العدد 4216 - الأحد 23 مارس 2014م الموافق 22 جمادى الأولى 1435هـ

العين التي ترى ولا تبصر!

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يذهب ماء عيون كثير من البشر، أي يصابون بالعمى ولكنهم يظلون محتفظين بعين البصيرة التي يرون بها ما لا تراه العين. ولكن ماذا عن الذين يذهب ماء بصيرتهم ولهم عيون؟ أيفي ماء العين؟

أن ترى ليست هي المسألة، بمعنى أن تبصر الأشياء والبشر والخلق، وأنت في معزل عن جدوى ومعنى تلك الرؤية، فذلك كأنك لم ترَ. عيون كثيرة مفتوحة في العالم، ولكن عيون قليلة تلك التي ترى حق الرؤية، وما بعد تلك الرؤية هو ماء العين.

وفي القرآن الكريم يرد ذلك المعنى «ولهمْ أَعْينٌ لا يُبصرون بها» (الأعراف، 179)، فهم لا يبصرون، ليس عن خلل فيها أو انعدام ماء ونور، بل انعدام تدبّر وتأمل وتفكّر وترجمة ما يُرى إلى طاقة استيعاب وفهم ينعكس على ما حولهم والذين يجاورون. أولئك هم الذين يذهب ماء بصيرتهم على رغم العيون التي يرون بها ظاهر الأشياء، دون النفاذ إلى باطنها وحقيقتها.

كثيرون أيضاً لا تنتهي حياتهم بذهاب نور أعينهم، بما توفر لهم من قدرة وإرادة وإحاطة بما يملكون من طاقات، يحققون العجيب من الإنجاز، والمذهل من الأثر، وبما يتجاوز أولئك الذين ينعمون بتلك الحاسّة. ولكن بالطبع ليسوا قليلين أولئك الذين يرون أن حياتهم في فصلها الأخير بفقدان تلك الحاسة، استسلاماً وضعفاً وعمى عمّا يملكون من طاقات يحتاجون إلى إيقاظها وتحفيزها واستنفارها، وإخراجها من أسْرها.

وفي ماء ونور البصيرة ألف عين تتجاوز تحسس الأشياء والتفاصيل بمعاينتها والإحاطة بأحجامها وأشكالها، بالقدرة على الذهاب إلى ما بعد ذلك بمستويات ومراحل لا يتمكّن منها المشغول بالظاهر من قدرة تلك الحاسة.

وبالرجوع إلى الذين أذهلوا العالم من حولهم كانت أعينهم غوراً من مائها، ولكنهم استطاعوا أن يقدّموا إلى العالم ما يفيض ويتفجّر بذكاء وقّاد، وإرادة لا تعرف الانكسار، وعزم لا يلين، كل ما يحرك ساكنها، ويزيل جهلها، ويقوّي ضعفها.

ليست العيون وحدها التي نحتاج لنجعل الحياة أرحب مما نرى، إنها عين البصيرة التي تقود العين إلى رؤية ما لا تراه. ولهذا أذى هي العين التي ترى ولا تبصر. ونعمة هي العين التي تبصر ما بعد ذلك، ونعمة أكبر هي البصيرة بمائها ونورها الذي لا حدَّ له.

وضمن الشاهد، القلوب لا ترى بعين نألفها. ترى بعين الداخل، وبعين البصيرة ترى كل القلوب العامرة بالحب والخير والصلاح لمن حولها، لا بالعين التي نألف. كثير من تلك العيون التي لا قلوب فيها لأن البصيرة فيها منعدمة أو تكاد. وكثير من القلوب أيضاً بكل ما تتركه من أثر جميل هي على هدى ذلك النور والماء.

ماء البصيرة هو ما يحتاجه كل منا اليوم. والعين أيضاً وهي المدخل والباب إلى العين الأكبر والأرحب نفاذاً ووصولاً إلى ما لا نراه.

وإذا كانت العين نافذتنا على العالم والناس والأشياء، فإن البصيرة هي الأفق المفتوح على كل أولئك، وبها نرى ما لا يُرى.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4216 - الأحد 23 مارس 2014م الموافق 22 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:36 م

      الاحت سوسن

      ماذكرتي العيون القويه التي نزع الله منها الحياء وتسيء للناس والوطن

اقرأ ايضاً