العدد 4179 - الجمعة 14 فبراير 2014م الموافق 14 ربيع الثاني 1435هـ

الجيش العراقي وقصة ليتشمان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مشكلة العراق أن تسوية الأشياء فيه مرتبطةٌ ببعضها توالياً. فالأمن مرتبطٌ بالقدرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من قطاعات المجتمع. والاستيعاب يعتمد اعتماداً قوياً بجعله يستند على هوية سليمة. والهوية السليمة، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطريقة بناء الدولة، والتوافق على سياساتها ومصالحها الوطنية.

يقول المؤرخ العراقي الراحل هادي العلوي في كتابه «فصول عن المرأة»، أنه وخلال الاحتلال البريطاني للعراق، العام 1917، استعر صراع بين إحدى القبائل العراقية والانجليز بسبب امرأة!

القضية باختصار هي أن جنرالاً بريطانياً يُدعَى جيرارد افيلين ليتشمان أساء إلى كَنَّةِ شيخ تلك القبيلة (الكَنَّة هي امرأة الابن أو الأخ)، فشَكَته إلى عمّها، فما كان من ذلك الشيخ القبلي إلاَّ أن امتَشَقَ سيفه وخرجَ يبحث عن الجنرال البريطاني ليتشمان.

وكان الشيخ يمتلك بندقية لكنه آثَرَ استعمال السَّيف، ووجد الجنرال قد توجَّه إلى العاصمة بغداد، فَلَحقه إلى هناك، ودَخَلَ عليه مكتبه فأهوَى على رأسه بالسَّيف فَقَطَعه بضربة واحدة. وجَرَت أحداث كبرى على إثر ذلك، وخسر الانجليز تلك القبيلة. انتهت القصة.

ولكل مَنْ دَرَسَ تاريخ العراق خلال تلك الفترة، وما قبلها وما بعدها، سيرى حجم الدور الذي لعبته تلك الحادثة، والنشاط العشائري في العراق بصورة عامة، في التصدّي لقضايا العراق الرئيسية. فعادةً ما يختل توازن القوى عند الاصطفافات العشائرية هناك، حين تميل عشيرة كبيرة إلى هذا الطرف أو ذاك.

هذه القضية تُدلِّل على ما تُمثِّله «العشائر» في العراق من أهمية كبرى في النظام الاجتماعي والسياسي. ليس في العراق وحده بل في الشام وعموم منطقة الهلال الخصيب. ونحن نتابع ومنذ ثلاثة أعوام ما يقوم به شيوخ العشائر في سورية، وبالتحديد الشيخ صالح النعيمي من دور كبير في المصالحات الاجتماعية داخل الوطن السوري.

على كل حال، فإن مناسبة الحديث حول هذا الأمر اليوم، هو قرار الحكومة العراقية بـ «دمج المقاتلين من أبناء العشائر في الأنبار بالجيش والشرطة» بعد قيام مسلحي العشائر بقتال التنظيمات الإرهابية. الخطوة أيَّدتها اللجنة الوطنية للمصالحة بالبرلمان العراقي، والتي يترأسها عضوٌ من القائمة العراقية، خصوصاً أنها كانت إحدى مطالب الأنباريين.

جميعنا يتذكر، أن مئة وأربعين ألف جندي أميركي، لم يستطيعوا ضبط العراق، عندما كانت العشائر في المنطقة الغربية، خارج منظومة الأمن والسياسة. ومع استيعاب تلك العشائر، عقب زيارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن للشيخ عبد الستار أبو ريشة وتشكيل الصَّحَوَات بدأت الحرب الفعلية ضد تنظيم القاعدة فانعكس ذلك على مجمل الأمن في العراق.

هذه الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الحكومة العراقية، ربما تكون أوَّلية في الاتجاه الصحيح. لكن ما هو أهم منها هو إعادة بناء هوية الجيش العراقي، وجعله يرتشف من كل بقعة في العراق، بحيث يكون عمله عملاً لصالح المجموع، وإبعاده عن كل هويات فرعية، يمكن أن تتنشَّأ عليها مجاميع عراقية على أثير طائفي أو عرقي أو سياسي أو جهوي أو مناطقي. هذه إشكالية مهمة، كونها القاعدة الأساس للثقة بين المواطن العراقي وقواته المسلحة.

فالمعروف أن القوات المسلحة في أيِّ بلد، تنال ثقة الناس كونها السياج الحامي للوطن، مرتبطة بالمعارك على الأرض، والتضحية بالنفس من أجل المواطنين. هذه الصورة من حيث المبدأ هي التي تُشكِّل الثقة، فيتشكَّل على أساسها الاحترام والتقدير للجيش.

هذا الأمر مع شديد الأسف غير تام في العراق. والأسباب معروفة، منها خطأ آلية تشكيل الجيش والخلافات السياسية وعدم اكتمال بناء الدولة، والتقسيمات الحادة للمحافظات العراقية على أساس طائفي وسياسي وعرقي.

مشكلة العراق أن تسوية الأشياء فيه مرتبطةٌ ببعضها توالياً. فالأمن مرتبطٌ بالقدرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من قطاعات المجتمع. والاستيعاب يعتمد اعتماداً قوياً بجعله يستند على هوية سليمة. والهوية السليمة، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطريقة بناء الدولة، والتوافق على سياساتها ومصالحها الوطنية.

لكن، باعتقادي أن الأمور لا يُمكن تركها للتسويات التي قد تطول. فمنطق أن تُحَل كلها أو تُترَك كلها هو منطق خاطئ. فمن ضمن الأمور التي لا يجب التأخير في إتمامها في العراق هي مسألة الجيش، الذي من المفتَرَض أن يكون مُنجَزاً مهما كان الثمن.

الجيش العراقي تشكَّل في بدايات العام 1921. ولأنه كان ذا شكيمة قوية، فقد اشترك في انقلاب العام 1936 عبر فرقته الثانية. وشارك في معارك العام 1941 ضد الانجليز. ولكن الأهم من ذلك، أن الجيش العراقي كان أقوى المؤسسات في الدولة العراقية. وقد أثبت خلال العام 1958 وفي العام 1968 أنه كذلك، خلال صراعات المؤسسة السياسية.

بالتأكيد، لا أحد يريد تكرار تجربة صراعات بكر صدقي، ولا عبد الكريم قاسم، ولا عبد الرحمن عارف، ولا حتى تجربة حروب الثمانينات والتسعينات، ولكن الجميع يود أن يرى الجيش العراقي ناجزاً وقوياً وبعيداً عن تقسيمات المجتمع. لذا، فمن الخطأ أن لا يتم التفكير به كأهم مؤسسة في العراق.

الجيش العراقي اليوم يجب أن ينهض لا بوصفه حامياً لطائفة ولا أنه ضد أخرى، لأنها الضمانة الوحيدة لأن يكون جديراً بثقة العراقيين وجيرانه. ولأن منتسبي الجيش بعد العام 2003 كان شرط قبولهم هو أن يكونوا من مواليد العام 1978 كحد أقصى، فذلك يعني أنه جيش فَتِي بكل المقاييس. كما أنه لا توجد لديه تجارب حروب سابقة. فهؤلاء كانت أعمارهم ما بين سنتين وعشر سنوات عندما بدأت وانتهت الحرب مع إيران. وكانت أعمارهم عند احتلال صدام للكويت اثني عشر عاماً في أقصى الحالات.

يُضاف إلى ذلك، فإن السواد الأعظم من الرتب المتأمِّرة على قطاعات الجيش هي من القيادات الصغيرة في الجيش العراقي المنحل، ما خلا بعض الضباط الكبار وعددهم قليل. وبالتالي، هو محتاج إلى عقيدة وهوية عسكرية صارمة، وقيادة تؤمن بالدولة لا بالحزب ولا بالطائفة.

والعراق بما يملكه من إمكانيات مادية وتاريخية قادر على إنتاج جيش صلب يعيد التوازن للبلد على أسس سليمة وعادلة، ويحميه من التدخلات الخارجية ومن مجاميع الإرهاب الأسود، لكن لكل شيء شروطه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4179 - الجمعة 14 فبراير 2014م الموافق 14 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:03 ص

      محمد

      في ايام الاستعمار البريطاني كانت العراق في طور التاسيس وما كان للعشائر او القبيلة صوت غير صوت العثمانيين ؟ الكارثة كان هناك ازدراء للبريطانيين والملكية بعد البريطانيين انتهت بثورة 25 تموز ودخلت العراق النفق المظلم ؟
      ومن المستحيل ان تقوم ثورة او انقلاب بدون ما ايكون هناك استياء في الشارع كان سببه المرجعيات ورجال الدين وقضية فلسطين بالتحديد التي سلمت لليهود هذا الازدراء نابع من المعتقدات الدينية حيث فلسطين احد القبلتين ؟
      ونفس العملية تتكرر عندنا في البحرين بس بعناوين مختلفة ؟
      ونراكم في النفق الظلم

    • زائر 2 | 3:26 ص

      مختصر قصة الشيخ ضاري المحمود

      المقصود الشيخ ضاري بن ظاهر المحمود الزوبعي الشمري بطل ثورة العشرين ضد الإنجليز في العراق والقصة ليس كما ذكرتها وهي معروفة والشيخ أطلق عليه الفرد ثم جدعه بالسيف والخلاف مع ليتشمان القائد البريطاني حول تسليمه بعض الأشخاص وإهانة ولم يرض الإهانة وبعد فترة وبعد أعدامة خرجت الألوف في جنازته وهي تصيح هز ضاري لندن وبجاها

    • زائر 1 | 2:39 ص

      نعم

      الاعراف العشائرية في فلسطين والشام قوية جدا لحد ان الانجليز راعوا ذلك حتى في تنظيم القضاء في تلك الدول

اقرأ ايضاً