العدد 4171 - الخميس 06 فبراير 2014م الموافق 06 ربيع الثاني 1435هـ

اقتصاديات السلوك وسيكلوجية صنع خيارات رعايتنا الصحية

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

يذهب الاقتصاديون الى أغوار علم النفس في محاولة جادة لتفسير أسباب ما يتم تسجيله من إخفاقات عدة تمنى بها أنظمة الرعاية الصحية وظيفيّاً في رسالتها لتقديم الخدمة والعناية، وقد أشاروا في هذا السبيل إلى ضرورة انتهاج أنظمة الرعاية تلك سياسات لخلق نماذج رعاية جديدة تأخذ من مبدأ اشراك المرضى وادماجهم في سلوكيات صحية فاعلة، و لنعرف مداخل السلوك في تحديد خيارنا عندما يتعلق الأمر بصحتنا، يكفي أن نسأل، لم لا يمارس الكثير منا الرياضة مثلا مع ما نعرفه عن فوائدها الصحية الكثيرة.

لماذا يتغاضى مرضى كثيرون عن تناول ما يوصف لهم من دواء مع حاجتهم إليه، لماذا كذلك اتكال عدد ليس بالقليل من الأطباء المعالجين على ما عهدوه من أسلوب رعاية وعلاج مع توافر الزخم الهائل من الدلائل العلمية والكلينيكية على ممارسات أفضل وأجدى؟

لماذا لا تنجح عادة برامج الرعاية الصحية التي تبنى على أساس الفاعلية والانتاجية في مخرجاتها؟

يعتمد اقتصاديو السلوك، اذا ما قورنوا بمن سواهم من الاقتصاديين، في نطاق فهم السلوك الانساني على علم النفس فهما وتعاطيا، حيث يتم البناء على أساس من النظرية القائلة أنه في الكثير من الأحيان يتخذ الانسان خيارات غير صائبة في سبيل رعايته وصحته، تدفعه إلى ذلك معطيات حسية عديدة منها استشعاره خسارة آنية مثلاً في سبيل تحقيق فائدة أو عائد مرجو قد يتأخر أو ربما لا يحدث.

فممارسة الرياضة، مع ما بها من جهد، والكف عن تناول الوجبات السريعة، مع لها من طعم أخاذ، قد لا تساوي شيئاً مع ما يؤمل من تحسن طفيف في نوعية حياة قد يحصل عليها الإنسان بعد فترة زمنية.

يحتاج الفرد منا، إلى معطيات كثيرة تمكنه من اتخاذ قرار يهم صحته بالدرجة الأولى، أولى وأهم تلك المعطيات، هي: توافر البيئة المعلوماتية الصحية، على الأقل للأمراض الشائعة في مجتمعنا، وبمستوى يمكن لأي فرد أن يستوعبه فهماً وتطبيقاً، ويتيح له الوقوف على بينة ومعرفة كافية حتى يعرف ما يريد ويختار من سبل علاجية أو تدخلات جراحية قد يكون في حاجة إليها، حيث ليس بالضرورة أن تكون مخرجات أو وسائل وعلاجات أي نظام صحي عاكسة لأعلى مؤشرات الأداء؛ لأنها تظل دوما خاضعة لامكانيات مؤسسات الرعاية الصحية وما تستطيع أن تقدمه، لا ما يستوجب تقديمه كفاءة وحرفية، وهنا تكمن معضلة أخرى، عندما يكون نظام تقديم الرعاية الصحية تحكمه املاءات تشغيلية اقتصادية محدودة المدى من جهة ومن جهة أخرى لا تتوافر معلومات صحية أو مرضية تمكن المريض من اتخاذ ما يناسبه وترك ما لا يناسبه.

لقد أحدثت الثورة المعلوماتية وشبكة الانترنت مناهل وموارد جمة في متناول الجميع من الممكن أن تسد جزءاً ليس بالقليل من الفجوة المعرفية لمرضى اليوم، وهذا مصدر لا يمكن لنا أن نتجاهله، لكن بمحاذير واحتياطات سلامة يجب أن نشير إليها هنا، منها، أن ما يتوافر من كمٍّ هائلٍ من معلومات على الشبكة المعلوماتية الدولية هي معلومات خام من المنطق بمكان تأطيرها فىي نطاق الحاجة المعرفية التي تحددها طبيعة وجوهر الحاجة مجال البحث والتقصي، وهو في الغالب ما لا يتأتى لأي فرد، فلا يكفي أن تحصل على معلومة فقط، فالأهم التالي هو السؤال كيف أستفيد منها ولاسيما اذا كانت معطيات لاتخاذ أو تقرير طريقة ما للاستطباب أو التشخيص أو غيرهما.

إن الفرد الذي هو مكون المجتمع الأساس، ومقدم الخدمة والرعاية الصحية على تباين لا يمكن تجاهله في ما نقص معلوماتي صحي في اطار الفهم والهضم بالنسبة إلى الفرد، وبين ما تسبكه منشآت تقديم العناية الصحية من نماذج تقديم الرعاية الصحية.

لذلك علينا، أفراداً ودور رعاية صحية على اختلاف مستوياتها في تقديم خدماتها، فهم وإدراك أبعاد ذلك التباين والعمل على التقليل والتقريب لرأب تلك المسافة حتى ننتج قطبي معادلة متكافئين يرتقيان بمخرجات أداء الخدمة الصحية إلى مصاف المعايير العالمية التي رسمتها دور خبرة ذائعة الصيت، وكما دوما أقول لدينا مصادر ومناهل محلية بشرية بمقدورها صنع منتج راقٍ يفي بتلك المعادلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4171 - الخميس 06 فبراير 2014م الموافق 06 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً