العدد 4333 - الجمعة 18 يوليو 2014م الموافق 20 رمضان 1435هـ

بين «السويفية» و«الجابور»: ساحل أوال المفقود

عيسى الوطني
عيسى الوطني

منذ قرابة 1500 سنةٍ، ذكر ساحل جزيرة أوال باسم «سيف أوال» من قبل عدد من شعراء ما قبل الإسلام. والمرجح أن هذا الساحل هو الساحل الشمالي لكبرى جزر البحرين، وبالتحديد ذلك الجزء من الساحل الممتد بين المنامة وقرية القلعة. هذا الساحل كان، بلا شكٍ، أحد أهم سواحل البحرين، وقد تغيرت صوره عبر التاريخ؛ حيث تحول خلاله من ساحلٍ تكثر فيه مصائد الأسماك وتحفه الأراضي الزراعية، إلى ساحلٍ خالٍ من الأسماك وتحف به العمارات؛ وبذلك فقد أهميته بالنسبة للناس. وقد عرف هذا الساحل، قبل أكثر من 900 سنة، باسم «ساحل مني ومروزان».

قبل أكثر من 900 عام لم يكن يوجد على ساحل مني ومروزان أيّ قرىً، بل كان مليءٌ بالأراضي الزراعية، وكانت تكثر فيه مصائد الأسماك، أما على طرفه الغربي فقد بنيت مدينةٌ مسورةٌ وسوقٌ مركزيةٌ وهي مدينةٌ أقدم من مدينة المنامة التي بنيت لاحقاً على طرفه الشرقي وكانت مسورةً أيضاً. وعلى الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية لهذا الساحل تمتد المدينة القديمة وقصور الأمراء. وقد سبق أن ذكرنا أهمية هذا الساحل عند أمراء الدولة العيونية في حلقةٍ سابقةٍ، وذكرنا أيضاً أن هناك اسمين ذكرا على هذا الساحل هما «مني» و»مروزان».

لقد بقيت هذه الصورة لهذا الساحل زمناً طويلاً دون أن تتغير، وحتى قبل مائة عامٍ من الآن لم يتغير الشيء الكثير من هذا الساحل سوى إضافة عددٍ من المصايف وقرى في بداية تطورها. وتعرف المصايف في البحرين باسم المضاعن ومفردها مضعن وهو مصطلحٌ محليٌ يدل على مكان إقامة القرى المؤقتة، وهذه القرى تقام في فترة الصيف، وفي الغالب كانت تسكن فترة صرام النخيل، أي جني ثمار النخيل، أي في فترة الصيف، فعرفت حينها باسم المقايض نسبة إلى القيض أي الصيف، واللفظة عربيةٌ فصيحةٌ، جاءت في لسان العرب مادة «قيظ»:

«القَيْظُ: صَمِيمُ الصيْف ... وقِظْنا بمكان كذا وكذا وقاظوا بموضع كذا، وقيَّظُوا واقتاظوا: أَقاموا زمن قيظهم».

وفي الغالب كانت تبنى البيوت في المضاعن من جريد النخل وسعفه، إلا أن بعض الأثرياء قد تبني لها بيوتاً من الطين تتخذها كمنازل صيفيةٍ لها، وبالخصوص إذا كانت المنطقة ساحليةً. وبهذه الصورة يبدأ تحول بعض المقايض إلى قرى.

وقد أصبح «ساحل مني ومروزان» يقع بين مصيفين هما السويفية في الشرق والجابور في الغرب، وتم تقسيم الساحل لعددٍ من المصايف والقرى الصغيرة. وهي قرى عمل أهلها في الزراعة والمهن البحرية. ومن أسماء القرى والمصايف التي وصلتنا والتي تطل على هذا الساحل هي (مرتبةً من الشرق إلى الغرب): السويفية، الجبلة، مني، السنابس، مروزان، أبو زيلة، الفلاة، البدعة، كرباباد، الجابور. وقد سبق أن تناولنا التغيرات التي حدثت للجبلة ومني ومروزان والسنابس، وسوف نتناول هنا التغيرات التي حدثت لبقيت المناطق.

«السويفية»

من المضعن إلى المدينة

السويفية، وربما اشتق اسمها من السويف مصغر السِيف وهو ساحل البحر، وهي منطقةٌ صغيرةٌ كانت تقع ما بين منطقة النعيم والجبلة، وبالتحديد فحدودها حسب الخارطة الحديثة للبحرين، يحدها من الشرق شارع السويفية ومن الجنوب شارع البديع ومن الغرب يقع حدودها بعد شارع الملك فيصل وبالتحديد بعد مسجد أبوعشيرة (الشطيب حالياً)، ومن الشمال كان يحدها ساحل البحر الذي دفن. أما حدود هذا الساحل فيمكن تحديده بصورةٍ تقريبيةٍ، ففي الحدود الشمالية الشرقية للسويفية القديمة يوجد مسجد الشيخ سالم أبو عراق الملاصق لمنزل يوسف محمود والذي يعتبر أقدم قصر يطل على ساحل هذه المنطقة، أما في الحدود الشمالية الغربية فيوجد مسجد أبوعشيرة الذي غير اسمه لمسجد الشطيب.

كلا الحدود الغربية والشرقية كانت معالم تاريخيةً توثق حدود هذه المنطقة، فمسجد أبوعشيرة ينسب للشيخ شرف الدين يحيى بن عز الدين حسين بن عشيرة (من علماء القرن العاشر الهجري)، والذي يقال أنه عاش آخر أيامه في هذه المنطقة وتوفي ودفن فيها، ويعرف هذا المسجد حالياً باسم مسجد الشطيب. أما المعلم الثاني الذي يوجد على الحدود الشمالية الشرقية فهو بيت يوسف محمود، وهذا البيت المرجح أنه كان قصراً بني في نهاية القرن التاسع عشر، وقد ذكره التاجر في كتابه «عقد اللآل» عند ذكر السويفية التي ذكرها باسم «الصويفية»، جاء في كتابه:

«وغربيها (أي غرب النعيم) الصويفية وكانت سابقاً مصيف لبعض عائلة الحكومة ومتعلقيهم، وعلى الساحل الشمالي منها قصرٌ بناه الشيخ عيسى بن علي لسبطه أحمد بن الشيخ على بن أحمد» (التاجر 1994، ص 34).

يلاحظ أن السويفية لم تذكر على أنها قريةٌ بل مصيفٌ، إلا أنه في بعض الروايات الشفهية تذكر أنها قريةٌ هجرت وتحولت إلى مصيفٍ لأفرادٍ من العائلة الحاكمة، ومن ثم هجرت، وتحولت من جديد إلى ساحلٍ رمليٍ جميلٍ تحيط به المزارع، وبقي كذلك حتى دفن. أما منطقة السويفية الآن فقد توسعت وأصبحت بمثابة مدينة، وأصبحت حدودها تشمل حدود السويفية القديمة، بالإضافة إلى جزءٍ كبيرٍ من الساحل الذي دفن في قبال قرية الجبلة (البرهامة حالياً). فأصبحت حدودها الحالية، من الشمال شارع الشيخ خليفة بن سلمان ومن الغرب السنابس ومن الجنوب البرهامة ومن الشرق النعيم.

«أبو زيلة والفلاة» ونشأة الديه

لم تذكر قرية الديه إلا في بدايات القرن العشرين، وكان موقعها في السابق عبارةً عن مصايف، وبالتحديد الفلاة وأبو زيلة؛ حيث يحدد الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» من مسميات الديه: أبو زيلة والفلاة (الناصري 1990، ص 157). غير أن بعض الروايات الشفهية تضيف جزءًا من منطقة البدعة للديه أيضاً. ولا يمكن تحديد حدود هذه القرية القديمة على وجه الدقة. أما الأسماء الثلاثة للمصايف فقد وثق ذكرها قبل الاسم الحالي وهو الديه، فقد سبق أن ذكرنا أن «Lorimer» ذكر في دليله منطقة الفلاة التي يسكنها البحارنة الذين يعملون بصيد اللؤلؤ وزراعة النخيل، وهي الضاحية الشرقية لمنطقة السنابس وتقع بين الساحل وحدائق النخيل في السنابس (Lorimer 1908, V.2, p. 219). وذكر «Lorimer» أيضاً البدعة، التي تقع بين الفلاة وكرباباد وهي من المصايف القديمة المشهورة (Lorimer 1908, V.2, p. 218). أما الاسم «أبو زيلة» أو «بو زيلة» فقد ذكره النبهاني (توفي العام 1950م) في كتابه «التحفة النبهانية»، وجاء فيه:

«وشمال جدحفص قصر على الساحل في موضع يسمى (بوزيلة) أمر ببنائه سمو الشيخ عبدالله ابن الشيخ عيسى آل خليفة» (النبهاني 1986، ص 50).

والزيلة لفظةٌ محليةٌ تشير لنوعٍ من الدلاء يصنع من الصفيح، كان يستخدم في أعمال الري ونحوها، وقيل أن المنطقة سميت بذلك نسبة لبئرٍ عميقةٍ تعرف بهذا الاسم.

«مني ومروزان» وقصور الأمراء

منذ مئات السنين وقصور الأمراء وأراضيهم المفضلة تحيط بساحل مني ومروزان، أما آثار هذه القصور فحالها كحال ساحل هذه المنطقة وأراضيها الزراعية، لم يبقَ منها إلا الذكرى، وآثارٌ بسيطةٌ تكاد أن تطمس. فعلى مقربةٍ من هذا الساحل يمكننا العثور على آثار مدينةٍ مسورةٍ وسوقٍ مركزيةٍ مسورةٍ، وآثار حصنٍ وقصرٍ. وللحديث بقية.

العدد 4333 - الجمعة 18 يوليو 2014م الموافق 20 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:09 ص

      ههههههه

      ماشاء الله قرانا ال1اربة غي عمق التاريخ ياتي شخص بكل سهولة ليقول هي مجرد مصايف على رغم كل الادلة و البارهين و الزثائق على قدمها لا الوم الكاتب فقد تعودنا عليه و على كتاباته فهو لا يقدر ان يتجه للتاريخ لذا اوجه له كلمة ان لا تاعدى ابحاثه التراث و التقاليد لا اكثر

اقرأ ايضاً