العدد 4250 - السبت 26 أبريل 2014م الموافق 26 جمادى الآخرة 1435هـ

التنين الأصفر يجتاح أوروبا

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

خلال جولتي الحقوقية الأوروبية التي شملت جنيف وبروكسل ولندن وباريس على حسابي الخاص للعلم وبتقشف شديد، لاحظت ظاهرةً تتعزّز كل مرة أزور فيها أوروبا، وهي الحضور الكثيف والمتزايد للدول الآسيوية الناهضة، وخصوصاً الصين وكوريا الجنوبية وتايوان. هذا الحضور واضح في السياح من هذه البلدان بأعداد كبيرة في الشوارع والمتاحف والفنادق والمطاعم، وقدرتهم الشرائية المرتفعة، وغالبيتهم ضمن مجموعات سياحية منظمة.

هذا الحضور الكثيف، دفع الأوروبيين لإحداث تغييرات كبيرة لاجتذابهم وإرضائهم. فمثلاً الشاخصات والتعليمات والشروح، سواءً في المتاحف أو الشوارع أو الفنادق أو أجهزة الشرح والكتيبات والأدلة والخرائط، أضحت تتضمن اللغتين الصينية والكورية. أما المنتجات الصناعية والتكنولوجية والإلكترونية الصينية والكورية والتايوانية، فقد اكتسحت الأسواق والحياة الأوروبية من دون منازع.

وعندما زرت معرض السيارات الدولي في جنيف حسب مقولة «ساعة لربك وساعة لقلبك»، ذهلت لاكتساح السيارات الكورية بشكل خاص للمعرض والتي كانت قبلة الزائرين. البنوك الصينية والكورية والتايلندية، والمؤسسات المالية والخدماتية والفنادق ووكالات منتجات الدول الثلاث، تنتشر كالنار في الهشيم، وتزيح من طريقها مثيلاتها الأوروبية والأميركية.

وخلال زيارتي لباريس، واستعداداً للقاء صحافي، فوجئت بمؤتمر اقتصادي عالمي ضخم، كان الصينيون والتايوانيون والكوريون هم عصبه ومحرّكه. لكن التجلي الأوضح للحضور الصيني، هو زيارة الفاتحين للرئيس الصيني شي جين بينج، الذي وصل إلى سدة القيادة قبل أشهر فقط، مع برنامج إصلاحي اقتصادي وسياسي ومؤسسي قوي، برفقة زوجته، وكانا باللباس الأوروبي الأنيق، وبصحبة جيشٍ من الاقتصاديين والخبراء، وليس الخدم والحشم كما يحدث للزعماء العرب.

الزيارة جاءت لمناسبة مرور خمسين عاماً على تدشين العلاقات الصينية الفرنسية في عهد الرئيس الفذ الجنرال شارل ديجول، لترتفع الأعلام الصينية إلى جانب الإعلام الفرنسية في كل مكان إلى جانب يافطات الترحيب. كنت في زيارة لوزارة الخارجية الفرنسية، ففوجئت بإغلاق بعض الطرق في ساحة الانفاليد المواجهة لمبني الكي دورسيه، لنعرف أن الرئيس والوفد الصين في زيارة للخارجة الفرنسية، لكن رجال الشرطة يعتذرون بأدبٍ للمارة وسائقي السيارات، ويوجّهونهم إلى شوارع بديلة.

ومن فرنسا انتقل الرئيس الصيني إلى ألمانيا في جولةٍ أوروبيةٍ تفتح آفاقاًً أوسع لعلاقات صينية أوروبية، تسهم في إنعاش الاقتصاد الأوروبي، وتعزيز النمو الصيني المبهر.

في زيارتي لمهر إيريس للدراسات العليا، لاحظت وجود طلبة شرق آسيويين، وعلمت أن أعداد الطلبة الصينيين والكوريين في جميع الجامعات الأوروبية في تزايد مذهل، وأنهم يقدمون على التخصصات العلمية بشكل خاص، ويشهد لهم بمثابرتهم وجديتهم واستعداداتهم حيث يدرسون اللغات الأوروبية في بلدانهم الأصلية. وهذا يذكرني بمثلٍ قديمٍ فحواه: إذا رأيت غرفة سكن طلابي مضاءة الأنوار في وقت متأخر، فإما أنهم طلبة عرب يتونسون أو لاتينيون يتجادلون، أو شرق آسيويون يدرسون»!

فاتني أن أذكر أن العديد من الفنادق التابعة لشركات آسيوية أو أوروبية أو أميركية، عدّلت من تجهيزاتها كافةً لتلائم نمط الحياة الآسيوي الشرقي، وكذلك الأمر بالنسبة للمطاعم، فالعديد منها آسيوي، أو تقدّم وجبات آسيوية لتلائم الأعداد الكبيرة من السياح الآسيويين الشرقيين.

ولكن من أهم تجليات الحضور الآسيوي الشرقي، هو الوجود الدائم للآسيويين الشرقيين وخصوصاً الصينيين والكوريين، إما لمقيمين أو طلبة، وبعضهم اكتسب الجنسية وأضحوا مندمجين في المتجمع الذي يعيشون فيه، ليضيفوا عنصراً جديداً في التعددية البشرية والثقافية لهذه المجتمعات. فأين نحن العرب، الأقدم حضوراً، من كل ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4250 - السبت 26 أبريل 2014م الموافق 26 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 1:52 م

      ( العرب ظاهرة صوتية)

      يمثل العرب ظاهرة صوتية قى العالم ليس إلا.

    • زائر 5 | 10:48 ص

      فات الفوت ياالعكري

      العرب برغم قوتهم الماليه الهائله ومشترياتهم اتي تفوق الوصف من اوروبا وامريكا خصوصا في المجال العسكري والصناعي الا انهم اي العرب لم يتمكنو من احداث ولو ندبة ضئيلة في الجسم الأوروبي ولم يحصلو حتي علي درة من الأحترام او الأهميه من هده الدول .

    • زائر 4 | 10:07 ص

      من علامات اخر الزمان

      نعم يا اخي العزيز لان من كل حدب وصوب ينتشرون المعروف عت المغول والتتار او ذا القرنين

    • زائر 2 | 6:51 ص

      لسنا شعوب جادة

      لسنا شعوبا جادة. لسنا شعوبا متحدة

    • زائر 1 | 12:12 ص

      بروحك قلتها

      العرب يتونسون فى الغرف المضيئة ردا على سؤالك

اقرأ ايضاً