العدد 4276 - الخميس 22 مايو 2014م الموافق 23 رجب 1435هـ

مع عشاق الخط العربي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أريد أن أكتب اليوم بعيداً عن السياسة، وفي مجال أثيرٍ على النفس ويعشقه القلب... وهو الخط العربي الجميل، الذي احتضنت «الوسط» معرضاً خاصاً به مطلع هذا الأسبوع، شارك فيه 31 خطاطاً بين متمرس وناشئ.

الخط أحد إبداعات الحضارة الإسلامية الكبرى، وقد ارتبط صعوده مع القرآن الكريم، كتابةً في المصاحف، ولوحاتٍ بديعةً على جدران الجوامع والمساجد والحسينيات والتكايا... وحتى قصور الحكام. وبعدما كان مجرّد حروف كوفية بسيطة، خالياً من النقاط ورسوم التشكيل، تطوّر إلى هذا المستوى الرفيع الذي يسحر بجماليته العيون.

هذا الفن انتشر مع انتشار الإسلام جغرافياً، وتفاعلت معه الشعوب المسلمة فأعطته من روحها بصماتٍ خاصة، وأبدع المغاربة في خطهم الخاص، كما أبدع الإيرانيون في الخط الفارسي، والأتراك في الثلث، فيما خرج مسلمو القارة الهندية وما وراءها في ماليزيا واندونيسيا بخط مزيج. وبقيت هناك مدارس فنية كبرى في العراق والشام ومصر.

في جزائر البحرين، ترك أجيالٌ من الفنانين والنحّاتين بصماتهم الفنية في محاريب المساجد وشواهد القبور. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، كان لدينا كوكبةٌ كبيرةٌ من الخطاطين الروّاد، موزّعين على خارطة الوطن. وفي كراسته عن «رموز الخط العربي في البحرين» ضم الباحث أحمد سرحان 28 اسماً، بين مخضرمين وخطاطين كانوا يومها يخطون خطوتهم الأولى على هذا الطريق (الكراسة طباعة 2001).

الخط موهبةٌ، والمواهب يوزّعها الخالق على المناطق والأسر، ليخصّب بها الأرض فناً وجمالاً، والأسماء توحي لك بتعددية هذه الأرض وخصبها وثرائها: بهلول، المتوّج، المناعي، البحارنة، زباري، أميري، خمدن، الملا، العرب، بوسعد، الحلال، أكبر، عيد، حمادة... وربما تجد أكثر من خطّاط في الأسرة الواحدة، بسبب عامل الوراثة أو المحاكاة والتأثر والتأثير.

كعاشقٍ للخط، كان يقلقني ما يتعرّض له الخط العربي في البحرين من تحديات في العقدين الماضيين، بسبب دخول برامج الحاسوب، التي قد يختلف في تقييمها الخطاطون أنفسهم سلباً وإيجاباً. لكن كان من الواضح أن الخط كمهنةٍ قائمةٍ بذاتها، كانت تتعرّض لاجتياح، ويكفي أن نتذكر أن مانشيتات الصحف في السبعينيات وما قبلها كان يكتبها خطاطون، ولكنها تغيّرت في الألفية الجديدة إلى الخطوط «الالكترونية» الجامدة الخالية من الروح.

تنظيم مثل هذه الفعالية، بهذا العدد من الحضور، وأغلبهم من جيل الشاب، كان رسالةً مطمئنةً بأن الخط مايزال بخير، مادام هناك موهوبون يصرّون على صقل قدراتهم بالتدريب والتعلم وكثرة المران، كما فعل من سبقوهم من فنانين كبار. وقد توقّفت كثيراً أمام قصة أصغر المشاركات، وهي فتاةٌ لم تكمل الخامسة عشرة، وكيف دفعها أحد المحكّمين في مسابقةٍ أخرى، حين وصف خطها بالسيئ، إلى الإصرار على تعلّم الخط وإجادته، وقدّمت لوحة جميلة بالخط الديواني الجلي. أما أصغر المشاركين (14 سنة)، فقد قدّم لوحة جميلة شكلاً ومضموناً، «الأدب مالٌ واستعماله كمال»، بالخط الثلث، وهو أصعب الخطوط وسيدها. ومثل هذه النماذج ستشق طريقها نحو القمة مادام لديها ذلك العشق للفن الأصيل.

الروح السائدة في مثل هذه الملتقيات والتجارب الفنية الجديدة، كما حدث في تجربة «جمعية المرسم الحسيني» في العقد الأخير، هو حبّ التعلم والتعليم، ونقل التجارب للآخرين، خلافاً لما كانت تعانيه الساحة الفنية سابقاً من شللية وانغلاق.

بقيت كلمة أخيرة للفنانين والفنانات، الذين تكررت شكاواهم بعدم توفر الدعم: لا تنتظروا الدعم، فهو قد لا يأتي أبداً، في بلد يسقي البعيد ويعطش القريب. اعتمدوا على أنفسكم واصقلوا مواهبكم وأكملوا رحلتكم مع الخط... فهذا هو درب العاشقين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4276 - الخميس 22 مايو 2014م الموافق 23 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:07 ص

      معرض هادف جميل

      فعالية جميلة هادفة لاحياء هذا الفن العربي الاسلامي الاصيل.

    • زائر 6 | 5:42 ص

      شكرا للوسط وكتابها

      شكرا لكم على ما تبذلونه من جهود للتواصل مع المجتمع ودعم فعالياته الفنية والثقافية واخره معرض الكتب المستعملة.

    • زائر 5 | 4:42 ص

      14 سنة

      لقد قدمت يا شعبي أغلى التضحيات لتراب هذا الوطن وسمائه وأصدح بها مدوية مهما وطأتك أقدام ألأغراب ألغازية لنننننننننننن تستطيع أن تكون بديلا عن أقام أجدادنا وآبائهم

    • زائر 3 | 3:11 ص

      أحد الغائبين

      أحد الغائبين عن الفعالية هو الاستاذ الفاضل مهدي أبو ذيب رأيته بعيني في درس التربية الفنية و أنا في الإعدادية، لقد كانت أعماله الفنية في الخط العربي مبهرة. الله يفرج عنه

    • زائر 2 | 3:04 ص

      ما حك جلدك مثل ظفرك

      فعلا لا تنتظروا دعما من احد.اعتمدوا على انفسكم واصقلوا مواهبكم فالمثل يقول:ما حك جلدك مثل ظفرك

    • زائر 1 | 2:31 ص

      أحسنت سيدنا

      ونحن في الوقت الحالي لم نطلب الدعم ولا ننتظره لأننا على يقين بأن الدعم الرسمي سيكون سلبا اكثر من ايجابا.. فلهذا نحن مستمرون واامستقبل حديث اخر.

اقرأ ايضاً