أكتبُ لكم رسالتي هذه بنبضِ قلبي قبل أن يُسطرها قلمي.

إلى أحبتي الذين اختصهم الله برحمة منه، إلى المصابون بالحب في دمائِهم.إلى من يُطلق عليهم الطب بأنهم مصابون بفقر الدم المنجلي و يطلق عليهم أفراد المجتمع لقب -مرضى السكلر-.
هي رسالة خاصة جدًا لكم، ولا ضير في أن يقرأ هذه الرسالة أي شخص آخر قد يهمه الأمر.
أخوتي الأحبة، إن أكثر ما يؤلمني هو أن أرى الدموع قد استوطنت محاجركم العذبة، و أجد نفسي عاجزة عن مد يدي لأمسح دموعكم...
و الأقسى من ذلك أن يكون سببها هو ظلم بني البشر، و أشد منه قسوتنا على أنفسنا بالاستماع لما يقولون.
نعم أحبتي... نحن لا نملك حيلة في أن نأتي على هذه الدنيا و دماؤنا منجلية، ولكننا نملك الكثير لتخطيط حياتنا بإسلوب رائع بعيدًا عن الألم.
نملك الكثير مما يجعلنا أقوياء في وجه أقسى العقبات ، فلا تهز فينا شعرة واحدة.نملك الكثير لأن نكون الأكثر عطاءًا و الأكثر حبًا و الأكثر سعادةً.
أحبتي... أرى في داخل كلٍ منكم شخصية عظيمة، تكاد تختفي وراء الأنين، فلماذا نحرم أنفسنا من العيش بسعادة؟!
و لماذا نظلم أنفسنا بالاستماع إلى أحاديث تزيد من آلامنا ونعطي الأهمية لمن لا يستحق ؟!
أن تُخلق و أنت مصاب بخلايا منجلية ذلك ليس عيبًا، لكن العيب أن تجعل من هذه الإصابة وهذه الرحمة الإلهية مركز لإدارة أمور حياتك و أن تعتبر ذلك ضعف أو عيب خُلقي.
فما أعرفه جيدًا هو أن (السكلر)ليست مشكلة كبيرة، أو عيبًا يُنقص من مقامي أو يعيق تقدمي، بل هو تميزٌ في دمائنا خصنا به الله، فالله عز وجل مصدر الكمال المُطلق و هو خالق كل شيء في هذا الكون فهل ترون معي أنه من العدل اعتبار هذه الدماء المنجلية عيبًا أو نقصًا؟!
لا بد لنا يا أحبتي أن نعيَّ شيئًا مهمًا، و هو إن الخالق عز وجل و هو الكامل الذي جلت عن وصفه الأشياء لا يمكن أن يصدر منه القبح و النقص.
أليس هو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم؟! أليس هو الذي صورنا في أحسن صورة؟!ثم ماذا ؟!
ألا ترون معي بأن التذمر من المرض أو أي شيء لا تحبه أنفسنا هو في الواقع تذمر واعتراض على مدبر أمورنا؟!
و من نحن حتى نعترض على العادل في حكمه و الحكيم في تدبيره؟!
يحضرني في هذا المقام حديث قدسي يقول فيه عز وجل :"إن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ، ولو صححته لأفسده ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغِنى ، ولو أفقرته لأفسده ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ، وذلك أني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم "
إذًا فهذه الدماء المنجلية التي تسري في عروقنا ليست إلا صلاحًا لنا و لم و لن تكون عجزًا لأن العجز الحقيقي يكمن في من لا يوظف عقله ولا يعي ما حوله.
أتعلمون من هو العاجز يا أحبتي ؟!
العاجز :هو ذاك الجسد القابع وراء مكتبًا فخمًا يصدر القرارات و يستلذ بسماع صرخاتنا...
العاجز:هو ذاك الذي ارتدى رداءًا بلونٍ ملائكي و وضع يده على القرآن يُقسم بشرف المهنة ثم ينعتنا بالمدمنين.
العاجز :هو ذاك الشخص الذي يدعي الرقي و التطور و يحكم علينا بالموت، و كأن الموت حصرًا علينا.
العاجز :هو ذاك الغبي - وليعذرني القارئ على هذا الوصف- الذي قال للشاب الخاطب إن مريضة السكلر ستموت ليلة العرس!( يُقال إنه طبيب ) !
العاجز يا أحبتي هو ذاك الذي أعمى الله بصيرته فلا يرى إلا لحظات الألم في حياتنا، و تعمى عيونه عن رؤيتنا في باقي المواقف من حياتنا. فهو لا يرى السكلر المتفوق والسكلر الطبيب والسكلر الموظف المثالي و المعلم و المهندس والعالم و رجل الدين و المدير و غيرهم الذين لا يتسع المقام لذكرهم.
كثيرون هم من يعانون من عجز في موازنة الأمور وفهمها بالطريقة الصحيحة.أولئك هم العاجزون حقًا.و الأعجز منهم من يعير انتباهًا لكلماتهم السامة و تفكيرهم المتخلف و نظراتهم الناقصة.
من هنا يا أحبتي أدعوكم لأن تكونوا صُمًا بُكمًا عُميًا عن كل كلمة تحمل في مضامينها الألم و أن تعيشوا حياتكم بأمل و رضا و ثقة بالله.
يقول الإمام الصادق -عليه السلام- في حديثه للمفضل :"إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت، إن شكروا و أنابوا ، ما يستصغرون معه ما ينالهم منها، حتى إنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب". فمن يكون بمثلنا و قد اختصنا الله بهذه الرحمة الواسعة و شملنا بعناية خاصة و رصيد مفتوح من الثواب العظيم منذ أول خلقنا، فليس علينا الآن سوى الشكر و الامتنان للخالق عز و جل على هذه العناية الخاصة و المحافظة على هذا الرصيد من الثواب و زيادته بالتقرب من المُنعم.
فلكَ الحمدُ يارب على ما اختصصتنا به من رحمة واسعة.
و للمصابين بهذه الرحمة الإلهية كُل الحب. وللعاجزين كُل الدعاء بأن يشفي الله قلوبهم و يُنير بصائرهم.

إيمان سبت