العدد 4227 - الخميس 03 أبريل 2014م الموافق 03 جمادى الآخرة 1435هـ

هل نحتاج لإدارة للكوارث أم إدارة للمخاطر؟

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

سؤال جدير بالاجابة الواضحة التي تنطلق من التخطيط الاستراتيجي المتقن الذي يأخذ من فلسفة الحلول المستدامة محوراً أساسياً في الوصول إلى الإطار الأكمل عند رسم الأهداف الوطنية لبرنامج عمل الحكومات في مجال الصحة العامة والمحاكاة والاستجابة إلى أية أخطار صحية محتملة سواءً كانت ناتجة عن مسببات وكوارث طبيعية مثل سوء الأحوال الجوية أو تلك التي أفرزتها آلة الصناعة والتكنولوجيا مثل حوادث الطيران والقطارات وغرق السفن.

لقد برز منذ أمد ليس بالبعيد تخصص طبي فرعي منبثق عن تخصص طب الطوارئ، وهو ما يعرف بـ «طب الكوارث»، ذلك المجال الانساني الذي يتخذ من مفاهيم وأساسيات التخطيط والاستجابة لأية مخاطر صحية واجتماعية منطلقا لبناء منظومة فاعلة تضمن قدر الإمكان الاستجابة المثلى لتبعات الحوادث والكوارث في مسعى للتقليل من آثارها على صحة وحياة الفرد والتجمعات السكانية على المدى الآني والبعيد، كما يعنى بمبادرة الاستجابة للأخطار عند وقوعها إلى بناء مركز تحكم لإدارة عمليات الاتصال واصدار أوامر البحث والانقاذ والاخلاء الطبي تمهيداً لبذل الرعاية الطبية العاجلة المنقذة للحياة وحصر الضرر وتحجيم النتائج السلبية قدر ما أمكن.

لقد درجت الكثير من الأنظمة الصحية العالمية وخاصة تلك العاملة في الدول النامية والأقل دخلًا، إلى الانتباه في المقام الأول إلى وضع وحشد المصادر والموارد البشرية والتقنية والفنية المناسبة في سبيل تقديم الرعاية الصحية واللوجستية التي تتطلبها حادثة معينة، أي حصرت تلك الأنظمة وما خلفها من لوائح وسياسات جل طاقتها لتعالج وقتياً ما قد يخلفه تحطم طائرة أو ما قد ينتج من حادث صناعي لمنشآت كيميائية أو بترولية مثلاً أو غيرها، مع ما لذلك التدخل من أثر واضح ومهم في مرحلة الاستجابة للخطر. لكن المطلوب منطقيا أكبر من ذلك فهل نحتاج لوقوع حدث ما كي نعمل؟ لماذا ننتظر لوقوع ما قد لا يحمد عقباه؟ هل هناك من آلية عمل ممنهجة تبنى على أساس من مبادئ العلم والمعرفة الحديثة في مجال ما أصبح يعرف مهنيا وتقنيا بـ «علم الكوارث» أو «ديزازستر ساينس» باللغة الانجليزية؟.

قبل ما يقارب العقدين من الزمن لم يكن هناك ما يعرف بطب الكوارث كما هو الحال الآن وقد كانت تداعيات أي حادث أو كارثة ما لا تجد من أنظمة الرعاية الصحية أكثر من الوقوف في موقف التفرج والتعاطي البسيط جدا لما تفرزه الحاجة عندها من تضميد جرح أو اسناد عظم مكسور كما لو كان ذلك نتاج حادث يسير وعابر في البيت أو العمل أو غيرهما.

إن ما نعني هنا بمفردة كارثة هي تلك الحاجة الإنسانية المهولة والطارئة التي تنتج عن أي حدث قياسي وعارض تتطلب الاستجابة الآنية له ما قد يفوق بأضعاف قدرة وامكانات المنشآت الاجتماعية والصحية من مستشفيات ومستوصفات ودور رعاية التي قد تتوافر لمجتمع أو دولة ما، أي تلك النقطة التي قد يصبح عنها أي نظام رعاية واستجابة صحية غير قادر على الايفاء بما هو مطلوب منه.

نظرياً وعملياً، ذلك التعريف يأخذنا عند اسقاطه مهنياً إلى استيعاب أنه ومن احدى دواعي ومتطلبات الحياة اليومية في مستشفياتنا ومراكزنا الصحية لنا أن نتوقف للحظات لنعرف ما قد يحدث في أية لحظة عندما ولسبب ما نجد أنفسنا مثلاً يوما أننا أمام واجب معالجة ألفي مريض في وقت محدود، في حين أن امكاناتنا لا تتجاوز المئة عند أخذ عامل الوقت في الاعتبار.

ان ما نحتاجه حقا هو حشد امكاناتنا المهنية ومهارتنا لحصر المخاطر الواردة والمحتملة وقوعاً لمنشآتنا كافة ولنبدأ بالمهمة والحيوية منها وخلق البرامج الوقائية الكفيلة التي تجنبنا عناء وعواقب وقوعها عوضاً عن رصد ما لدينا من موارد ومصادر في العلاج وإعادة البناء، فنحن أرباب الصحة ونتخذ من مفهوم الوقاية دوماً خيراً من العلاج، لذا الأجدر هو ان نضع ونسعى إلى إدارة للمخاطر لا للأزمات.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4227 - الخميس 03 أبريل 2014م الموافق 03 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً