العدد 4217 - الإثنين 24 مارس 2014م الموافق 23 جمادى الأولى 1435هـ

السيد طالب الرفاعي: شعار «الإسلام هو الحل» لا واقعية له

روى لـ «الوسط» مخاضات تأســيس «حزب الدعــوة الإسلامية» في العراق

عالم الدين العراقي السيد طالب الرفاعي متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير : محمد المخرق
عالم الدين العراقي السيد طالب الرفاعي متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير : محمد المخرق

زار عالم الدين العراقي السيد طالب الرفاعي (83 عاماً) البحرين مطلع الشهر الجاري، وذلك خلال مروره بدول الخليج، قادماً من مقر سكنه الحالي في الولايات المتحدة الأميركية.

الرفاعي هو أحد مؤسسي حزب الدعوة الاسلامية في العراق، وقد نشر الباحث العراقي رشيد الخيون كتاباً بعنوان: «أمالي السيد طالب الرفاعي» في العام 2012، وفي بضعة أشهر طُبع الكتاب مرتين عن «دار مدارك» لصاحبها الاعلامي السعودي تركي الدخيل. الكتاب هو عبارة عن لقاءات بين الرفاعي والخيون، سجل فيها الرفاعي ذكرياته وسيرته وتجربته بصفته أحد المؤسسين البارزين لحزب الدعوة الاسلامية بالعراق، وبصفته وكيلاً للمرجعية الدينية بمصر بين العامين 1969 و1985م، وهو الذي أمّ الجنازة على شاه إيران المخلوع بالقاهرة.

يتميز الرفاعي بالجرأة في التصريح بآرائه وسرد ذكرياته المرتبطة بمسيرة الحركة الاسلامية الشيعية التي انطلقت في العام 1958 في العراق كتنظيم حزبي، وذلك بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الزعيم العراقي الراحل عبدالكريم قاسم في يوليو/ تموز 1958.

ويصر الرفاعي - بعكس ما ذكره آخرون - على أن حزب الدعوة تشكل بعد عام من انقلاب عبدالكريم قاسم، وليس قبله، وأن اسم التنظيم اختاره الإمام السيد محمد باقر الصدر بنفسه، وأنه كان في النواة الاولى للتنظيم مع الصدر (أعدم في العراق العام 1980)، ومع السيد مهدي الحكيم (اغتيل في الخرطوم في 1989).

«الوسط» التقت الرفاعي، وكان معه هذا اللقاء:

قبل الغوص في أعماق التاريخ لنبدأ من الواقع المعاصر، كيف تقرأ حركات الربيع العربي المستمدة وجودها من الحركات الإسلامية... في أية خانة تصنف هذا المد التاريخي؟

- لقد قرأت اليوم مقالاً لرئيس التحرير في صحيفتكم «الوسط»، وهذا الذي رأيته وقرأته واستمعت له فيه قدر كبير من الديمقراطية، التي لم يألف وجودها في الدول المجاورة، وهذا يذكرني بكلمة لأستاذي الكبير المرحوم السيد محمد تقي الحكيم بعد قيام الجمهورية العراقية اثر الانقلاب العسكري في العام 1958 حين بدأت صحافة حرة حقيقة في العراق، وقال لي: « يا سيد طالب، العراق لديه صحافة حرة تزيد أو تضاهي حرية الصحافة في لبنان» وكانت حقيقة لكنها لم تستمر، فالعبرة بالاستمرارية في العمل لا بالقول والإنشاء، والعبرة بالنتيجة.

وبالعودة إلى سؤالكم فإنّ الدول التي تتبجح بالربيع - والذي أسميه الخريف - لم يعد فيها أمن ولا حرية.

لماذا تسميه الخريف؟

- نعم، إنه الخريف، فقد رأيت الوضع في مصر، حيث اللاأمن وانعدام الاستقرار.

هل الخيار برأيكم أن تبقى الشعوب العربية على ما كانت عليه؟

- في مصر مثلاً هم يقولون نعم... لكنني لا أعيش معهم.

لكن ما هو رأيك كمراقب لإسقاطات وتداعيات هذا التحول التاريخي الذي يعيشه العرب الآن؟

- لنأخذ مصر مثالاً، فبالنسبة إلى الغلاء فإنه تضاعف إلى نسبة أكثر من مئة في المئة، والأمن الآن بات مفقوداً، والناس لا يفتحون أبواب بيوتهم خوفاً، وانا كنت هناك مؤخراً وشاهدت ذلك بعيني.

لذلك تسميته الحقيقية هي خريف وليس ربيعاً، انظر أيضاً إلى الغياب الأمني والانقسام في ليبيا وتونس والجزائر، ومصر عندما جاءت الجماعة المعلومة والآن كيف آلت الأمور هناك... إنها أوضاع غير مستقرة وغير آمنة.

أين الربيع؟ الربيع يعني الاستقرار والنسيم العليل، والأرض تخرج خيراتها وبركاتها للناس، التسميات سهلة وبسيطة، لكن الواقع على الأرض على النقيض من ذلك.

لقد عايشتم الكثير من الأحداث والتحولات الكبيرة في العراق، فطموح الناس آنذاك كان مغايراً ومختلفاً، وبالعودة إلى الخمسينات ينقل عنك القول إن تشكيل حزب «الدعوة» كتنظيمٍ إسلامي شيعي كان ردة فعلٍ على انتشار الشيوعيين بعد انقلاب العام 1958؟ فهل أنت متمسك بهذا الرأي؟

- نعم هذا هو الواقع، ولا أحيد عنه قيد أنملة؛ لأنه ناتجٌ عن المعايشة وليس الرواية، فقد تأسس بعد وصول عبدالكريم قاسم إلى الحكم في (14 يوليو/ تموز 1958)، وكنا نتداول الفكرة، وتصدى لتكوين الخلية الأولى الإمام محمد باقر الصدر، وكنت فيها، وكان معي السيد مهدي الحكيم، والاسم اختاره السيد الصدر بنفسه.

ما الدواعي الأساسية لقيام حزب الدعوة، هل هو لحماية علماء الدين الشيعة والمثقفين، أم انه كان ركوباً لموجة الانخراط في العمل السياسي الحزبي آنذاك؟

- ليس شيئاً من هذا أو ذاك، وإنما الفكرة كانت تراودنا في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، أنا والسيد مهدي الحكيم، وذكرت ذلك كثيراً في الكتاب الذي نشر العام 2012.

في تلك الفترة هل كان تبني علماء الدين مشروع تنظيم حزبي خياراً حقيقيّاً عن وعي أم ناجم عن ردة فعل تورطتُّ الحركة الإسلامية بها؟

- لقد ذكرت ذلك مفصلاً في كتاب «الآمالي»، وسأذكره بشيء من الإيجاز، فقد كنت في مستقر إقامتي في المدرسة الداخلية، حيث الدراسة في النجف كانت المساجد آنذاك، وأذكر أن جاءني السيد مهدي الحكيم ذات يوم وتحدث معي بحديثٍ طويل، خلاصته قال لي: «سيد طالب، هل يصير العسكريون المصريون أوعى منا، وأفضل منا؟» فقلت له «خير، ما الموضوع؟»، فقال لي:» أنا قرأت كتاب فلسفة الثورة المصرية» لجمال عبدالناصر وهو في الحقيقة بقلم محمد حسنين هيكل لكن الغلاف مكتوبٌ عليه اسم عبدالناصر، فقال: « سيد، يجب أن نفكر نحن أيضاً، وأن نغيّر الأوضاع السيئة في بلدنا».

وفي الحقيقة أنا قبله كان عندي هذا الاتجاه، وخصوصاً أنني كنت أول معتمرٍ للعمامة مرافقاً للأحزاب السياسية الإسلامية العراقية، بدءاً من جماعة «الإخوان» إلى حزب «التحرير» وكانت صداقتي وعلاقاتي معهم وثيقة ومتينة، والمهم في هذا التاريخ زارني السيد مهدي الحكيم وحدثني، والموضوع انتهى إلى هذا الحد.

وعندما نلتقي كنا نفتح هذا الحديث بشكلٍ من الأشكال للتسلي إلى أن جاءت الأحداث المتلاحقة في العراق حتى حدث انقلاب الرابع عشر من يوليو/ تموز 1958 وزالت الملكية وحلت محلها الجمهورية العسكرية، وانطلق الشيوعيون وسادوا الشارع السياسي العراقي، فصار تحرك قوي في النجف (المركز الرئيسي للدراسة الدينية الحوزية)؛ لأنها كانت قضية مفاجئة وغير متوقعة، لذلك فقد فكر بعض شيوخنا وسادتنا من العلماء وشكلوا «جماعة العلماء» التي ُشكّلت أواخر الشهر التاسع (سبتمبر / ايلول) من العام 1958، وأصدرت الجماعة عدة منشورات ولعلها سبعة أو تزيد.

هل كانت هذه المنشورات تصدر بعنوان: «رسالتنا»؟

- لا، «رسالتنا» استحدثت مع «الأضواء» ولكن «جماعة العلماء» أسبق من الأضواء وأسبق من حزب الدعوة.

كانت «جماعة العلماء» أول حراك حدث في النجف في ظل رعاية وتوجيهات المرجعية في زمن السيد محسن الحكيم، وكانت «جماعة العلماء» يرأسها الشيخ محمد رضا آل ياسين - وهو خال السيد محمد باقر الصدر - وكانت المناشير تكتب بقلم السيد محمد باقر، ومن يقرأ المناشير السبعة التي صدرت حينها لا يجد رائحة ولا يشم شيئاً يلمس منه حركة إسلامية باسم «دعوة» أو غير «دعوة»، بل كان المنشور يستغرق في مديح عبدالكريم قاسم سطوراً كثيرة. ولم يدُر في خلد السيد محمد باقر الصدر آنذاك إنشاء حزب «دعوة» أو إنشاء حزبٍ سياسي، بل لم يخطر بباله في المطلق، وأكاد أقول أنا كنت رفيقه الأول في النجف بل أستطيع أن أقول لم يكن لديه رفيق قبلي من خارج العائلة.

على هذا ولهذا قلت إن «الدعوة» لم يكن لها وجود قبل انقلاب 14 يوليو 1958، ومن يقول خلاف ذلك بنظري حديث غير واقعي، فـ»الدعوة» قامت بعد عام من ذلك، في يوليو 1959.

«الدعوة» عندما انشئت لماذا أضيف لها اسم حزب...لماذا حزب وليس جماعة أو رابطة أو جمعية؟

- إنّ السيد محمد باقر الصدر اختار لها اسم «حزب الدعوة الإسلامية»، ولم تضف لها كلمة حزب لاحقاً وإنما كانت ملازمة لها منذ التأسيس.

لكن لماذا حزب؟ فهل كان تقليداً لحزب «التحرير»؟

- السيد الصدر هو صاحب التسمية، وسلمّنا بها دون جدال.

هل صحيح أن حزب «الدعوة» هو فقط نسخة شيعية للإخوان المسلمين؟ أخذتُّم أفكارهم وأضفتم إليها نصوصاً من التراث الديني الشيعي؟

- تاريخياً وحقيقةً الأمر ليس كذلك، المؤسسون الأوائل السيد مهدي الحكيم، والسيد باقر الصدر لا علاقة لهما بحزب التحرير. أما أنا فنعم، كانت لدي صلات مع حزب «التحرير»، والإخوان المسلمين، وكانت بيننا لقاءات واجتماعات وكان لدينا نشاط سياسي مع هذا التكتل الاسلامي المعروف، لكنهما (الحكيم والصدر) لا علاقة لهما بذلك، وأنا لم أملِ عليهما هذا، نعم، السيد باقر قرأ للتحرير وللإخوان ولكن السيد مهدي لعله لم يقرأ لهؤلاء ولا لهؤلاء، فكيف يكون الحزب من أفكارهم، لقد نشأ حزب الدعوة بهذه النشأة التي ذكرتها ولا علاقة له بالحزبين المذكورين، لكن هل تأثرنا بأفكارهم؟ نعم لقد تأثرنا بأفكارهم.

لكن الفكرة المحورية لحزب «التحرير» والإخوان كانت هي «المرحلية»... وكانت كذلك هي الفكرة المركزية لحزب «الدعوة»؟

- إنّ السيد الصدر عندما أراد أن يعمل برنامج الحزب قرأ كل ما تيسر لدينا من إعداده له من الأحزاب بل وحتى المنظمات والجمعيات فصاغ منها الصياغة التي ُجعلت برنامجاً تكتيكيّاً للحزب.

لكن ما هو الهدف الحقيقي من قيام حزب «الدعوة»؟

- في الجلسة الأولى التي تشكل فيها الحزب قيل إنه حزب إسلامي سياسي تغييري.

برأيك كيف تجنبتم إشكالية الصدام بين الحزب والمرجعية، فالمؤسسات الحديثة تصطدم مع المرجعية الدينية الشيعية غالباً؟

- الشيء الذي ساعد على ذلك أنّ السيد مهدي الحكيم كان الابن القريب كثيراً من أبيه (السيد محسن الحكيم) والملتصق به من بقية أولاده أكثر. فالسيد مهدي كان وجوده في القيادة والتشكيلة الأولى فتحٌ للحزب، فمن خلال السيد مهدي لم نكن نخشى حدوث ردة فعل من المرجعية؛ لأن ابن المرجع معنا وكان ضمانة.

لكن لاحقاً انسحب السيد محمد باقر الصدر من الحزب؟

- إنه تاريخ، وكان هذا في مرحلة التشكيل. وبالعودة إلى سؤالكم، هل الحزب هو امتداد من الحزبين، وأن وجوده وجودٌ تلفيقي من أفكارهما، لا، الأمر ليس على هذا النحو، وجوده استقلالي وليس وجوداً تلفيقياً، ولكن بالطبع يوجد تأثير وتأثر، وهم أسبق منا في العمل الحزبي، وتواصلنا معهم، وعندما اسسنا واجتمعنا وقررنا باركوا لنا.

وكيف عرفوا عن اجتماعات الحزب على رغم أنه كان مشروعاً سريّاً؟

- لقد عقدنا اجتماعاً، واجتمعوا عندي في السرداب، فنحن كنا عشرة، فينا من «الدعوة» والإخوان» فاضل السويدي، ومجموعة محمد هادي السبيتي الذي كانت له رواسب اخوانية وتحريرية، ولاحقاً صار الرمز الأول للحزب بعد خروج السيد الصدر.

فإذا يؤخذ الأمر من جهة محمد هادي هذا صحيح، لكن إذا أخذ من التشكيلة الأولى التي أعلمها وأنا أحد أعضائها فإنه غير صحيح.

لكن يبدو أن فكركم الأولي اختلف عن فكركم الحالي، فأنتم الآن تؤمنون نوعاً مّا بأن الليبرالية هي الأصلح؟

- دعنا نسميها الدولة المدنية.

ماذا تقصد بالدولة المدنية؟

- الدولة المدنية هي الحل للوضع الحالي..الدولة المدنية بمعنى المواطنة على حدٍّ سواء، ويضاف اليها عدم المخالفة للثوابت الإسلامية.

إذاً، ما الفرق بين الحزب الإسلامي والحزب غير الإسلامي؟

- الفرق هو عدم مخالفة الثوابت الإسلامية.

ما هي الثوابت الإسلامية، فهذا مفهوم فضفاض ومطاط في الوقت ذاته؟

- الثوابت الاسلامية هي الثوابت التي لا تصطدم بنص قرآني أو نص صحيح مجمع عليه في السنة النبوية.

لكن هذا تعريف عام يمكن أن يمّدد؟

- نحن لا نمنع من تمدده، لكنه هكذا.

حاليّاً الدولة المدنية كما نفهما هي مثل هولندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا؟ هل هذا النمط للدولة المدنية التي تقصدها؟

- لقد قلت مع الإحتفاظ بالثوابت الإسلامية.

مرة أخرى ما هي الثوابت، هل يمكنك أن تعدد أربعة اشياء من هذه الثواب؟

- التوحيد من الثوابت، الإقرار برسالة الرسول (ص) الصوم، الأصول والفروع الإسلامية، حرمة الخمر من الثوابت.

هل على الدولة أن تحرّم الخمر مثلاً؟

- إذا تمكنت نعم ولكن إذا ليس بإمكانها فلا حيلة لها، فالدولة لا تستطيع أن تطبق الاسلام؛ لأن الواقع أقوى منها.

هل تسعى إليه؟

- تفضّل أن يحصل ذلك.

لكن كفرضية، لو أنّ كثيراً من الناس من الشعب ليس لديهم مانع من بيع الخمر في البلاد؟ فكيف يكون التصرف حينها؟

- الآن ُيشرب الخمر، ولم نسمع أن سكراناً أجري عليه الحد. دعني أقول إنّ التطبيق الإسلامي بالنسبة إلينا الأن اصبح طموحاً، بينما كان في السابق تخطيطاً نسعى إلى تحقيقه وتطبيقه على الواقع، لكن علمتنا الايام أنّ ذلك غير ممكن الآن.

لكن إذا لم يتحقق الطموح؟

- اذا لم يتحقق فلست مسؤلاً عن ذلك إذا كان الواقع مغايراً، فأئمتنا كانوا منصَّبين من قبل الله سبحانه، لكن قوة المجتمع والأنظمة أقوى منهم وجلعتهم يجلسون حلس بيوتهم.

هل ترى أنّ تجربة الدستور التونسي الذي يقر الدولة المدنية يشكل أنموذجاً في هذا الإتجاه؟

- ليس لدي إطلاع دقيق على ما هو موجود في تونس أو ليبيا أو الجزائر أو المغرب، لكن أستطيع أن أقول للتاريخ والواقع العملي الآن إنّ النظام القائم في العراق محسوب على «الدعوة» لكنه حكومة مدنية.

ما هو موقفك منه؟ هل هو نموذج برأيك؟

- لا أقول إنه نموذج لكنه الواقع الفعلي القائم الآن، فحزب «الدعوة» هو الذي يقود الحكومة وهو الذي على رأس هرم السلطة في العراق حاليّاً، ومع ذلك هو حكومة مدنية.

هل ترون أن حزب «الدعوة» الحالي في ظل الحكومة المدنية يلتزم بأفكار حزب «الدعوة» الأم... وما موقفكم منه؟

- لا أعرف من يستنكر ذلك من حزب «الدعوة».

هل حزب «الدعوة» الحالي يرتبط بحزب «الدعوة» الأول، أم أنه مجرد اسم وهيئة ليس إلا؟

- لا شك أنّ الوضع الآن في هذا الظرف ومع مرور الزمن اختلفت فيه أشياء كثيرة، ففي مسألة الديمقراطية نحن كنا نقتفي ما عند الإخوان والتحرير أنّ الديمقراطية كفر، لكن عندما جاء إبراهيم الجعفري (رئيس الوزراء العراقي السابق وأحد أهم قادة حزب «الدعوة» المعاصرين) نادى بالديمقراطية، ورئيس الوزراء الحالي نوري المالكي أيضاً خطابه مليء بمفردات ديمقراطية، ولكن حينما بدأنا بـ «الدعوة» في 1959 فإن الديمقراطية لا تترد على ألستنا، وإذا ترددت كنا نعتبرها نشازاً.

الديمقراطية بالنسبة إليكم... هل ترونها وسيلة أم منهجاً؟

- نحن أخذنا الديمقراطية على أساس أنها حكم الشعب، أما النظام الإسلامي فهو حكم الله، «ومن يبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فَلنْ يُقبلَ منه» (آل عمران: 85)، وهناك آيات ثلاث توصلنا من خلالها حينما تشكل حزب «الدعوة» في نهاية الخمسينات إلى أنّ الديمقراطية لا تلتقي مع الإسلام.

هل حصلت مراجعات فكرية قادتكم إلى هذا التحول في التعاطي مع هذه المفاهيم؟

- نعم، أنا من النَّاس كنت استنكر الديمقراطية على أساس أنها منافية للمنطلق الإسلامي، لكني الآن لا استنكرها بل أراها مناسبة للوضع الحالي.

هل يعني ذلك أنّ قبولكم للديمقراطية قبولٌ اضطراري على قاعدة «فمن اضطُّر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه» (البقرة: 173)؟

- إنه تطور فكري صار عندنا، فالشعب هو صاحب الرأي الأول والأخير بالنسبة لاختيار حكومته ونظامه الذي يحكم به على أساس إسلامي مدني.

ثمة من يرى أنّ الإسلاميين الشيعة لديهم مشكلة مع الديمقراطية أكثر من سواهم من التيارات الأخرى؟ هل ذلك صحيحاً؟.

- الأمر فيه قدر كبير من المبالغة، فحتى ايران التي تدعي أنها دولة اسلامية تطبيقية ليست لديها مشكلة مع الديمقراطية.

لكن هناك، الديمقرطية تأتي بعد ولاية الفقيه وليس قبلها؟

- نحن لا نقول إنّ الديمقراطية هي الأصل... في السابق، كانت الديمقراطية مرفوضة بالمطلق، والآن أصبحت لدينا مرونة لتقبُّلها؛ لأنها الحل النموذجي بالنسبة إلى ما هو قائم، لا بالنسبة إلى ما ينبغي أن يكون... نحن نرى أنّ الديمقراطية بالنسبة إلى الوضع القائم هي شيء جيد.

لكن بحسب النظرية الشيعية إنّ كل شي معين من الله، وفي زمن غيبة الإمام الثاني عشر الفقهاء ينوبون عنه؟.

- ليس لدينا الآن إمام قائم، والإمام القائم هو أعرف بتكليفه، وقضاياه مسلّمة يتلقاها المجتمع بالقبول لأنها من عند الله سبحانه، و «أَنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلهِ» (الأنعام: 57).

ما هو دور الفقهاء إذن؟

- لا دور للفقهاء مع وجود الإمام.

وما دور الفقيه بحسب الفكر الإسلامي الشيعي في ظل غياب الإمام؟

- دور الفقيه أن يكون رقيباً أو ناصحاً... وليس أكثر من رقيبٍ ناصحٍ، آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر.

لكن هو ناصحٌ بصورة إلزامية أم غير إلزامية؟

- دوره كما أسلفتُ أن يكون آمراً بالمعرف وناهياً عن المنكر على حسب القدرة والإمكان والتقبل من الطرف الآخر... هذا دوره، وليس دوره أن يفرض على الناس، والناسُ تسير على ما يفرضه عليها.

ما تقوله ربما يصطدم مع فكرة التقليد في الفقه الشيعي (غير المجتهد يقلّد الفقيه المجتهد)؟.

- هذه خصوصيات مذهبية ليست لها علاقة بقيام الدولة، فالحنفي يقلد الحنفي والشافعي يقلد الشافعي، وحتى لو دولة سنية يجب أن تراعي خصوصيات المذاهب الأخرى والعكس صحيح. الدولة ليس دورها أن تتعرض للخصوصيات.

الشيعة اليوم متهمون بأن ولاءهم ليس لوطنهم وإنما ولاؤهم دائماً لشيء خارج الوطن؟

- هذه كذبة كبرى ومفتعلة على الشيعة، الشيعة وطنيون قبل أن يكونوا منتصرين للآخر على حساب الوطن، وأنا شيعي وهذا تفكيري، وهذا تفكير كل الشيعة، فهم مواطنون ومخلصون لوطنهم ويعملون لصالح وطنهم، ومتآخين مع المواطنين الآخرين على حدٍّ سواء، أما الزعم بأنّ الشيعة لديهم تبعية أو ذيلية لدول غير أوطانهم فهذا أمر مرفوض مئة في المئة، وأكذوبة كبرى لا أساس لها من الصحة أو الواقع.

هناك من يطرح جدلية (العروبة والتشيع)، وأيضاً الشيعة العرب والشيعة الفرس...هل من يطرح ذلك ينخر في الفكر الشيعي بنظركم؟

- الشيعي العربي لا يستطيع أن يخرج من جلده، فأنا شيعيٌ عربي، فهل أستطيع أن أخرج من رداء عروبتي؟!، والشيعي الفارسي كذلك سيبقى شيعيّاً فارسيّاً.

لكن ألا يوجد تناقض بين ثنائية المذهب والانتماء؟

- لا يوجد تناقض بحسب الصيغة الحقيقية الواقعية، ولكنه إذا ُوجد فهو خلاف المطلوب وخلاف المذهب.

شعار الاسلام هو الحل الذي تنادي به الحركات الاسلامية، هل اصطدم بالواقع؟

- في هذا الظرف لا واقعية له.

لماذا أصبح غير واقعي؟ هل منشأ عدم واقعيته صعوبة التطبيق، أم أنّ المبادئ غير صالحة للحكم؟

- الشيء المهم الذي يجب أن ندركه أننا كمسلمين اليوم لا نستطيع أن نعيش في العالم منفردين، فالآن يجب أن نعترف بوجود الهيمنة الخارجية التي تحكمنا شئنا أم ابينا، فهل استطعنا أن نمنع الأميركان من احتلال العراق؟

لكنكم كإسلاميين قبلتم بالمشاركة في العملية السياسية التي أعقبت مرحلة الاحتلال؟

- نحن لم ندع اميركا للاحتلال، لكن كنا نتمنى أن أية جهة تزيل الطاغوت عن العراق، كان مرحباً بأي جهة للخلاص من ذلك الظلم الفاحش.

اليوم الكثير من الرموز السياسية العراقية في الحكم محسوبة على «الدعوة»، وهناك من يقول إنهم فشلوا في إدارة العراق؟ هل ترون ذلك الزعم يجانب الصحة؟

- هؤلاء أشخاص وكل شخصِ يعمل وفق اجتهاداته الشخصية على رغم أنه ينتمي إلى فكر معين، لكن الفكر المعين غير ممكن تحقيقه والنزول به إلى الواقع في هذه الظروف.

ولماذا لا تطبق الأفكار التي كان ينادي بها السيد الصدر الآن على قيادة الدولة في العراق ومن يؤمنون بنهج السيد الصدر؟

- أعتقد أنّ الأمر جزء منه يعود إلى المرجعيات، فكل مرجع له منهجه وله أسلوبه الخاص، فالسيد السيستاني بعدما رأى من الضغوط في عصر الطاغوت لم يكن لديه هذا التوجه، والآن الوضع السياسي العراقي أشغلهم وأبعدهم عن هذا التفكير، إنّ كل مرجع لديه مشروعه الخاص؛ لأنه مجتهد، وله منهجيته ونظرته الخاصة في التطور.

ولكن ما أقوله أن الشيعة للأسف ليسوا كالفاتيكان، فمرجعية الفاتيكان تختلف وهي برأيي أكثر تنظيماً، وإن كنت مسلماً وشيعيّاً أرى أنّ النظام القائم في الفاتكيان هو النظام الأمثل، فمرجعية الفاتيكان تختلف عن الشيعة، فالنظام القائم في الفاتيكان هو الأمثل لو تتخذه مثالاً للعمل.

لماذا ترى أن الفاتكيان تمثل أسلوباً مثاليّاً في المرجعية؟

- في ظل مرجعية الفاتيكان يوجد مرجع واحد والكل يستمع لمشورته وتوجد تخصصات متعددة، فنحن نحتاج إلى ما بين 100 و 150 سنة لنصل إلى ما وصلوا إليه، فنحن في اول السلم بالنسبة إلى النظام في الفاتيكان، ومع كامل الاحترام والاختلاف بالنسبة إلى الدينين، فأنا أدين وأقدس الاسلام والدين وأتبنى الرؤية الإسلامية، لكن في الواقع أنّ النظام الهرمي في الفاتكيان ينبغي أن يحتذى به.

دعنا نتحدث عن سبب توقف محاولة تطوير الدروس في الحوزة لإدخال النهج الجامعي مثل كلية الفقه، بحيث يكون رجل الدين في الحوزة يحمل الدرجات العلمية الأكاديمية، على رغم أنّ هناك من يرى ذلك، فلماذا لا نرى نتائج تلك الأطروحات تتمثل في إدخال النهج الحديث في التدريس الحوزي؟

- في الواقع، الحوزة منظومة تعليمية، وكان من ابرز الدعاة للتطوير والتغيير الشيخ محمد رضا المظفر الذي أنشأ حوزة مصغرة تحت ظل مرجعية السيد محسن الحكيم وظلت فترة ثم أغلقت لأسباب لا أذكرها الآن، يمكن القول إنّ الشيخ محمد رضا المظفر هو صاحب الأفكار التطويرية للدراسة، والسيد محسن الحكيم كذلك لم يكن لديه رفض كامل للتطوير، لذلك فإنّ الحركة التطويرية للسيد محمد باقر الصدر طبقت في ظل مرجعية السيد الحكيم ولم يعارضها، لكنّ الزمن أصبح عاملاً ضاغطاً على الفكرة التي كانت في زمن أبو الحسن الأصفهاني « نظامنا لا نظام»، أما بعد ذلك، فنحن نلاحظ أنّ منتدى النشر كحركة تطويرية في النجف نشأ في العام 1928.

لماذا لا توجد في الوسط الشيعي اليوم منتجات شيعية عميقة مثل «اقتصادنا» و»فلسفتنا» بحيث تدرّس في الجامعات الغربية والمتخصصة مثلاً... ما تفسيركم لهذا الضمور؟

- لأن الحوزة العلمية في النجف ضربت في العصر الصدامي، فلو كانت النجف في استقرارها كما كانت في أيام الصدر والحكيم وزملائهم لكان الوضع الحوزوي الآن في وضع آخر، فالحوزة وصلت إلى حد الفناء ثم عادت من جديد، وتعتبر نفسها بدائية بالنسبة إلى موقعها السابق، فغايتهم الآن إعادة الحوزة لكي تتكامل كما كانت في السابق، وربما يقدمون ذلك الهدف على مسألة التطور والمناهج.

لماذا نجد أنّ مادة التاريخ العلمي الحديث لا يتم تدريسها في الحوزة؟ الا ترون أنّ الفترة التي عاشها الشيخ الانصاري في العراق في القرتن التاسع عشر الميلادي مهمة لفهم كتابه «المكاسب»، أو أن من يقرأون كتب العلامة الحلي يجب أن يعرفوا ظروف بغداد قبل سبعة قرون؟

- الحوزة تعطينا العلم وكل واحد يتوجه للتخصص الذي يريد، المنهج موجود من خلال القراءة وليس الدرس والتدريس، فالغاية من الدرس الحوزوي هي الوصول الى الاجتهاد.

العدد 4217 - الإثنين 24 مارس 2014م الموافق 23 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:33 ص

      الاسلاااام

      اصبح الاسلااااام شمااااعة وعباءة للوصووول غير ان الاسلاااااام اوسع واشمل من ذلك

    • زائر 6 | 9:53 ص

      لا

      عدم القدرة على تطبيق الاسلام لايعني ان نذبح انفسنا من اجل تطبيق انظمة اخرى علينا .

    • زائر 4 | 1:19 ص

      أهلا بعودتك

      افتقدنا مقالات الصحفي حيدر محمد منذ فترة وأهلا بعودتك من جديد .

    • زائر 3 | 1:10 ص

      تناقضات

      بعض الاجوبة متناقضة اما ادعاؤك بانك من مؤسسي الدعوة فيبقى ادعاء بعد استشهاد من ذكرت اسمائهم خصوصا ان السيد الحكيم حرم على اولاده الانضمام لحزب الدعوة.
      هناك مقال في موقع براثا يتكلم عن الدعوة قبل هذا التاريخ.

اقرأ ايضاً