العدد 4149 - الأربعاء 15 يناير 2014م الموافق 14 ربيع الاول 1435هـ

ثلاثة مصابيح في ظلامٍ كالح!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في وَضْح النهار، والنور يلفنا، لا نلتفت إلى الشمس. لكننا في الظلام الحالِك، نتوسَّل مصباحاً في راحة الكَف، كي لا نتخبَّط، ويكون سيرنا أمراً دونه شيبُ الغراب. ما أغلى الأشياء حين تقل، وما أرخصها حين تكثر. ولو كان الذهب موجوداً بِسِعة التراب، لكان سعره كسعر التراب، الذي سيكون هو الآخر بسعر الذهب لو كان بندرته كما هو الآن.

في هذا الزمن المر، كم نحن محتاجون إلى الشمس! فظلمتنا كالحة، والمصابيح فيها شحيحة، يتلقفها الأفراد، بل تتلقفها الشعوب بمجاميعها المليونية، رغم أن ضوءها غير قادر على ابتلاع ظلمتنا السوداء، التي شكَّلتها جائحة الطائفية والانقسام الاجتماعي، فغدا الناس وكأنهم في نوبة جنون هستيري، وهَلَعٍ من أنفسهم، يقتلون بعضهم بعضاً، رغم أن دينهم واحد، بل وأبدانهم من طينة وتراب واحد.

خلال الأيام الماضية، مَنَحتنا السماء، ثلاثة مصابيح، قد تساعدنا على إضاءة حالنا المزري، وليالينا الليلاء. الأول: مصباح من سورية. والثاني: مصباح من بلاد الرافدين العراق. والثالث: مصباح من باكستان محمد علي جناح. ورغم أنها مصابيح صغيرة كما قد يراها البعض، لكنها لا تُقدَّر بثمن، والظلام يُغطِّي كل شيء أمامنا. ورغم الأسف في التسميات الكريهة، إلاَّ أن الحال يقتضي التصريح لا التلميح وسط هذا الانفلات.

المصباح السوري: وقد توقَّد لنا من عَدرا. وهي مدينة صناعية عُمَّالية، تقع شمال شرق دمشق، وهي إحدى أهم المدن السورية منذ أيام الغساسنة. قبل أسابيع، دَخَلَت مجاميع مسلَّحة، تنسب نفسها زوراً وبهتاناً إلى المعارضة السورية، وارتكبت مجزرة مريعة بحق مئتيْن من المدنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، والذنب فقط أنهم من الطائفة العلوية الكريمة!

كان العدد سيرتفع إلى أضعاف مضاعفة، لولا الحميَّة الوطنية عند السوريين من الطائفة السُّنية الكريمة في المدينة، إلى الحد الذي عرَّض كثيراً منهم إلى الموت بسبب تهمة الخيانة وإيواء أخوتهم. سيدة سورية فاضلة أعطت هوية ابنها المسافر إلى جارها، وادعت أنها والدته كي تنقذه، فعُفِيَ عنه.

بالتأكيد، ليس ما جرى في عَدرا من مواقف مُشرِّفة هي الوحيدة في سورية. فمحافظة السويداء «الدرزية» تؤوي اليوم ثلاثين ألف لاجئ سوري، قَدِمُوا إليها من الجوار المتنوِّع طائفياً وعرقياً، وبالتحديد السُّني: درعا وريف دمشق الملتهبتيْن، ومن غيرها أيضاً. وهم اليوم يعيشون ويعملون بين أخوتهم في تلك المحافظة الأبيَّة، التي قدَّمت 53.1 بالمئة من شهداء ثورة الاستقلال ضد الفرنسيين في العام 1925.

مناطق الساحل السوري العلوي (طرطوس، بانياس، اللاذقية وجبلة) باتت تؤوي اليوم مليون نازح سوري من إخوتهم السوريين من مختلف الطوائف والأعراق، وأغلبهم من المكوِّن السُّني الحلبي والإدلبي والحموي والحمصي. أربعون تاجراً من كبار صناعيي حلب، تركوا مصر، وعادوا إلى سورية وبدأوا في إنشاء مصانعهم في المنطقة الحرة باللاذقية.

المصباح العراقي: وقد انبلج نوره من محافظة كربلاء العراقية. وهي مدينة دينية مقدسة، تقع على بُعد 105 كم جنوب غرب بغداد، على طرف البادية، ويحدها من الشمال والغرب محافظة الأنبار وجنوباً النجف، ومن الشرق والشمال الشرقي محافظة بابل.

بعد المعارك الضارية التي جَرَت (ولازالت) في محافظة الأنبار، التي يخوضها الجيش العراقي ورجال العشائر وتنظيم «داعش» في الرمادي والفلوجة، نَزَحَ الآلاف من أهالي الأنبار «السُّنية» باتجاه محافظة كربلاء «الشيعية»، ومدن الزائرين فيها، وقضاء عين التمر، حيث تم إيواؤهم واحتضانهم وهم في محنة الهجرة القسرية.

وربما كان هذا المشهد هو الطبيعي للعراق، الذي تتداخل فيها الديموغرافيا بشكل كبير، إلى الحد الذي لا يمكن فيه التمييز بين القاطنين والنازحين من الأغيار. فالأنبار ذات الأغلبية السُنيَّة تضم عشائر شيعية. والبصرة ذات الأغلبية الشيعية، تضم عشائر سُنيَّة.

هذا الأمر ليس بغريب في بلد وصلت فيه الزيجات المختلطة إلى الثلث من مجموع زيجات العراقيين، كما ذكر ذلك روبرت كولفيل في تقريره مجلة (REFUGEES) في عددها رقم 146. هذا هو الأمر الطبيعي في العراق، وهو أمر لم يكن يوماً استثناءً أبداً. بل إن الأمور ظهرت كمسخ فقط بعد الاحتلال الأميركي البغيض للعراق، وتشطيره في إبريل/ نيسان من العام 2003.

المصباح الباكستاني: وقد أضاءهُ صبيٌ لم يتجاوز عمره الخمسة عشر عاماً يُدعَى اعتزاز حسن، من مدينة إبراهيم زاي في إقليم هانغو بمحافظة خيبر باختونخوا (شمال غرب باكستان). هذا الصبي وعندما كان يلعب مع أصدقائه خارج مدرسته لَمَحَ شخصاً يهمُّ بسرعة نحو المدرسة، وقد تزنَّرَ بسترة ناسفة على بطنه.

كان منظره مريباً، كما يُرتَاب عادةً من الانتحاريين في باكستان، الأمر الذي دفع بالصبي اعتزاز، لأن يلحق به ليمنعه من الدخول قائلاً لِمَن معه: «سأمنعه، إنه يعتزم قتل أصدقائي»، ثم هَمَّ به ممسكاً بتلابيبه، فما كان من الانتحاري إلاَّ أن فجَّر نفسه في ذات الأثناء الذي رمى فيه الصبي بنفسه عليه، على بُعد مئة وخمسين متراً من المدرسة.

استشهد الصبي اعتزاز حسن، ونجا ألف طالب كانوا في المدرسة. وربما نتذكر هنا ما جاء في الآية الكريمة الثانية والثلاثين من سورة المائدة: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغيرِ نَفسٍ أَو فسادٍ في الأَرضِ فكأَنَّما قتل الناسَ جميعاً ومن أَحياها فكأَنَّما أَحيا النَّاسَ جميعاً».

وبعد هذه الحادثة «الوطنية» تنادى جمعٌ غفيرٌ من الباكستانيين، من سياسيين وإعلاميين وناشطين في المجتمع المدني لدعوة الحكومة في إسلام آباد كي تمنح هذا الصبي، وساماً عسكرياً، أسوةً بالفتاة اليافعة مالالا يوسف زاي، التي أطلقت عليها حركة طالبان الرصاص لنشاطها في مجال تعليم الفتيات.

هنا، ما يُؤسَف له أن يمسي المسلمون والعرب اليوم، وهم يتوسلون المصابيح الصغيرة كي تنير دروبهم، في الوقت الذي بيدهم أن يستفيئوا بالشمس، لكن عمى القلب وضيقه، مَنَعهم من ذلك، إلى الحد الذي لم يُدركوا أن خلاصهم هو في كلمة من حرفين: حب. وكما قال الشاعر المبدع إيليا أبو ماضي:

أحْبِبْ فيَغدو الكوخ كَوْناً نَيِّراً ... وابغضْ فيُمسِي الكَوْنُ سِجناً مُظلما.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4149 - الأربعاء 15 يناير 2014م الموافق 14 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:26 ص

      تسلم.. الله ينور دربك

      أحرص على قراءة مقالاتك دائما

    • زائر 8 | 6:40 ص

      ان شاء الله المصباح الاهم

      ان شاء الله المصباح الاهم هو الدي يخرج المبلد من ألنفق المظلم

    • زائر 7 | 5:06 ص

      اخخخ

      تذكرت قصيدة كن بلسما في اخر بيت

    • زائر 6 | 3:44 ص

      علي نور

      وهنا مصباح رابع حيث الثورة المسالمة التي ظلمت وانكر حقها في ابسط الاشياء واتهمت زورا وبهتانا بالصفوية والخيانة لا لشي سوى انها طالبت بالعيش بكرامة لكل انسان يمشي على ارض هذا الوطن لكنها حوصرت وهدمت مساجدها واهينت كرامتها وقتل شبابها.
      وهنا مصباح خامس هو قلمك اليوم الذي ينبض بالحرية والكرامة ..شكرا لك حيث كتبت مقالك اليوم ..

    • زائر 5 | 3:29 ص

      والله يا اخى بكل صدق

      اننى كرهت وبشده هاده الالقاب سنى وهادا شيعى وهادا يزدى وهادا علوى وداك درزى وووووو لمادا لا نقول نحن بشر كلنا ابناء ادم وحواء وادم من تراب ربنا واحد وكتابنا واحد ورسولنا واحد كما قال مولانا امير المؤمنين على كرم الله وجهه الناس صنفين ام اخنا لك فى الدين ام شبيهأ لك فى الخلق معادله دقيقه جدأ انظروا مادا يفعلون التكفيرين وكلهم من صنف واحد وعقيده جهنميه واحده وفكر منحرف وليس له اى صله عن الاسلام ينحرون بعضهم بعض ويصفى بعضهم الاخر

    • زائر 4 | 1:15 ص

      بورك قلمك ...

      ابكيتني

    • زائر 3 | 12:49 ص

      الله زدها من مصابيح

      تتوقد المصابيح حين يشعر ألناس أنهم بشر قبل اي شيء

    • زائر 1 | 11:32 م

      مصباح رابع من افريقيا

      وهناك مصباح رابع في افريقيا الوسطى جرى بين الميليشيات المسيحية والمسلمة المتقاتلة

اقرأ ايضاً