العدد 4338 - الأربعاء 23 يوليو 2014م الموافق 25 رمضان 1435هـ

«الدستورية»: للمشرِّع بيان طريقة تشكيل الإدارات البلدية

المنطقة الدبلوماسية - علي طريف 

23 يوليو 2014

قررت المحكمة الدستورية يوم الأربعاء (9 يوليو/ تموز 2014) أن المادة (5) مكرراً من قانون البلديات المضافة بمقتضى المادة الثانية من مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات، الصادر بالمرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001، مطابقة للدستور، فيماعدا عبارة «لا يُعفى أمين العاصمة أو نائبه أو أي من أعضاء مجلس الأمانة من منصبه إلا بمرسوم» الواردة بالبند (2) منها، وذلك على النحو المبين في الأسباب، ما يعني إلغاء مجلس بلدي العاصمة واستبداله بأمانة عامة معينة.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن المادة (50) من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 نصت في البند (أ) منها على أن «ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، وبما يكفل لهيئات الإدارة البلدية إدارة المرافق ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاقها والرقابة عليها»، وحيث إن إعمال مقتضى القاعدة الدستورية على النصوص التشريعية يقتضي استظهار إرادة المشرع الدستوري، كشفاً لهذه الإرادة التي صاغ على ضوئها نصوص الدستور؛ لتحديد مضمونها واستيضاح ما أُبهم من ألفاظها واستقصاء إرادة المشرّع تحرياً لمقاصده ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأعمال التحضيرية للدستور تشكل إطاراً خلفيّاً لنصوصه تتحرّها جهة الرقابة على الدستورية وتستلهمها في أحكامها، وكانت المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002 لم تورد في ثناياها تفسيراً للمادة 50 من الدستور، من حيث أداة تشكيل هيئات الإدارة البلدية بالانتخاب أم بغيره، وإذ إن صدور البند (أ) من هذه المادة قد جرى بالصيغة ذاتها الواردة في المادة 87 من دستور دولة البحرين لسنة 1973، فإنه يغدو مُتعيّناً للإحاطة بمقاصد المشرّع الدستوري بهذا الشان استقصاء أصل المادة (50/أ) من الدستور الحالي واستجلاء مناطها على هدي الأعمال التحضيرية الممهدة لنظيرتها في دستور 1973 بحسبان أن ذلك مما يُعين على استخلاص مقاصد المشرّع الدستوري التي يُفترض أن المادة 50 عبرت عنها.

وأوضحت المحكمة الدستورية أنه «بالاطلاع على مضبطة الجلسة الثانية والثلاثين للمجلس التأسيسي ( السبت 14 ابريل/ نيسان 1973 والمنشورة في الجريدة الرسمية لدولة البحرين، ملحق العدد 1024، بتاريخ الثلثاء 18 جمادى الأولى 1393 هـ، الموافق 19 يونيو/ حزيران 1973م، السنة السادسة والعشرون، ص 26) فإنه يُستشف من وقائع الجلسة آنفة الذكر أن أعضاء المجلس الوطني التأسيسي أثاروا في مداولاتهم مسألة تشكيل الهيئات البلدية ما إذا كان الانتخاب هو السبيل إلى ذلك أم أن البلدية تُعيّن من قبل الدولة. وقد خلص الأعضاء الى استيفاء الاستيضاح الى مناطٍ للمادة قوامه أن (الجواب في المادة ينظّم القانون)، على النحو الوارد في متن المضبطة بما مُوداها أن الدستور عهد الى المشرّع بيان طريقة تشكيل هيئات الإدارة البلدية في إطار ما يستقل بتقديره من اعتبارات سائغة.

وبينت أن الدستور لم يُميّز من حيث أداة التشكيل بين هيئات اللامركزية الإقليمية وهيئات اللامركزية المرفقية، إذ جعل من هيئات الإدارة البلدية صنوا للمؤسسات العامة بهذا الشأن قارِناً بينهما في متن المادة 50 منه، مُحيلاً بشان تنظيمها إلى القانون. ولم يغلّ الدستور من ثمّ يد المشرّع عن المفاضلة بين البدائل في شان أداة تشكيلها، إذ لم يوجب في ذلك كلّه أن يكون الانتخاب قوامه حصراً، والتمثيل الشّعبي أساسهها حُكماً. مقتفياً المسلك ذاته الذي اعتمده دستور سنة 1973، وهي شِرعةٌ مُؤداها أن هيئات الإدارة البلدية تتمحّض شكلاً من أشكال اللامركزية الإدارية، شأنها في ذلك - من حيث كونها هيئات إدارة بصريح عبارة الدستور - شأن المؤسسات العامة . يُظاهر ذلك كلّه ويُسانده إيراد الدستور للمادة 50 منه آنفة البيان ضمن أحكام الفصل الثاني منه الموسوم بـ (السلطة التنفيذية . مجلس الوزراء - الوزراء).

وأفادت المحكمة أن الدستور عهد الى المشرّع تحديد أداة تشكيل هيئات الإدارة البلدية في سياق ما يستقل بتقديره من اعتبارات تستهدف المصلحة العامة، فإن قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على أن جوهر السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم الحقوق يتمثل في المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدره أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم.

وأضافت المحكمة الدستورية «وحيث إن مناط المادة المعروضة إفراد العاصمة بتنظيم بلدي قوامه إنشاء أمانة للعاصمة يُعيّن أعضاؤها بمرسوم ملكي، حال أنّ باقي المجالس البلدية بمملكة البحرين تتشكّل بمقتضى الانتخاب العام المباشر على النحو المنصوص عليه في قانون البلديات سالف البيان، فإن المشرع لئن كان قد عدَل بذلك عن اتجاه ساد عملية التشريع في البحرين، كان الانتخاب سبيلاً لتشكيل المجالس البلدية، فإنّ قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على أن عدول المشرّع عن نهج تشريعي مُتواتر لا يستقيم في ذاته مَوطئاً لعوار. بحسبان أن مَناط تقدير دستورية النص التشريعي هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور، لا في مجرّد اطّراده شرعةً ومنهاجاً.

وذكرت انه لئن أفرد النصّ محل النظر الماثل بلدية العاصمة دون غيرها من البلديات بتنظيم خاص فإن القضاء الدستوري المقارن قد استقر على أن عموم القاعدة لا يعني انصرافها الى جميع الموجودين على إقليم الدولة، او انبساطها على كل ما يصدر عنهم من اعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوّماتُها بإنتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مُجرّدة من الاعتداد بشخص معيّن أو بواقعة معيّنة تحديدا. وهو ما لم يتنكّب النص المحال جادّته.

وحيث إن النص المعروض يتمخض بالشروط التي حدّد بها نطاق ومجال تطبيقه، عن قاعدة عامة مجرّدة لتعلقه بتنظيم وقائع غير محددة بذواتها او إاسحابه إلى أشخاص بأوصافها. وكان مبدأ مساواة المواطنين امام القانون لا يقوم – على ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية – على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 4 و 18 من الدستور، فالتمييز المنهي عنه بموجبهما هو الذي يكون تحكّميّاً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبّياً لها، وتعكس هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها.

وحيث إن مشروع المادة 5 مكرراً من قانون البلديات المضافة بمقتضى المادة الثانية من مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001 ، فيما اقتضاه من إفراد العاصمة بتنظيم بلدي اختصّه به، مبناه قاعدةٌ عامة مجردة تستند الى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها، المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان تمييزه العاصمة بتنظيم خاص عائداً الى مصلحة عامة بحسبان العاصمة واجهة المملكة وتضم الأغلب الأعم من وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية، علاوة على أن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير قاصرة على القاطنين فيها، بل تنداح لتشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين أيّا كانت المناطق التي يقيمون بها في إقليم المملكة وما يستلزمه ذلك من تدابير وتراتيب استثنائية فإن مؤدى ذلك كله أن القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم الخاص لأمانة العاصمة تغدو مرتبطة بأغراضها النهائية ارتباطاً غير منتحَل، مؤدية إليها، مفضية لها، غير مخالفة من ثمّ للدستور.

وكان صدر عن عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أمر ملكي رقم 36 جاء فيه: «يُحال مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001 المرفق بهذا الأمر إلى المحكمة الدستورية لتقرير مدى مطابقة المادة رقم 5 مكرراً منه للدستور»، وهو التعديل الذي يقضي بإلغاء مجلس بلدي العاصمة والاستعاضة عنه بأمانة عامّة معيّنة.

العدد 4338 - الأربعاء 23 يوليو 2014م الموافق 25 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً