العدد 4341 - السبت 26 يوليو 2014م الموافق 28 رمضان 1435هـ

أيها الداعشيون استفيقوا!

الوسط – محرر الشئون المحلية 

تحديث: 12 مايو 2017

انتهت المسيحية في الموصل بعد ألفي سنة من وجودها هناك. وهي في طريقها إلى الانقراض في فلسطين أيضا. لم يبقَ في مهد المسيح أكثر من 200 ألف مسيحي، يعضّون على الجرح ويناضلون من أجل البقاء. في مصر حيث التجمع المسيحي العربي الأكبر، شهدنا تنكيلا وتفجير دور عبادة وإرعابا. وفي سوريا كنائس تحطم، وراهبات ورهبان منهم من يُخطف ومن يُقتل، ومقابر جماعية يند لها الجبين. ثمة من يسأل: لماذا هذا الاستشراس على المسيحيين في المنطقة المحيطة بفلسطين؟ والسؤال الأهم: لماذا يتواطأ المسلمون أنفسهم، إن لم يكن بالفعل الشائن، فبالصمت المريب والمعيب على أكبر عمليات «تطهير ديني» عرفتها منطقتهم في التاريخ الحديث؟

«داعش» ليس تنظيما أرعن، يوزع الموت والخراب في صحراء معزولة، لولا البيئات الحاضنة والسكوت المطبق، وأحيانا الدعم المحلي. أحد الفارين من الموصل يبكي قهرا أمام الكاميرا وهو يتحدث عن جيرانه الذين فرحوا بنبأ إخلاء المنزل: «أسعدهم أن يستولوا على بيتنا». كاتب من الموصل سطر رسالة مبكية يخاطب فيها المسلمين قائلا: «نغادر الموصل مطرودين وقد أذلنا حاملو راية الإسلام الجديد، نغادرها لأول مرة في التاريخ، لا بد لنا أن نقدم شكرنا لأهلنا فيها، الذين كنا نعتقد أنهم سيحموننا كما كانوا يفعلون، وسيقفون بوجه عتاة مجرمي القرن الحادي والعشرين ويقولون لهم إن هؤلاء هم الأصلاء وهم الذين أسسوا هذه المدينة. كنا نطمئن النفس في أن لنا جارا عزيزا، وابن محلة شهما، وإخوانا تبرز أخلاقهم يوم الشدة... لكننا خُذلنا».

أشعر بالعار والخزي، أمام هذه الكلمات النازفة، التاريخ لن يرحم الذين تفرجوا، وبقوا غير مبالين. إن كان لنا من قيمة بقيت أمام البشرية، فهو أننا مهد الحضارات والأديان، التي ننسفها عن بكرة أبيها. بيع للآثار، تحطيم للمقامات، تدمير للكنائس والمساجد، تصفية للمسيحيين، تحقير للنساء، ذبح للطفولة، وصمت الموات.

لا شيء سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء. الدول الغربية تفتح أبوابها للمسيحيين، لا بل اشترطت سفاراتهم لدى لبنان أن تستقبل النازحين منهم دون غيرهم من السوريين. هذا ليس بجديد، وهو ما سنراه يتكرر مع العراقيين أيضا. ليس في الأمر مصادفة أو سوء طالع. هناك من يستثمر الحمق العربي، يلعب على أوتار فيروس الطائفية المستشري كالوباء. جاب رئيس المؤسسة الدولية لوحدة الشعوب الأرثوذكسية فاليري ألكسيف، عددا من الدول الغربية لاستطلاع وجهة نظرهم بشأن ما يتعرض له مسيحيو الشرق، فجاءه الجواب مفاجئا في كل مرة: «يجب تشجيع مسيحيي الشرق على الهجرة إلى أوروبا».

طبيعي أن تفعل إسرائيل المستحيل لتنهي كل وجود مسيحي في فلسطين، منطقي من دولة عنصرية أن تحاول محو أي أثر غير يهودي على أرض فلسطين، أن تسعى دول أوروبا للعبث بديموغرافيا المنطقة، لتنزع عنها تعدديتها وتحرمها من فسيفسائها الديني، ولو بثمن دموي باهظ، لكن لماذا نتآمر نحن على هويتنا وثقافتنا، وتعايشنا؟ لماذا نتعاون مع كل شياطين الأرض كي نكتب على جبين كل منا وصمة عار لن تنسى أو تمحى؟

يتساءل ممثل الكنيسة الكلدانية في المملكة المتحدة، الأب نظير دكو: «لماذا قامت الدنيا ولم تقعد بسبب مقتل ثلاثة من اليهود المراهقين ولم يهتم العالم بتهجير 500 ألف عراقي، في أسبوع واحد، تاركين وطنهم وبيوتهم؟». للتذكير فإن عدد المسيحيين في العراق كان بحدود مليون و400 ألف قبل الاحتلال الأميركي، الذي لم يرحمهم ولم يعبأ بأمرهم، وتواصل التنكيل بهم منذ ذلك الوقت، حتى وصل عددهم اليوم إلى نصف مليون فقط، لتأتي «داعش» وتتوج الكارثة بتخييرهم بين دفع الجزية أو الرحيل. «نموت ولا نغير ديننا» يردد هؤلاء. أمن أجل المزيد من الاستبداد ثار العرب على الطغيان؟ هل المطلوب أن نترحم على ديكتاتورياتنا البائدة؟ هل هذا هو الهدف النهائي من كل التخريب الممنهج الذي يمارس؟

أين اختفت منظمات وجمعيات حقوق الإنسان العربية التي دوختنا بمندوبيها الذين كانوا يملأون الشاشات حين يحاسب ناشط على تغريدة؟ ألم يسمع هؤلاء أن 12 مليون مسيحي في المنطقة مهددون بالطرد أو القتل؟ ماذا حصل لجمعيات حقوق المرأة؟ لم نسمع لها حسا في أي بلد عربي أمام قرار «داعش» ختن كل النساء بين 11 و46 عاما، ألا يدخل هذا ضمن اختصاص عملهم؟ ألم يسمعوا مثلا عن جهاد النكاح أو إغلاق عيادات الأطباء النسائيين؟

«داعش» لم يفعل غير تظهير الصورة، توضيح المشهد، إزالة الغبار عن نوايا تخفت طويلا بستر النفاق. «داعش» كشفنا وعرّى بشاعتنا، أظهرنا على حقيقتنا، من دون ماكياج مخادع وعبارات منمقة، وواجهات ملمعة. «داعش» مهما تكن الخطط المخابراتية التي نمته وضخمته بالقوة، ليس مقطوعا من شجرة، ولا تنظيما يتيما ومنبوذا كما يحلو لنا أن نقول. ولمن يعترض ويحتج ويتباكى، فلينهض قبل فوات الأوان، وليرجم «داعش وأخواتها» بحجر.

سوسن الأبطح... أستاذة في الجامعة اللبنانية قسم اللغة العربية وآدابها صحافية وكاتبة في جريدة الشرق الأوسط.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 8:39 ص

      للأسف

      قليل من الناس لا يعرف هذه المعلومه وهي انا المسحيين العرب في نظر الغرب والاوربين هم عرب ودم عربي وغيره عربيه وعصبيه عربيه وقوميه عربيه يعني للأسف في بلادنا المسحيين هم النصاري وفي الغرب واوروبا هم عرب ,والغرب واوروبا يعرفون تماما لو جون الامريكي قاتل علي او حسن او مصطفي سوف يقف المسيحي العربي مع علي وحسن ومصطفي لانه الدم عربي والدم عمر ما بصير مي بس للأسف داعش وغير داعش يعرفون الحقيقه ولكن الدولار اغلى من اي شي وأسرائيل تحكم العالم وأمريكا مسكينه امام اسرائيل بل حزينه وبريطانيا تملك الدم البارد

    • زائر 14 | 5:37 ص

      المسيحيون الغربيون راضون بما يحصل

      الصمت العربي موجود على كل الأصعدة وليس فقط على طرد المسيحين ! ماذا عن غزه ؟ كيف تريدين من أهل العراق المسلمين ان يدافعوا عنكم وسيوف داعش فوق رقابهم ؟ يوجد متناقضات في مقالك ! المسيحيون الغربيون يستطيعوا وقف هذا ولكنهم لا يفعلون ! وعندهم القدره لوقف العدوان عليكم !

    • زائر 12 | 1:05 م

      شفنا قبلكم

      عار على المسلمين ومن يدعي الانسانيه ومن لم يحرك ساكنا ولكن كما قال أخونا شفنا التشفير والعنايه في السلامه ال.....

    • زائر 10 | 11:21 ص

      مدينة كانو النيجرية (الغالبية المسيحية) يقتلون المسحين ويهجرونهم ايضا

      فى مدينة كانو النيجيرية اعتدتء على كنيسة وقتل البعض وجرح اخرين فيها يا اختى العزيزة مشلتكم انتم تغكلرون ان الاسلام ضدكم وهاى خطئكم ان المسلمين الشيعة و السنة المعتدلين التبصرين لا الدواعشيين جميعا يحبونكم ويكنون لكم كل تقدير واحترام ويبجلون سيدنا المسيح عليه السلام لكنى عرفت الحقيقة من عراقي مسيحى تهجر الى استراليا كنت صديقا معه واخذ ينفر من الاسلم مدعيا سبب تهجيره هم المسمين الشيعة فى 2003 رغم انهم لم يمسكوا زمام السلطة بعد وانتى تقولين الاحتلالا الامريكي السبب يعنى دوم لومكم للاسلاام

    • زائر 8 | 10:06 ص

      الداعشيون لادين لهم

      نعم من ينحر طفل هل لهُ دين؟!
      من يقتل النساء والرجال هل لةُ دين؟!
      من يهدم المساجد ويحرق القرآن هل لةُ دين؟!
      هاؤلاء لادين لهم

    • زائر 6 | 9:35 ص

      عزيزتي سوسن الأبطح

      داعش (وأنت نفسك ألمحت لذلك) ليست سوى صنيعة الاستخبارات التآمرية البريطانية الأمريكية (المسيحية يعني) وربيبة حلفاء أمريكا وبريطانيا (المسيحيتين) في المنطقة.

    • زائر 4 | 9:23 ص

      محرقي بحريني

      هناك متناقضات في كلام الكاتبة فهي تتحدث عن جهاد النكاح الغير موجود الا في مخيلتها وتتحدث عن تهجير المسيحين والجميع ضد ذلك ولكن ماحدث بسبب سياسات فرضت على المنطقة فمن سهل ظهور المتطرفين هم الغرب والانظمة الديكتاتورية الشمولية وهذه موضوعها طويل لايتسع الصفحة أما التباكي فهناك أيضاً مسلمين لم تذكرهم الكاتبة هجروا بالملاين في أركان ووسط أفريقيا ياريت هجروا وأنما أرتكبت ضدهم أبشع الجرائم في التاريخ ولم ستحرك أي مسيحي أو منظمة مسيحة لندتهم بل كان الصمت هو المخيم

    • زائر 3 | 9:04 ص

      الرصاصي

      يمكن في مخطط لفرز المكونات وعزلها عن بعضها البعض على الاقل في منطقة الشرق الاوسط وداعش كما تبين لا يمكن ان تقوم بما قامت به لو المساندة والدعم التي تتلقاه من اجهزة مخابراتية لدول متعددة واللوم يقع على افرادها المخدوعين والمغفلين الذين جعلوا من انفسهم مطايا لدول اجنبية تستخدمهم لتحقيق اهدافها

    • زائر 2 | 8:59 ص

      ....

      خير مافعلو .. الان تتباكوون وتنهرون اسلامنا .. نسيتم تعديكم على رسول الله برسوماتكم النجسه . وتعديكم على بيت الله و و و نسيتم اضطادكم للمسلمين في العالم . لا دين الا الاسلام ولتذهبون بكفركم لجهنم . من رفع رآيه الله انا معاه .. داعش حزب الله السعودية ايران . والله اكبر

    • زائر 1 | 8:58 ص

      بالضبط

      بالضبط نفس ماحصل عندنا كانو افضل من الاخوان وكانو اهل فزعه وشيمه وفجأه انقلبو علينا تسعه وتسعون درجه ولوكانو مستكفين بالتباعد عنا كان اهون لنا ولكن كان شئ لم نتوقعه فقد شهدو الزور وفصلو زملاء لهم في العمل وتسببو بسجن ابناء الطائفه الشيعيه وعندما يقتل لنا شهيد كنا نسمع قرع طبولهم ..

    • زائر 5 زائر 1 | 9:28 ص

      شتان

      لا تشبه ما حدث في البحرين بما يحدث في العراق .. حرام عليك انت محاسب على هذا الكلام الكاذب ..!!

    • زائر 7 زائر 1 | 9:35 ص

      99 درجة ؟!!!!!

      تقصد 180 درجة
      هذي مبادئ الرياضيات

    • زائر 9 زائر 1 | 10:50 ص

      داعش القاتله=الصهيونيه

      تبي تقتل كل شيعة علي والمسيح اما بقية المسلمين تستعبد رجالهم ونسوانهم.

    • زائر 13 زائر 1 | 2:23 م

      الى الزاعر :5

      نعم سوف تحاسب يوم لا ينفع مال وبنون بما تتفوه به من تغطيات لصاحبك الذي يرضيك بالمال حاضراً وسوف تندم كل الندم سوئ في دنياك أو اخرتك

اقرأ ايضاً