العدد 4322 - الإثنين 07 يوليو 2014م الموافق 09 رمضان 1435هـ

فضل الله: أيها الناس... الإسلام عقل

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

نفتقد في الذكرى الرابعة لرحيل العلامة السيد محمد حسين فضل الله (ت 2010) والتي تصادف 4 يوليو/ تموز، رمزاً فكرياً وإنسانياً وفقيهاً ومجدداً سيعيش معنا طويلاً بما تركه من تأثير عميق في الواقع العربي والإسلامي لأكثر من خمسين عاماً، قضاها في رعاية الحالة الإسلامية مُنظّراً وموجهاً وفاعلاً. فالرجل كان يعرف ماذا وكيف يقول، وهي شروط لازمة تتضاعف قيمتها اليوم والمشهد العربي الكئيب يذهب بنا بعيداً إلى المجهول.

عاش «السيد» خمسة وسبعين عاماً مليئة بالمسئولية والإلتزام الإنساني والمحبة والفكر والشعر والفقه والهموم والمهام الكبرى. سافر كثيراً، وخطب كثيراً، وكتب الكثير، وعانى من سهام النقد والتسفيه، وقاسى من ضروب الاغتيال المعنوي من رفاق درب شاركوه قلق المسيرة ومسئوليتها. لم يتحمل البعض وجوده فسعوا للتخلص منه غير مرة، وكان أبشعها ذلك الانفجار الهائل في منطقة بئر العبد، حيث كان يقطن. الانفجار الذي اقتلع حياً بكامله في مشهد دموي مهول، عقب هذه التراجيديا البشعة قال بين أنصاره ومحبيه: «ليس المهم بطل الخط، فالبطل قد يموت، ولكن المهم خط البطل، فتمسكوا بالخط وإن مات البطل».

وُلد في النجف الأشرف في العام 1935، وتربى في حجر والده وأستاذه الأول السيّد عبد الرّؤوف فضل الله وأخذ عنه الموادّ الحوزويّة؛ من النّحو والبلاغة والمنطق، والأصول والفقه، وهو في سنِّ التاسعة، وذلك قبل أن ينخرط في دروس الكبار، كالسيّد أبي القاسم الخوئي (ت 1992)، والسيّد محسن الحكيم (ت 1970)، (وهو خال والدته)، والّذي كانت حركة مرجعيّته منفتحةً على الواقع الإسلاميّ العام، في الوقت الّذي كانت أغلب المرجعيّات تعيش في دائرة مغلقة خاصّة.

خاض في حياته أكثر من معترك وعراك، وكل معاركه معارك فكر وصراع رؤى، وهو القائل «أنا لا أحمل صخرة، بل أحمل رؤية، والرؤية لا تتدحرج، إنها تدخل إلى قلوب الناس». توغّل في المناطق الوعرة في الفكر الديني، وطرح الأسئلة بجرأة فيلسوف وقلب شاعر، وحفز على الاستفهام، وأطلق عبارته المعروفة «الحقيقة بنت الحوار»، وليس هناك سؤال تافه أو محرّم.

السيد فضل الله أحد أبرز فقهاء الفكر الإصلاحي المتأخرين، من الذين يمثلون الدرجة الأولى من المجددين بما تركوه من هزات ونظريات في عالم الفكر الاجتهادي والفقهي والكلامي، في إطار المدرسة الإمامية بين فقهاء كبار آخرين لا تتسع لذكرهم هذه المقالة، لكننا نشيد ونحيل إلى الدراسة اللطيفة التي وضعها الشيخ جعفر الشاخوري، وهو أحد تلامذة السيد فضل الله في كتابه «السيد فضل الله وحركية العقل الاجتهادي»، حيث يؤكد الشاخوري أن فضل الله اجترح منهجاً فقهياً واجتهادياً اتسم بالشمول والاتساع.

المرجعية الدينية التي صرّحت بملء فمها دون مواربة ولا مداهنة: «الفتنة السنية الشيعية حرام ثم حرام ثم حرام»، وكان دائماً على تواصل شبه يومي مع مرجعيات سنية في العالم العربي والإسلامي، وتمكّن من كسب الاحترام المسيحي بطرحه المتزن، وكان يتندر بين الحين والآخر بقصة من جاء إلى السيد محسن الأمين (ت 1951) كي يتحول من سنّي إلى شيعي، فقال له الأمين: «قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله»!

وعندما حاول السيد موسى الصدر (غُيّب في 1978) تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، نصحه السيد فضل الله بأن لبنان يحتاج مجلساً إسلامياً أعلى من دون أن يكون شيعياً أو سنياً، وكان السيد الصدر متجاوباً مع الفكرة ولكن الظروف الواقعية التي كان يمر بها لبنان وقتها لم تكن تسمح بميلاد مشروع كهذا، ولما وُوجه برفض الأطراف الأخرى اضطر الصدر أن يشق طريقه بمشروعه النهضوي لترتيب البيت الشيعي. «حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع» (ص 18)، وهو الذي يؤمن بأن الطوائف نعمة والطائفية نقمة.

يوماً ما، كان هو المرشد الروحي لحركة المقاومة الإسلامية في لبنان، وكانت خطاباته النارية تلهب مخيلة الحركات الإسلامية في العالم العربي وتمدها بالطاقة الروحية والفكرية اللازمة لاستدامة مشاريعها المتعثرة والمظلومة في بيئة معادية ومحيط مكبل بأغلال الاستبداد والقهر والتخلف. من هنا وُجد دائماً من يدعو إلى قتله، من الذين «لا يفرقون البتة بين عبقرية الرؤية والتفاعل العميق العميق، مع النص القرآني والهرطقة»!

كان المرجع الديني الذي وقف سداً منيعاً بوجه «الذين يحاولون تحويلنا إلى حطام أيديولوجي»، وضد «الذين يُتقنون تعذيب النصوص»، واشتغل على إحياء ثقافة الحوار واجتراح الأسئلة الصعبة، وكان يرى أن الانفتاح على الآخر هو شرط وجودي لمعرفة الذات، وفي ذلك سكب الكثير من الحبر في العديد من الكتب، وقال كلاماً طويلاً طويلاً من على أعواد المنابر انتصاراً للأسئلة الجريئة والطرح الفكري الرصين والشجاع، متحرّراً من وطأة العُرف السائد في أوساط المرجعية و»براني» الآيات العظام.

عمل الكثيرون من داخل «البيت» وخارجه على توجيه حملات تشويه لمواقفه وأحاديثه، وكان المستهدف فيها فضل الله الظاهرة والنهج والخطاب، حسداً وبغضاً وانزعاجاً وضيقاً، وكان يتلقى كل تلك الضربات بود منقطع النظير وقلب كنت تجد فيه كل الناس.

لقد اختصر السيد المسافات الطويلة والمعقدة حين أسس لفكر إسلامي ملتزم بالإنسان، وعبّد الطريق لفهم جوهر الحقيقة الدينية ولسان الحال يقول «أيها الناس... الإسلام عقل».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4322 - الإثنين 07 يوليو 2014م الموافق 09 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 11:37 ص

      يا حسرة

      بالنسبة لي فضل الله و د. احمد الوائلي كانو منقذي الشيعة. بعد وفاة للاثنان فقدت الامل

    • زائر 23 | 10:07 ص

      لاتحتاج المديح ياسيد

      السيد كان يحب الناس من يتفقون ومن لايتفقون معه. كان يؤمن بأن ماكان لله ينمو. فقيه له مبرات ومشاريع في كل مكان وعنده مجلس أمناء ويتواجد في كل ساحة... فسلام الله عليك ياتلميذ النجف وصديق الشهيد العملاق الصدر

    • زائر 22 | 7:55 ص

      باختصار ...

      بجملة واحدة " هو فقيه زمانه و زماننا "... !!! أبو إلياس الجتوبي

    • زائر 21 | 7:39 ص

      شكرا

      بغضهم للعلامه جاء لانه بين المذهب الشيعي باصوله لا بخرافاته من طبير و تباكي على احداث لا يمكن لاي بشر اي بجزم فيها او يقسم بالله انها حدثت و منها كسر الضلع، لانه شدد على استخدام العقل و توحيد الصف اكثر من التخندق ، لانه رفض طقوس هندوسيه هنديه تاتينا باسم اهل البيت بينما لم يمارسها اهل البيت بتاتا ، هي حقيقه لن يتقبلها الغالبيه التي عشعش التعصب و عقدة فئة الحق في عقولهم .. يكفي ان نرى مهازل عاشوراء في المنامه حتى نعرف كيف فقد المذهب الشيعي جوهره ليصبح شكليات و طقوس

    • زائر 20 | 7:17 ص

      ----

      رحمك الله يا سيد..... الفاتحة

    • زائر 19 | 6:24 ص

      الفاتحة لروحه العظيمة

      رغم اني لست من مقلديه ولكني انسجم معه فكراً وعقلاً عالماً خسرته أمة محمد.
      فسلام عليه في الخالدين وحشره مع من يحب ..

    • زائر 18 | 6:13 ص

      الجهل والخرافة

      يعيش الكثير من الناس الجهل والخرافة مهما قرأ وتعلم والوثنيون والهندوس أكبر مثال على ذلك رغم أن منهم أطباء وعلماء وووو إلا أنهم يعيشون الخرافة خوفاً من المجتمع وانكشاف حقيقة سفاهة دينهم يظلون على ضلالهم وهذا هو ما حاربه السيد فضل الله رحمه الله

    • زائر 16 | 5:28 ص

      الفتنة السنية الشيعية حرام

      الحق لا يحول ولا يزول ولا يتغير. السيد فضل الله وحركية العقل الاجتهادي، حيث أن فضل الله- قدس سره -اجترح منهجاً فقهياً واجتهادياً اتسم بالشمول والاتساع.

    • زائر 17 زائر 16 | 6:03 ص

      دور الجو الثقافي والهجرة

      يجب ان لا ننسى ما للهجرة والتنوع الثقافي للبيئة اللبنانية وكل معطياتها الاجتماعية والسياسية واثر ذلك في بلورة واخراج شخصية السيد فضل الله كعالم منفتح
      وشكرا للمقال الطيب

    • زائر 14 | 4:45 ص

      مدرسة النجف


      بلي عجيب رأيت أنه لا مدرسة مثل النجف فهي تعلم من يكتب ومن يتكلم ومايكتب ومايتكلم

    • زائر 13 | 4:43 ص

      الحقيقة

      الحقيقة ان السيد فضل الله سأل و بحث عن إجابات أسئلة تدور في خلد النفس لمن تعمق في المذهب الشيعي
      و الانسان بطبيعته يرفض التغيير و يقاومه لذا حورب السيد لمجرد أنه اختلف عن الطريق دون أن يتعب محاربيه أنفسهم في مناقشة فكره
      انها النفس البشرية كما حوربت كل الديانات عند ظهورها يحارب التغيير و التجديد

    • زائر 9 | 3:13 ص

      قاعدة

      اكتب... انفتاح، تعصب، تطرف، اعتدال، وسطية، تخندق، تقوقع، بوتقة، عنق الزجاجة، زئبقية....خالف المشهور والشهرة، حاول انكار بعض المسلمات؛ ستكون مجدد العصر، ومفكر الدهر حتى وإن كنت لا تملك شيئًا من العلم.

    • زائر 15 زائر 9 | 4:51 ص

      شكرا

      شكرا لك .. احترم رأيك الذي يدل على نباهة ووعي

    • زائر 8 | 2:57 ص

      حقيقة مثقفيكم

      حقيقة من يسمون مثقفين. المثقف العربي عمومًا والخليجي على وجه الخصوص هي البدلة وربطة العنق أو الغترة التي ملؤها -النشة- والعقال والشهادة التي لا تدل إلا على فراغ عقل صاحبها وأميته الجامعية. وسعي نحو المال والسيارة والأثاث. ولا ننسى الكتب الديكور التي تزين البيت...

    • زائر 7 | 2:46 ص

      أصدقني القول

      هل قرأت تفصيلا كتب فضل الله؟ ، وهل قرأت كتب وأفكار من رد على فضل الله؟، تفصيلا. مع شديد الأسف أغلب من وقف في صف فضل الله لم يرهقوا أنفسهم بقراءة كتبه وأفكاره فضلا عن ما كتبه الرادون عليه. لم يختلف فضل الله عن سيد قطب وأهل العامة إلا بعمامته السوداء وقباه وعبائته.. فاعكف على قراءة الفكرين وبعد ذلك تكلم واحكم

    • زائر 6 | 2:36 ص

      أيها الناس... الإسلام عقل

      رحمك الله يا سيد يا عملاق الفكر والتنوير وصاحب المبرات الخيرية فعلا سيبقى دربك وخطك سالك وان رحلت ايها البطل .. وشكرا لك وسام

    • زائر 5 | 2:24 ص

      ثلاثة من العلماء من لبنان

      السيد موسى الصدر - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - السيد محمد حسين فضل الله - أثروا في الحياة وأثروها وأفنوا أعمارهم من أجل خصوبتها

    • زائر 11 زائر 5 | 4:00 ص

      عاشت أناملك


      فعلاً النزعة العقلية عند سماحته(ره) والتي استطاع من خلالها أن يقدِّم فكره وفتاويه وآرائه بما ينسجم مع العقل، و كما استطاع أن يُشذِّب النّصوص الدينية المشبوهة التي أُلصقت بالدِّين وأخذت سمة المقدَّس، ليفرض (ره) بذلك صورة الإسلام المحترم والمعاصر النقيض للصّورة المتحجّرة التي قدَّمها ويُقدِّمها البعض والتي تسبّبت بعظيم الأذى لهذا الدين السمح مقالك أبو علاء مدعمًا بالأدلة التاريخية لتثبت حق المرجع و كما ذكرت لو اتسع المجال لك لوفيت أكثر و لا يخفى عليك ،،، موفق دوم ،،

    • زائر 4 | 1:42 ص

      عايشه بنت حسين

      بالنسبة لي افضل مرجع ديني شيعي
      قريت عنه كتب و كان اكثر واحد معتدل من بين الباقي بين المذاهب

    • زائر 10 زائر 4 | 3:14 ص

      أحسنت أستاذ السبع


      فعلاً النزعة العقلية عند سماحته(ره) والتي استطاع من خلالها أن يقدِّم فكره وفتاويه وآرائه بما ينسجم مع العقل، و كما استطاع أن يُشذِّب النّصوص الدينية من الخرافات والأساطير التي أُلصقت بالدِّين وأخذت سمة المقدَّس، ليفرض (ره) بذلك صورة الإسلام المحترم والمعاصر النقيض للصّورة المتحجّرة التي قدَّمها ويُقدِّمها البعض والتي تسبّبت بعظيم الأذى لهذا الدين السمح ،،مقالك أبو علاء مدعمًا بالأدلة التاريخية لتثبت حق المرجع و كما ذكرت لو اتسع المجال لك لوفيت أكثر و لا يخفى عليك ،،، موفق دوم ،،

    • زائر 3 | 1:00 ص

      وسام المحبه وسام الفكر النزيه الصافي

      اشكرك حبيبي وسام السبع على هذا الطرح المميز والذي يكشف في جوانبه عدت أمور اهمها أن يعي الجاهل حقيقة الجهل فلا يتصرف في مقابل الرأي العلمي وكلأنه عالم

    • زائر 2 | 12:47 ص

      نظرة

      "وكان المستهدف فيها فضل الله الظاهرة والنهج والخطاب، حسداً وبغضاً وانزعاجاً" كم من السهل عندك اتهام المراجع بالحسد و البغض دون ذكر ما دافعوا من اجله فهو لم يكن يعطي رأيه في الامور الحياتية و الاجتماعية.

    • زائر 12 زائر 2 | 4:19 ص

      أعد قراءة المقال

      اعد قراءة المقال ياصديقي..

    • زائر 1 | 10:37 م

      قدس سره

      وأي فقيه أنت يا فضل الله
      رحم الله من يقرأ الفاتحة لروحه الطاهرة

اقرأ ايضاً