العدد 4338 - الأربعاء 23 يوليو 2014م الموافق 25 رمضان 1435هـ

الفساد: الخطر غير المُدرَك على الأمن الدولي

الوسط – المحرر السياسي 

تحديث: 12 مايو 2017

للفساد المنظّم تأثير غير معترف به على الأمن الدولي. ففي كثير من الأحيان، لايولي صنّاع القرار والشركات الخاصة الفساد اهتماماً كافياً عند اتّخاذ قرار بشأن السياسات الخارجية والدفاعية التي يجب اتّباعها، أو المكان الذي ينبغي الاستثمار فيه. ومن شأن الحصول على فهم أكبر لطبيعة الفساد الحادّ وتأثيره على الأمن العالمي أن يساهم في إجراء تقييم أفضل للتكاليف والمنافع، وبالتالي يؤدّي إلى تحسين السياسات والممارسات.

وبحسب تقرير لمركز كارنيغي – الشرق الأوسط، فإنه ينبغي ألا يفهم الفساد الحادّ باعتباره فشلاً أو تشويهاً للحكم، بل نظاماً فاعلاً تستخدم فيه الشبكات الحاكمة أدوات قوة مختارة للاستيلاء على مصادر دخل محددة. ويلقي هذا الجهد في كثير من الأحيان بظلاله على الأنشطة المرتبطة بإدارة الدولة.

•يثير هذا الفساد المنظّم سخط السكان، ما يجعله عاملاً مؤثّراً في إثارة الاضطرابات الاجتماعية والتمرّد.
•يساهم الفساد في مخاطر أخرى على الأمن الدولي، مثل العلاقات التعاضدية بين الدول وشبكات الجريمة المنظّمة العابرة للحدود القومية، والتسهيلات التي تقدّم إلى المنظمات الإرهابية، ونظم الأمن الدولية القابلة للاختراق، والاضطرابات الاقتصادية الحادّة.
•الفساد لايؤجّج هذه التهديدات فقط، بل يتواكب مع عوامل خطر أخرى، مثل الخلافات العرقية أو الدينية أو اللغوية لدى قطاع معيّن من السكان أو التفاوت الاقتصادي الحادّ، لزيادة احتمال حدوث تحدّيات أمنية.
•عادة ما يغلّب صنّاع القرار في الغرب الاعتبارات الأخرى، مثل الضرورات الأمنية المباشرة أو القيمة الاقتصادية أو الاستراتيجية، للحفاظ على العلاقات مع حكومة معينة، أو مواصلة تحصيل الاستثمار، ويقدّمونها على المخاوف من الفساد. ونتيجة لذلك، فإن المؤسسات والأفراد في الغرب غالباً ما تمكّن الحكومات الفاسدة، ما يؤدّي إلى تفاقم التهديدات الأمنية وتكبّد مخاطر جديّة على السمعة في بعض الأحيان.

توصيات لصنّاع القرار في القطاعين العام والخاص
حلّلوا بدقة الدول الفاسدة بصورة شاملة. اجمعوا المعلومات عن بنية الشبكات الحاكمة وأدوات القوة ومصادر الدخل التي تستولي عليها، وعوامل الخطر الأخرى التي قد يتفاعل معها الفساد الحادّ.

استخدموا التحليل للتعريف بالخيارات المتاحة للتعامل مع الأنظمة الفاسدة بشدّة. يجب على صنّاع القرار ورجال الأعمال إجراء تحليل دقيق للتكاليف والفوائد قبل اتخاذ قرار الاستثمار في دولة يستشري فيها الفساد. وفي حال كان الانخراط أمراً لا مفرّ منه أو يحقّق أولوية سياسية منفصلة، فإن تعديل إجراءات التشغيل الموحدة يقلل احتمال حدوث أزمات، ويساعد على تجنّب تحمّل التكاليف المرتبطة بالتدخّلات التي قد تكون مطلوبة بخلاف ذلك.
ابتكروا أساليب خلّاقة لتفادي تمكين الفساد الشامل. ينبغي على صنّاع القرار الاستفادة من مجموعة واسعة من الأدوات والنفوذ المتاح عند تعاملهم مع الدول الفاسدة (انظر الملحق في الورقة الكاملة). وتبعاً للظروف، ستكون هناك حاجة لإجراء تغييرات في الممارسة الدبلوماسية، والمساعدات العسكرية، وجهود التنمية، والمعونات المقدمة إلى المجتمع المدني، وشروط العضوية في النظم متعدّدة الأطراف، والاستثمار في الأعمال التجارية، والقواعد الناظمة لتدفّقات رؤوس الأموال الدولية.

الفساد والفهم المخطئ لتأثيراته
تحوّلت أحدث حلقة في سلسلة الانتفاضات الشعبية التي أسقطت الحكومات من تونس إلى قيرغيزستان إلى أزمة في العام 2014 عندما تخلّص الأوكرانيون من حكم الرئيس آنذاك فيكتور يانوكوفيتش وردّت موسكو بغزو شبه جزيرة القرم.
في الوقت نفسه، توافد الجهاديون من قارّات عدّة إلى سورية، حيث قتل مايقدر بـ150 ألف شخص بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية وفرّ الملايين من منازلهم. وفي أفغانستان، أوقع مقاتلو طالبان خسائر قياسية بقوات الأمن المحلّية، في حين ستغادر قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بلداً لايزال يعاني من عدم الاستقرار. وفي نيجيريا، شنّ متشدّدون من جماعة "بوكو حرام" المتطرّفة سلسلة من الهجمات على أطفال المدارس والقرويين، في حين تم طرد محافظ البنك المركزي في البلاد بسبب تحقيقه في اختفاء نحو 20 مليار دولار من عائدات النفط.
فهل ثمّة خيط يربط هذه الأحداث المتباعدة والتي تحتلّ مركزاً متقدماً على قائمة أولويات الغرب الأمنية؟
يشكّل الفساد الحكومي الحادّ والمنظّم عاملاً في كل هذه الأحداث. مع ذلك، وعلى الرغم من الترابط الملحوظ بينها، غالباً مايتمّ تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الظاهرة في مفاقمة انعدام الأمن الدولي.
يعتبر الفساد في العادة خللاً وانحرافاً، أو اهتراءً في حواشي نظام ما، أو علامة على فشل النظام في أسوأ الأحوال. وبالتالي، تكلّف وكالات المعونة والجهات الفاعلة المحلية في المجتمع المدني بمهمة وضع الحلول، حيث تهدف جهودها المضنية إلى تحقيق نجاحات صغيرة وملموسة. تركّز هذه التدخّلات على معالجة أوجه القصور التقنية أو بناء القدرات.
يعتبر الفساد، في طائفة من البلدان في أنحاء العالم كافة، هو النظام بحد ذاته. فقد تم تغيير أغراض الحكومات لخدمة هدف ليس له علاقة تذكر بالإدارة العامة: الثراء الشخصي للشبكات الحاكمة. وهي تحقّق هذا الهدف بشكل فعّال تماماً. وقد يكون عجز القدرات وأوجه القصور الأخرى جزءاً من الطريقة التي يعمل بها النظام، بدل أن تكون مؤشّراً على انهياره.
توحي هذه الديناميكية الهيكلية، إضافة إلى الارتباط القوي بين الفساد الحادّ وبين انتهاكات الأمن الدولي، بأن الفساد قد يكون مشكلة تنطوي على مخاطر أعلى مما كان يُعتقد في العادة. ولذا يبدو أن صنّاع السياسة الخارجية والدفاعية، إضافة إلى الشركات متعدّدة الجنسيات، في حاجة إلى إدخال الاهتمام بالفساد في صلب عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بهم.
لكن الحكومات الغربية والجهات الفاعلة التجارية الرئيسة، ليست مهيأة في الوقت الراهن للاستجابة بهذه الطريقة الشمولية. فالمعلومات الخاصة بتنظيم وممارسات الشبكات الكليبتوقراطية1 وهيكلها الوظيفي في البلدان الرئيسة لايتم جمعها بصورة منتظمة. كما أن الفساد ليس على أجندة التبادلات والتفاهمات الثنائية رفيعة المستوى. ونادراً مايكون الخبراء والإدارات المتخصّصة التي تعمل على هذه القضية حاضرة عند اتّخاذ القرارات الحاسمة. فهم لايحصلون على الموارد الكافية حتى لتنفيذ المهام الهامشية نسبياً التي تم تكليفهم بها. كما أن قلّة العلاقات أو نماذج التعاون تحول دون إيجاد وسائل بارعة أو مبتكرة لتعزيز أولويات مكافحة الفساد وبالتالي يسود نهج كل شيء أو لاشيء.
إن توفير فهم أفضل للفساد الحادّ والمنظّم كنظام فعّال، وكيف يتفاعل مع عوامل الخطر الأخرى لمفاقمة التهديدات التي يتعرّض إليها الأمن الدولي، يمكن أن يدخل تحسينات على عملية اتّخاذ القرارات في القطاعين العام والخاص من خلال طرق عديدة. فمن شأن ذلك أن:
•يحسّن عملية تحليل المخاطر، وتحديد البلدان الضعيفة التي تعاني من التدهور مثل تونس أو مصر قبل اندلاع ثورتيهما في العام 2011، حيث أدّى الحكم الكليبتوقراطي (حكم اللصوص)، جنباً إلى جنب مع عوامل الخطر الأخرى، إلى جعل الاضطرابات أمراً مرجّحاً، على الرغم من الاستقرار الظاهر. وقد يساعد على تحديد ما إذا كانت البلدان الأخرى، بما فيها الجزائر وأنغولا وبلغاريا وإثيوبيا وتركيا وأوزبكستان، تندرج تحت هذه الفئة اليوم.
•يساهم في عملية حساب أكثر دقّة للمقايضات الحقيقية عندما يكون هناك تنافس بين أولويات السياسة الخارجية.
•يرسم صورة أكثر تفصيلاً لما ستؤول إليه التدخلات المختلفة، بما فيها التفاعلات الدبلوماسية والتعاون العسكري والاستثمار الخاص والمساعدة الإنسانية والتنمية، في بيئات تتّسم بالفساد الحادّ.
•يساهم في التوصّل إلى اتفاقات سلام أكثر استدامة عن طريق الحدّ من تشويه المفاوضات بين الحكومات أو بين الحكومات والجماعات المتمرّدة التي غالباً ما تعيق عملية التوحيد والدمج في فترة ما بعد الصراع.
ونتيجة لذلك، فإن توفير فهم أكثر تطوّراً للفساد الحادّ يقلّل الحاجة إلى التدخّلات العسكرية عندما تندلع الأزمات من خلال المساعدة في تفاديها عن طريق الاستخدام الفعّال لأدوات السياسة غير العسكرية، قبل وقوع الصراع. وفي حال حدث التدخل، فثمة إمكانية لأن يزيد فرص تحقيق الأهداف الأمنية من خلال تحسين العمليات.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً