العدد 4231 - الإثنين 07 أبريل 2014م الموافق 07 جمادى الآخرة 1435هـ

محاسبة الكبار وليس الصغار فقط

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

محاسبة الكبار وليس الصغار فقط، ظاهرة ملفتة في العديد من البلدان الديمقراطية في عالم غير مثالي، اجتاحته العولمة الرأسمالية المتوحشة، وتوغلت فيه سلطة رأس المال العابر للحدود والشرائع والمؤسسات، وأضحى الفساد المالي والسياسي شائعاً على نطاق واسع، ومصدر قوة خفية وأسلوباً شائعاً للسيطرة والهيمنة.

ونستطيع أن نسوق نماذج من حالات وشخصيات عربية ودولية فاسدة لا حصر لها، جمعت بين السلطة والثروة وأفسدت الحياة الخاصة والعامة.

الفساد يكلف اقتصاديات العالم أكثر من تريليون دولار سنوياً، حسب تقديرات البنك الدولي، والفساد السياسي أحبط العديد من الأنظمة الديمقراطية بما فيها الراسخة. وبالطبع فإن الفساد مصدر كوارث بيئية وتنموية واقتصادية واجتماعية. وقد اقتنعت «منظمة الشفافية الدولية» بضرورة تعيين الأمم المتحدة لمقرّرٍ خاص حول دور الفساد في إحباط التمتع بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وهو ما تعمل عليه مع المنظمات الحقوقية الأخرى.

ولكن في مواجهة هذا الوضع الكالح، هناك ومضات مضيئة ومشجّعة، وتتمثل في محاسبة الكبار وإسقاطهم من علياء مناصبهم السياسية والمالية إلى الزنزانات المغلقة، في انتصارٍ للعدالة وقيم الفضيلة والحق والنزاهة.

سيلفيو برلسكوني الذي خرّب الحياة السياسية الإيطالية ونظامها الديمقراطي، وانطلق من إمبراطورية الإعلام والمال، ليتحكم في الحكم والحياة السياسية في إيطاليا على مدى 15 عاماً. ها هو قد حوكم وصدر الحكم بإدانته بخمس سنوات ينتظر تنفيذها وإسقاط عضويته في مجلس الشيوخ، وهي مسألة إجرائية. وسقط حزبه «التجمع الشعبي» سقوطاً مريعاً وتولّى الشاب النزيه ماتيورنزي عمدة فلورنسا، رئاسة الحكومة، في سابقةٍ لحكم العجائز لروما.

في «إسرائيل» وهي عدوٌ لنا وللإنسانية، لكنها لا تتساهل في قضايا الفساد التي تضر بالشعب اليهودي، أدين رئيس الوزراء السابق أيهود أولمرت بالفساد والرشوة في إقامة مجمع «دريملاند» في القدس المحتلة، وكم يا ترى حجم هذه الرشوة؟ مجرد نصف مليون شيكل، أي ربع مليون دولار كما أعتقد، مما يذكرنا بمقولة غوار الطوشة: «شو سرق ما سرق مليون، حدى بيحكي بمليون».

نعم... فالسرقات في الوطن العربي السعيد بالمليارات من قبل من هم فوق فوق حتى تحت تحت، والسرقة في عالمنا العربي شطارة، ويكافأ السارق للمال العام بترقيته للأعلى، وهو محصنٌ بالتأكيد.

رئيسة وزراء تايلاند المنتخبة ينجلوك شناواترا، قد تواجه حجب الثقة عنها أمام مجلس الشيوخ المرتقب بعد إجراء الانتخابات النصفية قريباً، إذا ما وافق 60 في المئة من أعضائه على ذلك، في قضية ما يعرف بالفساد في تعويض منتجي الأرز، حيث لم يتلق الآلاف منهم التعويضات المستحقة من الحكومة.

أما رئيس جمهورية فرنسا السابق نيكولا ساركوزي، فيجرجر أمام المحاكمة في قضية ما يعرف عدم تسجيله رسمياً لتبرع من شركة «لوريال» لمنتجات التجميل، قدره 60 ألف يورو لتمويل حملته الانتخابية الرئاسية، حيث يحتّم القانون الفرنسي تسجيل كل ما يزيد على 5 آلاف يورو من التبرعات.

من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، من دول متطورة وغنية إلى بلدان متخلفة وفقيرة، لكن الجامع بينها نظامها الديمقراطي على علاته وما يترتب عليه من محاسبة دقيقة للمسئولين، ليس السياسيين فقط بل المسئولين كافةً، سواءً مديري بنوك أو جمعيات تعاونية.

الفساد ظاهرة إنسانية وهو جارٍ في العالم أجمع بما في ذلك الدول الديمقراطية، لكن حين يكتشف في الدول الديمقراطية الحقّة، فلا أحد فوق القانون ولا يبقى أحدٌ خارج الحساب. فالقضاء عندهم هو الفيصل و(ما فيه يا أمه ارحميني).

هذا عندهم فماذا عندنا؟ لا أريد أن أثير المواجع، فلأتوقف هنا لتلتقطوا أنفاسكم. وكما قال الشيخ جمال الدين الأفغاني: «لقد وجدت في الغرب إسلاماً من دون مسلمين، ووجدت في الشرق مسلمين من دون إسلام». وهو يقصد هنا الأخلاق والنزاهة والإخلاص وحسن المعاملة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4231 - الإثنين 07 أبريل 2014م الموافق 07 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:32 ص

      عجل

      عجل ليش اعتقلو الرموز لانه طالبوهم بل اموال وين تروح وليش ماتعطون الشعب حقه المشتكى لله من الفساد الحاصل فى ديرتى

    • زائر 7 | 6:06 ص

      اسلام و لا مسلمين

      إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه،وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت

    • زائر 6 | 3:58 ص

      عجبب

      اسمع كلامك اصدأك ..اشوف ميولك أتعجب

    • زائر 5 | 3:36 ص

      نحن نختلف!

      كل التصريحات الرسمية ومنذ عقود في هذه المنطقة، أن الوضع عندنا يختلف. تخيل حتى الدعايات والإعلانات تروج لنفس المقولة: صيفنا غير!! بالنسبة لإعلانات تسويق البحرين في الصيف.
      دائما يجهز الكبار لكبش فداء في حال انكشف الغطاء ولكن عادة ما تختلف الأمور، فلا يلاحق أحد إلا أن يكون موظفا صغيرا جدا سرق خمسين دينارا أو استخدم هاتف الوزارة! أما الكبار فهم فوق القانون

    • زائر 4 | 2:35 ص

      نعم الكاتب النزيه انت يا استاذ عبدالنبي .

      لقد اثرت بعضا من المواجع . والبعض الاخر خطا أحمر , وما خفي أعظم .

    • زائر 3 | 2:09 ص

      كلام في الصميم لذلك يكون اللعب مع الكبار

      اللعب مع الكبار يستلزم سلطة دوليّة محميّة تستطيع الوصول الى اكبر الرؤوس الفاسدة وهذا يتطور يوم بعد يوم

اقرأ ايضاً