العدد 4173 - السبت 08 فبراير 2014م الموافق 08 ربيع الثاني 1435هـ

تخدر العقل بالوهم... الطائفية وحقوق الإنسان مثالاً

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

من أخطر الأمراض الذهنية على الإنسان هو تخدر العقل بالوهم، الذي يحرمه من معرفة الحقيقة ويجعله يسبح في عالم ضائع تصنعه المخيلة في العقل.

ما هو تخدر العقل بالوهم؟ للتوضيح نعرض تجربة في علم النفس. تم أخذ مجموعة من الأفراد ووضعهم في بيئة خاصة، حيث تم تعريضهم إلى كم هائل من الأخبار والمشاهد الجنسية لمدة شهر، إذ يتناولون وجبة فور الصباح والغذاء والعشاء على أخبار جنسية، وينامون ويصحون على أخبار جنسية، حتى أصبحت عقولهم متشبعة تعمل على الأخبار الجنسية.

بعد شهر، تم نقلهم إلى مكان عام للاختلاط بالناس، وطلبوا منهم أن يفسروا حركة الناس التي تمر بهم، فكانت النتيجة أن كل تفسيراتهم عن الناس جنسية. في المرة الأولى مرت عليهم فتاة ورجل، فكان تفسيرهم وجود علاقة جنسية، ثم اتضح أنها بنت مع أبيها، يذهبان لشراء مستلزمات للجامعة.

والمرة الثانية، مرت عليهم امرأة ورجل، فكان أيضاً تفسيرهم علاقة جنسية، وأتضح فيما بعد أنهما أخ مع أخته ذاهبان للمستشفى لزيارة أمهما.

وفي المرة الثالثة، مر عليهم شاب مع امرأة، فكان تفسيرهم علاقة جنسية، واتضح فيما بعد أنهما ابن مع أمه، ذاهبان إلى الحديقة. وكانت كل التفسيرات هكذا.

هؤلاء الأشخاص تخدرت عقولهم طوال شهر في قراءة الأخبار والمشاهد الجنسية، وهذا التخدر جعلهم يعيشون في عالم من الوهم، تصنعه مخيلتهم في العقل بأن كل حركة يقوم بها امرأة أو رجل، تفسر على أنها جنسية. وبالتالي لا يرون الحقيقة.

ومرض تخدّر العقل بالوهم، هو تشبع عقل الإنسان بأخبار ومشاهد في موضوع معين، وهذا التشبع يكون بمثابة الأحكام المسبقة للعقل على كل شيء. وهذا ينطبق على موضوع الطائفية وحقوق الإنسان في البحرين، فكثرة التهم واستخدام لفظة كلمتي «سني» و»شيعي»، سيكون لها عواقب وخيمة، لأن كثرة استخدامها سيؤدي إلى تخدر العقل بالوهم، وسيصبح يفسر كل شيء على أنه طائفي.

لفظة كلمة «سني» و«شيعي» لا تمثل مشكلةً في بيئات عقلية مثل سلطنة عمان، ولكنها تمثل مشكلةً في بيئات عقلية مثل البحرين، لأن البنية العقلية في البحرين تعيش على درجة حادة جداً في ثنائية المفاهيم المتضادة والمتصادمة، فإذا قلت خيراً فإن الطرف المقابل شر.

وقد دعيت في مقالات سابقة إلى تجنب لفظة كلمتي «شيعي» و«سني»، حتى لو كانت ظلامتك بسبب انتماء لمذهبك، واستخدام مفاهيم أخرى أهمها «المواطنة»، فإذا مارس مسئول التمييز ضدك، لا تقل مسئول يمارس تمييزاً ضد «سنة» أو «شيعة» حتى لو كان السبب مذهبياً، وقل «مسئول يمارس التمييز ضد مواطنين»، لأن مفهوم المواطنة هو القوة التي تحرّر العقل من سجن التخدر والوهم الطائفي.

أما فيما يتعلق بحقوق الإنسان في البحرين، فالمشكلة نفسها، أصبح كثير من المسئولين متشبعين بدرجة من التخدر والوهم، تحجب عنهم رؤية الحقيقة، فيفسرون الأمور تفسيراً لا يمكن للآخرين تصديقه.

مثلاً، بعض المسئولين يعتقدون أنهم وصلوا إلى أعلى مراحل حقوق الإنسان في البحرين، بينما يوم الخميس (6 فبراير/ شباط 2014)، صوَّت البرلمان الأوروبي على قرارٍ ضد انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. كل دول العالم تدرك هذه الحقيقة.

ومن أبرز الأمثلة، عائلة تطلب منذ ثلاثة شهور علاج ابنها الموقوف في سجون جو، وإلى الآن لم يتم علاجه، رغم كثرة الشكاوي والمراسلات لمختلف المسئولين في مختلف الجهات.

وبعد فترة تجد تصريحاً لأحد المسئولين الذين تم مراسلتهم يتحدث وكأن السجناء يعيشون في الجنة. وأنا مؤمن أن هذا المسئول، يعيش في وهمٍ من صنع الخيال، نتيجة تشبّع عقله بالمفاهيم حتى أصبح لا يرى الحقيقة، ولا يرى بأن عدم علاج موقوف مخالفٌ للإنسانية.

إن حدوث طفرة في حقوق الإنسان في البحرين يكاد يكون في غاية الصعوبة، وما يزيد الأمور تعقيداً هي الأمراض الذهنية التي تحجب العقل عن رؤية الحقيقة، مثل مرض «تشبع العقل بالوهم»، و»البعد الآخر للظلام» الذي شرحناه في مقال سابق.

والتحرر من الأمراض الذهنية يحتاج إلى زلزال هادر يهز البنية العقلية، ويعيد صياغة المفاهيم بما يحرّرها من سجن الوهم برؤية أقرب إلى الحقيقة.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4173 - السبت 08 فبراير 2014م الموافق 08 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:45 ص

      شكرا

      المقال لمن يقرأ و يفهم. ليس المقال لمن يقرأ و يفسر على هواه. لا يمكن للمرأ أن يعلم بأن مخه مشبع و مخدر بأفكار و عقائد وهمية و هذه هى قمة المشكلة. التعصب و غلق الفكر هما السبب و لذلك فى المجتمعات المغلقة لا يسمحون لأحد بالتفكير بل يشبعونه بالعقيدة و ما يريده القائد. يتخرج كل فرد و يتصور بأنه العقل الكامل الحر فى التفكير. أتمنى أن أعرف كم قرؤا المقال و فكروا و تعرفوا على عقولهم؟؟؟

    • سيوف من رصاص | 12:17 ص

      حسبي الله على من أشاع الفتنه

      نشتكيهم عند الله فهم ساهمو في تهديم الكثير من العلاقات وأواصر المودة

    • زائر 1 | 12:09 ص

      وضح المقصود من كلامك

      افهم من كلامك ان الدولة والعاملين فيها يحتاجون لزلزال حتى يفهمون ويطبقون مفاهيم وأسس حقوق الانسان وأبعاد التمييز عن المواطنين ؟ اذا كان كذلك اذا ممكن توضح لنا ماهو او ما نوع هذا الزلزال؟

اقرأ ايضاً