العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ

في مجتمعنا البحريني أبناء مرفهون وآباء على قارعة الطريق

الوسط - السيد ضياء الموسوي 

12 ديسمبر 2002

الام... ذلك الكيان الجميل، هي سر هذه الأرض وموقع عذبها وجمالها، فحبها هو الحب الوحيد الذي لا يشيخ أبداً مهما تقادمت السنون ومهما قسى الابن عليها، تراه جميلاً فتمنحه العطف والحنان والرؤمة، قلبها يغضب لكنه لا ينتقم، يعاتب لكنه لا يجرح... لذلك تبقى الأم ملاك الأرض، وعطية السماء، وهبة الوجود فهي (المدرسة التي إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) وتبقى هي (استاذ الاساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق)، لذلك كله قضى الرب ألا نعبد إلا إياه «وبالوالدين إحسانا...» (الإسراء: 23) وأن نخفض لهما «جناح الذل من الرحمة» (الإسراء: 24) ولا نقول لهما إلا يا رب «ارحمهما كما ربياني صغيرا». (الاسراء: 24). كثرٌ هن الأمهات اللاتي أعطونا زهرة أعمارهن، ونضارة حياتهن كي نحيا ونتبرعم ونثمر في سبيل الوجود، كثرٌ هم أولئك الآباء الذين منحونا طعم الحياة ومذاقها غير أننا أضعناهم عندما كبُرنا فأصبحوا مهملين في العراء، متسكعين في محطات الفقر والجوع. وهبونا الحياة فأعطيناهم الموت، زرعوا الابتسامة على شفتي مستقبلنا ورسمنا لهم صور الحزن وأضعناهم عندما رأينا أن الحياة تعلو بالمادة والأموال وحب الذات فغابوا عن قاموسنا الاقتصادي وعن أجندة الرحمة التي نحملها إن كانت ثمة رحمة أو ضمير يشعر بالآخر فيفكر فيه!!

كثيرون منا سلمتهم يد الرحمة الإلهية إلى أمهم من خطرٍ مقبلٍ أو كارثة محتملة فأرجعهم الله إلى أمهم «كي تقرَّ عَيْنُها ولا تحزن» (طه:40). لكنه نسى اليد البيضاء ونسى الحضن ونسى تلك الدموع التي ذرفت عليه في ليل مرضه، أو في ألم طفولته ليرى أن الحياة تكمن في (زوجته وأبنائه) وما بعدهم الطوفان. ترى الأم يفترسها المرض والجوع من دون رحمة ابنها. هذه أنانية بدأت تترسخ في مجتمعنا المادي وحتى في مجتمعنا البحريني... كثير من الأبناء ألقوا آباءهم وأمهاتهم في البحر للطوفان أو في صحراء الحياة، طلقوهم ثلاثاً لا رجعة لهم فيها وحكموا على آبائهم بالأحكام الشاقة، بعض الأبناء يلقي بأبويه في مركز كبار السن والعجزة ويعطي المركز رقماً خاطئاً لعنوانه حتى يقطع جميع الصلات بأبويه، بعضنا يمر عليه ألف عيدٍ وعيد فلا يسأل عنهما أهما حيان أم ميتان، تراه متنعماً في بيتٍ جميل عاجٍ، وفي بحبوحةٍ من العيش وأبويه يسكنان في بيت خربٍ تسكنه الاشباح ويعبث به الفقر والرسول (ص) يقول: «فالجبان يفُر عن أبيه وأمه».

بعض الأبناء يفر من أبويه في كل شهر خصوصاً في نهايته خوفاً من أن يلتمس أبواه منه شيئاً من المال، فهناك آباء في مجتمعنا البحريني مازالوا يطرقون أبواب الصناديق الخيرية، يتكففون الناس ولهم أبناء في مراكز عليا يعيشون في حياة ناعمة ومرفهة ولكنهم بلا رحمة. كثير من الأمهات البحرينيات يشتكين من أبناء تخشبت عاطفتهم وتحجر إحساسهم فما عادوا يرون إلا أنفسهم، بعض الأبناء يبخل على أبويه بشراء دواء لمرض مزمن يعيشانه، نفضوا أيديهم ممن سهروا على راحتهم، وأعطوهم زهرة أعمارهم فهؤلاء هم بعيدون عن الرحمة الإلهية. منّا من يغضب على أبويه ومنّا من يصرخ في وجهيهما، منّا من يخاف أن يعلق في ثوب غناه شيء من فقرهما وكل ذلك عقوق يؤدي إلى سوء توفيق في الدنيا يجر إلى خسران في الآخرة، فالحديث يقول: «لا يدخل الجنة ابن عاق وملعون من ضرب والديه».

وليس شرطاً أن يكون الضرب باليد فقد يكون بالإهمال وعدم حمل المسئولية، فمن يقصر في حق والديه ويظلمهما يرزقه الله أبناء يقصرون في حقه ويظلمونه في حياته. فكم من ابن ظلم أبويه فأرسل الله إليه أبناء يظلمونه ليشعر بعقدة الذنب.

علينا أن نعيد حسابنا مع الأب والأم وخصوصاً الأم إذ يقول الرسول (ص) «ثم أمك، ثم أمك».

وكما يقول شكسبير: «ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم».

وما أروع قول أديبنا الكبير جبران خليل جبران في حديثه الوردي عن الأم: «إن أعذب ما تتفوه به البشرية هو لفظة الأم، وأجمل مناداةٍ في الوجود هي أمي، كلمةٌ صغيرة كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة». هذه هي الأم وتلك هي معاملتنا معها، قصص مثيرة تطفح على سطح مجتمعنا: ابن يطرد أمه من بيته ويلقيها قسراً. وهناك بعض الأبناء ممن «يجرجرون» أمهاتهم من محكمة إلى عتبة محكمة أخرى بحثاً عن إرث وتارةً - يا للفظاعة - شكاية على أمه.

هذه الأم التي قال فيها المتنبي:

أحِن إلى الكأس التي شربت بها

وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا

تراها اليوم ملقاة في دار العجزة لا يسأل عنها، أو في خربة بيتها المتصدع تصارع المرض من دون دواء، أو جائعة من دون طعام تمر على بيوت أبنائها فترى قمامتهم تملأ الطريق فتقول في حسرة وجوع «هذا ما بخل به الباخلون».

مجتمعنا بحاجة إلى قراءة سلوكه وقيمه تجاه الأبوين فليس من العدل والإنسانية أن تسود القيم المادية لتنزع منا الرحمة. فما قيمة هذه الأرض إلا بهؤلاء «لولا شيوخ ركع، وبهائم رتع، وأطفال رضع، لصببت عليكم البلاء صبا». هؤلاء هم رحمة الله على الأرض يحولون دون غضب الله على المجتمع.

لقد قام علماء النفس بعدة دراسات عن مشكلات كبار السن فكشفت نتائجها عن أن هذه المشكلات تتمثل في المشكلات الصحية (مثل أمراض السمع وهبوط القلب والضغط والسكر)، والمشكلات النفسية (مثل الاكتئاب والخوف والشك) والمشكلات الاقتصادية (انخفاض الدخل)، والمشكلات الدينية والترويحية... هذه مشكلات آبائنا فهل نظرنا إليها بعين المسئولية كي نحلها ونعالجها أم تركناها وتركناهم إلى حيث الحزن والألم ومعاناة الحياة؟ سؤال يجب أن يعرضه كل بحريني على نفسه كي نعرف كيف كنا واين أصبحنا... كنا بقيمٍ من دون مادةٍ وأصبحنا بجزء من مادةٍ وبجزء من قيم!!!

علينا الاطلاع على الدراسات العلمية ومنها (دراسات في سيكولوجية المسنين) لنعرف جزءًا من الحقيقة?

العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً