن تحققت إرادة شعوب بعض البلدان العربية، على غرار مصر وتونس وليبيا واليمن بالتخلّص من رموز الحكم الديكتاتوري، دخلت هذه الدول أو ما صار يعرف بـ «دول الربيع العربي»، مرحلة الانتقال الديمقراطي نحو الاستقرار النهائي.

غير أنّ هذه التجربة الجديدة في البلاد العربية لم تكن بذلك القدر المأمول من السلاسة، بل حفّتها صعوبات، ووقفت ضدها تيارات داخلية وخارجيّة، حتى كادت الثورة المضادة تحجب الثورة الأصلية التي اندلعت في هذه الدول، وهو ما أدّى إلى استمرار الصراع السياسيّ والاقتتال وتشريد المواطنين وانقسام المجتمعات في هذه الدول طائفياً أو ايديولوجياً أو قبَلياً أو على أساس أيّ رابطة أخرى دون وطنية.

ولا يزال العالم ينظر إلى التجربة التونسية، مهد الثورات العربية، نظرة إيجابية إلى درجة أنها، وعلى حد تعبير «واشنطن بوست»، نموذج ينبغي على الدول الأخرى مثل مصر وليبيا أن تقتدي به، وذلك فيما يتعلق بالتسوية وإيجاد الحلول الوسط التي من شأنها دفع العملية الديمقراطية.

نعم، يبدو المجتمع الدولي منجذباً إلى الحالة التونسية في تجربة الانتقال الديمقراطي، ذلك أن حكومة الترويكا ذات الغالبية الإسلامية (حركة النهضة) أوفت بوعودها وقدم رئيسها علي العريض استقالة حكومته في إطار معالجة وطنية قادها الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس، بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل حيث انتهت البلاد إلى أزمة سياسية وأمنية خانقة بعد اغتيال الشهيد شكري بالعيد ومحمد البراهمي 6 فبراير/ شباط و26 يوليو/ تموز 2013، تلتها عمليات إرهابية ضد رجال الجيش ومحاولات متفرقة هنا وهناك لزعزعة الأمن، فضلاً عن الصعوبات الاقتصادية وتفاقم مشاكل البطالة. وهو ما أدى إلى تنازل القوى السياسية عن مصالحها الحزبية الضيقة لفائدة تونس حيث فتحت صفحة جديدة يتطلع كل التونسيين أن تكون ناجحةً رغم الظروف الحرجة التي تمرّ بها البلاد.

ولعلّ الفرصة سانحة أمام حكومة المهدي جمعة، رئيس الحكومة التوافقيّ المرتقب؛ حيث انّ فرص نجاحها تفوق احتمالات فشلها بكثير؛ إذْ أنّ تشكيل هذه الحكومة كان حاجة سياسية لهثت وراءها الأحزاب والمنظمات الوطنية، بل لعلّ كل الشعب يتوقع أن خلاصه فيها ومعها. إضافة إلى مراهنة دول الجوار وشركاء تونس الاقتصاديين على هذه الحكومة لتأمين استقرار البلاد وانتقالها الديمقراطي.

كما أنّ التفاف الأحزاب والمنظمات الوطنيّة حول حكومة المهدي جمعة، وتعهّد الاتحاد العام التونسي للشغل بهدنة اجتماعية، خير دليل على المناخ السياسيّ والاجتماعي الإيجابيّ الذي تنشأ فيه حكومة المهدي جمعة، ومن ثمّة تكون ممهدات النجاح وفرصه وافرة.

نعم، لقد تغلب العقل السياسيّ التونسي على العواطف الحزبية، حتى وإن تأيدت بأغلبية انتخابية وانتصر صوت الحكمة على نوازع التفتين ونوايا التخريب وإرادة بعض القوى مزيد بث للبلبلة في البلاد. وتأكدت الطبقة السياسية في تونس بعد أن كاد الشعب يفقد ثقته فيها، أن المصلحة العليا للوطن تغلب ما سواها وما دونها.

إن تقديم رئيس الحكومة النهضوي علي العريض استقالته بالتوازي مع تقدم المجلس التأسيسي في المصادقة على الدستور وانتخاب الهيئة العليا للانتخابات، يؤكد تلازم المسارات الثلاثة (الحكومي الانتخابي الدستوري) التي اتفق حولها الفرقاء السياسيون بمعية الرباعي الراعي للحوار، ومن ثمة تعهد كل طرف بتطبيق ما أنيط بعهدته في الآجال المطلوبة.

إن تاريخ 14 يناير/ كانون الثاني 2014 سوف يكون فعلاً مناسبةً احتفاليةً في تونس، بل قد يكون العدد 14 طالع خير على تونس، ففي 14 يناير 2011 هرب المخلوع، وفي 14 يناير 2014 تتوافق الإرادة السياسية في تونس على مصلحة البلاد، وبالتالي سيكون احتفال هذه السنة بذكرى الثورة في تونس ذا مذاق خاص لتوافق الإرادة السياسية مع الإرادة الشعبية على مصلحة البلاد.

وتؤكد تونس بذلك من جديد للمجتمع الدولي أنها لا تقدم دروساً في العمل الثوري، وليس من شأنها تصدير أيّ فكر ثوري، ذلك أنّ لكل بلاد توازناتها الداخلية والإقليمية والدولية. وإنّما تمثل الحالة التونسية في المرور من الوضع الانتقالي إلى مرحلة الاستقرار النهائي درساً جديداً في تجاوز «المطبات المركبة والانحرافات الصعبة والخطيرة إلى وضع أكثر طمأنينة» على حدّ رأي البعض.

إن رئيس الحكومة المرتقب بإمكانه أن يصنع لنفسه ولحكومته ولتونس، مجداً سياسياً وانتصاراً للانتقال الديمقراطي، إن هو حرص على الحياد والاستقلالية، وتمسّك بضرورة الوقوف على نفس المسافة من جميع العائلات السياسية. صحيحٌ أنه كما صرّح، لا يملك «عصا موسى»، وحقيق أن التحديات تنوء بها الحكومات العتيدة والاقتصاديات القوية، ولكن الإرادة السياسية التونسية تضرب موعداً آخر مع التاريخ لتضع فصولاً جديدة في كتاب الحرية، وتقدّم دروساً ليست أقل من دروس المناضل العظيم نيلسون مانديلا في الانتقال الديمقراطي. ولعل تونس تكون بذلك استثناءً جميلاً في هذا الربيع العربي الذي أريد له أن يكون خريفاً.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4147 - الإثنين 13 يناير 2014م الموافق 12 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:17 ص

      هذا رأيي

      افكار جميلة لواقع يبدو جميلا على الاقل في الوقت الحقيقي ولا نستبعد ان تكون روح التفاؤل التي يعبق بها حيز هذا المقال واقعا بالقوة . لتحيا تونس بلدنا الجميل ...

    • زائر 3 | 9:03 ص

      هل الاسلاميون فيتونسشكل ثاني

      السلام عليكم وشكرا علىا المقال

    • زائر 2 | 5:18 ص

      نعم هي فرصة نرجو استثمارها

      كما أنّ التفاف الأحزاب والمنظمات الوطنيّة حول حكومة المهدي جمعة، وتعهّد الاتحاد العام التونسي للشغل بهدنة اجتماعية، خير دليل على المناخ السياسيّ والاجتماعي الإيجابيّ الذي تنشأ فيه حكومة المهدي جمعة، ومن ثمّة تكون ممهدات النجاح وفرصه وافرة.

    • زائر 1 | 12:42 ص

      نرجو ذلك

      ولكن الإرادة السياسية التونسية تضرب موعداً آخر مع التاريخ لتضع فصولاً جديدة في كتاب الحرية، وتقدّم دروساً ليست أقل من دروس المناضل العظيم نيلسون مانديلا في الانتقال الديمقراطي. ولعل تونس تكون بذلك استثناءً جميلاً في هذا الربيع العربي الذي أريد له أن يكون خريفاً.

اقرأ ايضاً