العدد 4175 - الإثنين 10 فبراير 2014م الموافق 10 ربيع الثاني 1435هـ

عندما ترهب الدولة مواطنيها!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

كان الفضل لانتشار كلمة «الارهاب» بمفهومها السّيئ الذكر جورج بوش الابن، الذي أراد بذلك المفهوم الذي فصله حسب مصلحته احتلال بعض بلاد المسلمين تحت غطاء الإرهاب، وقد تحقق له ذلك عندما احتل أفغانستان والعراق وسط صمت وتواطؤ عالمي معيب.

وقد وضع بوش قاعدة غريبة لمفهوم الإرهاب، طبّقتها دول عديدة فيما بعد، وهي «من لم يكن معنا فهو ضدنا»، وهو بهذا لم يترك مجالاً لمن يريد أن ينأى بنفسه بعيداً عن الشبهات. فقد أصبح هذا النوع من الناس - بحسب قاعدته - متهماً بالإرهاب حتى وإن كان أبعد الناس عنه.

يؤكد التاريخ أن الدول الكبيرة القوية هي التي تمارس الإرهاب غالباً، وهي أيضاً التي تدفع إليه في كثير من الأحيان. فأميركا مثلاً، قتلت حوالي مليوني فيتنامي، وجرحت حوالي ثلاثة ملايين منهم، وشردت حوالي اثني عشر مليوناً، وكان هذا في عهد الرئيس ليندون جونسون العام 1961. وفي 2003 احتلت العراق واستخدمت الأسلحة المحرمة في تلك الحرب التي مات فيها قرابة المليون، عدا ملايين الجرحى والمشردين، ومازال المالكي الذي جاءوا به يقوم بالدور نفسه! وأميركا أيضاً تقف إلى جانب الصهاينة الذين احتلوا أرضاً لا علاقة لهم بها، وقتلوا مئات الآلاف من أبنائها كما شرّدوا منهم الملايين! كل ذلك وغيره ومع هذا لا أحد يتحدث عن هذا النوع من الإرهاب الذي تمارسه أميركا لأنها دولة قوية يخافها الآخرون.

روسيا هي الأخرى ومنذ نشأتها مارست إرهاباً فظيعاً؛ شمل قتل الملايين وتهجير أمثالهم ومحاربة أصحاب المعتقدات الدينية خصوصاً المسلمين، ومازالت إلى اليوم تمارس أنواعاً من الإرهاب وما وقوفها إلى جانب طاغية الشام عنا ببعيد!

إرهاب الدول لا يكاد يتحدث عنه أحد بمفهوم الإرهاب، مع أنه منتشر ويعاني منه الكثيرون، فمفهوم «الارهاب» هو إخافة الناس وحملهم على الطاعة والخنوع في كل الأحوال، ويتم ذلك بطرق متعددة وبوسائل كثيرة. فالدولة عندما تحرم المواطنين من حقوقهم المشروعة فهي بهذا تمارس إرهاباً ضدهم وليس من حقّها فعل ذلك. ومن أمثلة هذا النوع: عدم توظيفهم لأسباب سياسية أو مذهبية أو مناطقية، أو محاولة إفقارهم المستمر بدعوى أن الفقر يجعلهم خانعين إلى الأبد لكل ما يطلب منهم.

وقيل إن بعضهم يستشهد لهذا الفعل بمقولة: «جوّع كلبك يتبعك»! ولعلهم لم يسمعوا أن الكلب قد يأكل صاحبه إذا لم يجد ما يأكله! وهؤلاء لم يكتفوا بجعل شعوبهم كلاباً، وإنما أرادوها كلاباً جائعةً دائماً!

وقد زادت بعض الدول في صور الإرهاب حيث سحبت هوية من تعتبرهم خصوماً لها! مع أن هذا الفعل لا تنطبق عليه أي قوانين دولية أو إنسانية أو عقلية! فالذي تسحب جنسيته يصبح مثل الطير المحبوس إن لم يكن أسوأ، فلا هو من أهل الدار ولا هو من غيرهم؛ وقد يمتد الأذى لكل أفراد أسرته؛ فيفصل أبناؤه من مدارسهم أو أعمالهم لأن أباهم لا هوية له، وهذا يشيع الخوف والإرهاب في الأسرة وكل من يمت إليها بصلة.

ومثل هذا النوع ما يتردد في بعض الدول من أنها ستدرس مسألة سحب الشهادات العلمية من المواطنين الذين لا يباركون كل ما تقوم به من أفعال حتى لو كانت تلك الأفعال أعوج من ذنب الضب! ومرةً أخرى: هل من حقّ أية دولة أن تسحب أو تبطل حقاً حصل عليه الانسان بجهده وعمله؟ إن الهوية (الجنسية) والشهادات العلمية ليست مِنّةً من الدول على مواطنيها، بل هي حق اكتسبوه لا يجوز منازعتهم فيه مهما كانت الأسباب، والدول المحترمة يجب أن تحيل من تعتقد أنهم ارتكبوا أخطاء بحق بلدهم إلى محاكم عادلة، وهذه المحاكم هي التي تقرّر نوعية العقوبات إذا رأت أن الفعل الذي ارتكبه الشخص جريمة موجبة للعقوبة، إما أن يتخذ الحاكم أو سواه قراراً من عنده فهذا إرهاب دولة مهما كانت التبريرات.

لاشك أن هناك أفراداً يمارسون العنف والإرهاب وهم بذلك يخلون بالأمن ويرهبون المواطنين، وقد رأينا أمثال هؤلاء في عدد من الدول العربية ومن واجبنا الإنكار عليهم وعدم التستر على أفعالهم والوقوف إلى جانب الدولة ضدهم، فالإرهاب مرفوض من الجميع مهما كانت درجاته صغيراً كان أم كبيراً، فالتحرش إرهاب لأنه يخيف الأبناء والأسر، والقتل والحرق والتفجير كل ذلك إرهاب مرفوض يجب التصدي له لأنه ينشر الفوضى والفزع بين المواطنين ولا يحقّق لهم الأمن والاستقرار. وبطبيعة الحال فإن الدولة مسئولة عن التصدي لفاعليه، ولكن عليها أن تكون عادلةً فيما تقول وفيما تفعل.

مصطلح «الإرهاب» استغلته بعض الدول لتحقيق مصالحها السياسية بعيداً عن الحقيقة؛ فالمواطن الذي لا يقف مع الدولة في شرورها يوصم بالإرهاب، لأن هذه الصفة تجعل الدولة في حِلٍّ مما تفعله من المظالم، والأحزاب أو الجماعات التي تتصدى لإرهاب الدولة توصف هي الأخرى بالإرهاب ولذات السبب، وقد فات على هؤلاء أن الوعي المنتشر عند الناس أفسد عليهم كل تلك الألاعيب، فما عاد المواطن العربي يصدّق كل ما تقوله الدول، وما عاد الإعلام الرسمي يؤثر في ثقافة الناس وتوجهاتهم الفكرية.

من مصلحة الدول أن لا تمارس الإرهاب مع مواطنيها مهما كانت درجته، ومن مصلحتها أيضاً أن لا تدفعهم لممارسته، كما أن من مصلحة المواطنين الابتعاد عن مواطن العنف والإرهاب، ولو تحقّق ذلك لعاش الجميع في أمن وسلام، ولكن هل يتحقق ومتى؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4175 - الإثنين 10 فبراير 2014م الموافق 10 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 2:58 ص

      فارس الغربية

      للاخ2.. الدول الخليجية خالية من العيوب و العدل فيها ما له حدود... بنت تمشي سيارة ممنوع... هذا غيض من فيض... افريقيا تطورت و احنا ما عندنا غير ناطحات السحاب نتباهى فيها هه

    • زائر 13 | 2:41 ص

      بدون تعليق !

      والدول المحترمة يجب أن تحيل من تعتقد أنهم ارتكبوا أخطاء بحق بلدهم إلى محاكم عادلة، وهذه المحاكم هي التي تقرّر نوعية العقوبات إذا رأت أن الفعل الذي ارتكبه الشخص جريمة موجبة للعقوبة، إما أن يتخذ الحاكم أو سواه قراراً من عنده فهذا إرهاب دولة مهما كانت التبريرات.

    • زائر 12 | 2:39 ص

      الوضع يشرح الحال !

      فالدولة عندما تحرم المواطنين من حقوقهم المشروعة فهي بهذا تمارس إرهاباً ضدهم وليس من حقّها فعل ذلك. ومن أمثلة هذا النوع: عدم توظيفهم لأسباب سياسية أو مذهبية أو مناطقية، أو محاولة إفقارهم المستمر بدعوى أن الفقر يجعلهم خانعين إلى الأبد لكل ما يطلب منهم.

    • زائر 10 | 2:31 ص

      اقتباس من الواقع

      وقد زادت بعض الدول في صور الإرهاب حيث سحبت هوية من تعتبرهم خصوماً لها! مع أن هذا الفعل لا تنطبق عليه أي قوانين دولية أو إنسانية أو عقلية! فالذي تسحب جنسيته يصبح مثل الطير المحبوس إن لم يكن أسوأ، فلا هو من أهل الدار ولا هو من غيرهم؛ وقد يمتد الأذى لكل أفراد أسرته؛ فيفصل أبناؤه من مدارسهم أو أعمالهم لأن أباهم لا هوية له، وهذا يشيع الخوف والإرهاب في الأسرة وكل من يمت إليها بصلة.

    • زائر 7 | 12:30 ص

      وهل هناك من يتّعظ او من يستمع لكلام الحكمة من هؤلاء

      القبضات الامنية هي شغل هؤلاء الشاغل وليس لديهم أي اختراع او أي ابداع الا في طريقة التنكيل بالمواطنين. عقل سخّر وبرمج على طريقة القمع وارهاب المواطن اذا طالب بحقوقه وكرامته
      نحن نعيش ذلك يوميا ونرى اموال بلدنا تسخر من اجل اسكات صوتنا

    • زائر 6 | 12:27 ص

      عندنا خير ممكن نستضيف الكاتب في احد القرى لكي نعرّفه الامان بحق؟

      لي رجاء للكاتب لو يأتي للاستضافة بإحدى القرى بحيث يرى بأم عينه كيف يسلب الامان من اهل ديرة الامان وكيف يتم التعامل مع حرمة البيوت؟

    • زائر 2 | 10:49 م

      ومازال المالكي الذي جاءوا به يقوم بالدور نفسه!

      مقالك جميل .... ولأول مرة أستسيغ مقالا لك ولكن جنابك ذكرت بلدا عربيا واحد كمثال ولم تدلل لنا لأمثلة اخرى كالخليج او الدول العربية غير العراق البوصلة الرسمية تقول فقط العراق وسوريا اذا لا تذكر اخرى وإلا سحبت جنسيتك وشهادتك

    • زائر 8 زائر 2 | 1:13 ص

      ما ترضون عليه

      جاب طاري اولياء الله الصالحين المالكي وربعه فتغيرت وجوهكم
      يعني لو ما هالتشبيه لكنت صفقت له على هالمقال

    • زائر 15 زائر 2 | 5:03 ص

      صاحب

      صاحب المقال ذكر المالكي للتمويه ، المقال ينطبق علي واقعنا لا محال

    • زائر 1 | 9:39 م

      ومن الذي ساعد بوش في احتلال بلاد المسلمين

      بوش هو صاحب المقولة من لم يقف معنا فهو ضدنا فقامت بعض الدول المؤثرة في الاقليم وهي دول اسلامية بوضع جميع إمكانيات دولها تحت امرة امريكا وجحافلها تسهيلات مالية بالمليارات الدولارات أجواء وأراضي وقواعد مفتوحة تسهيلات لوجستيه وكل ما يخطر على البال لتحطيم دول شقيقة لهم وبعد ذلك يتم المتباكي ولا تنسون دور مفاتي من رجال الدين بتصديرهم فتاوي على المقاس لحلف الناتو فكفانا استهبال فمفرخت الإرهاب معروفة المكان والاتجاه

اقرأ ايضاً