العدد 4350 - الإثنين 04 أغسطس 2014م الموافق 08 شوال 1435هـ

ما هو النظام العالمي البديل بعد انهيار الرأسمالية؟

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

هل تنهار الرأسمالية؟ أعتقد أن الرأسمالية لن تختفي من الوجود حتى لو تسببت في انهيار اقتصادي عالمي مدمر، لأنها أصبحت أسلوب حياة للبشر.

الرأسمالية هي فلسفة لنظام اجتماعي يقوم على النقود كمحرك للحياة، من يعمل ويمتلك المال يعيش برفاهية، ومن لا يمتلك المال يعيش فقيراً معدماً. وفي هذا النظام تكون قيمة الإنسان بما يمتلك من نقود. حركة الإنسان في فلك النقود والأرباح.

في الوقت الحاضر وصلت الرأسمالية إلى مراحل خطيرة إذ توقفت فاعلية آلياتها في الاقتصاد، والعالم مقبل على انهيار اقتصادي عالمي لا مفر منه، وذلك مجرد وقت.

وسبب تأخر حدوث الانهيار الاقتصادي العالمي بعد توقف آليات الرأسمالية هو أن النظام الاجتماعي يعمل على البرمجة التي تبرمج عليها البشر منذ ولادتهم، وهذه البرمجة «وهم» في العقل البشري، وبمجرد أن يتبخر هذا «الوهم» سنرى نهاية مفاجأة للتجارة العالمية حيث لا أحد يريد البيع لقاء ورق (العملات الورقية) وعندها سينهار الاقتصاد العالمي.

من المفترض أن تموت الرأسمالية عندما تتوقف فاعلية آلياتها، لكنها لن تموت لأن البشر لا يعرفون نظاماً بديلاً للرأسمالية، ولهذا ربما يعيدون أخطاءهم ويكررونها، ثم يكذبون على أنفسهم ليقولوا: «التاريخ يعيد نفسه».

وسيترتب على توقف فاعلية آليات الرأسمالية تآكل الطبقة المتوسطة التي يعتمد عليها في تحريك الاقتصاد، حتى تصل هذه الطبقة إلى الانهيار، وينتشر الفقر والجوع والبطالة، إلى جانب حدوث كوارث اجتماعية تقود إلى اضطرابات سياسية ومن ثم تندلع الحروب المدمرة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتوقف فيها فاعلية آليات الرأسمالية، فقدت توقفت في العام 1929 والتي حدثت فيها أزمة اقتصادية عالمية عرفت بـ «الكساد العظيم»، وأدت إلى فوضى سياسية صبّت الزيت على الشرار المتطاير الذي أشعل الحرب العالمية الثانية في العام 1939.

ما هو النظام البديل للرأسمالية؟ هل الشيوعية أو الاشتراكية؟ أو المزج بين الرأسمالية والاشتراكية؟ أو نظام الاقتصاد القائم على الموارد (فكر جديد ينظّر له مفكرون يقودون حركة «زايتجايست»)؟.

ربما يسأل سائل أين النظام الاقتصادي الإسلامي؟ لا أعتقد أنه يوجد نظام اقتصادي إسلامي، وما نقول عنه نظام اقتصادي إسلامي حالياً هو في حقيقته نظام رأسمالي مع تغيير المسميات. ويجب التفريق بين الدين وبين الاقتصاد، وترك النزعة النفسية التي تدفعنا إلى تغليف كل شيء باسم الدين.

هذا رأي شخصي قابل للتغيير متى ما توفرت معلومات وقناعات مختلفة. وحتى لو افترضنا أن هناك نظاماً اقتصادياً إسلامياً، فما هو النظام البديل للرأسمالية؟

أعتقد أن من يريد تحويل نظامنا الاجتماعي إلى رأسمالي أو اشتراكي أو اقتصاد قائم على الموارد، أو إسلامي أو غيره، هو كمن يريد أن يبني الطابق العاشر لبناية، قبل أن يضع الأساسات، وقبل بناء الطابق الأول ثم الثاني والثالث...

قبل الحديث عن بناء أنظمة لنظامنا الاجتماعي، يجب بناء الأساسات، وهذه الأساسات هي إصلاح النفس البشرية، هذه الأساسات هي الهدف الذي سعى إليه الأنبياء والحكماء والمستنيرون.

الأساسات التي تجعل الفرد يؤمن بأنه خلية في جسم البشرية أو «الجسم الإنساني». فنحن البشر عددنا 7 مليارات إنسان، كلنا خلايا نشكل الجسم الإنساني، وصحة الجسم قائم على التكامل بين الخلايا، وهذه الخلايا تقوم على الحب والمحبة ولا تعرف إلا العطاء والإيثار.

وعندما يتم تصحيح النفس البشرية وتشرب من بحر المحبة وتتحقق الغاية (حب الإنسان لأخيه الإنسان)، ستستقيم حياة البشر بأي نظام من النظم، وستطوره الإنسانية إلى الأفضل والأفضل.

المشكلة في النفس البشرية، فالحضارة الإنسانية في الوقت الحالي وصلت إلى أدنى مراحل الانحطاط الأخلاقي. في الماضي كان الناس يموتون جوعاً بسبب قلة الموارد، أما اليوم فإنهم يموتون جوعاً مع وجود فائض يكفي جميع البشر على وجه الكرة الأرضية ويزيد.

تقوم الشركات بإتلاف ملايين الأطنان من الطعام، بهدف الحفاظ على الأسعار في الأسواق العالمية، بينما يموت ملايين البشر في أفريقيا وآسيا من الجوع.

لا نذهب بعيداً، نأخذ العقارات السكنية في البحرين مثلاً، أصحاب مال يقومون بشراء الأراضي السكنية وتقليل حجم المعروض من الأراضي، وبذلك يرفعون الأسعار إلى مستويات فلكية، فيجنون أرباحاً بملايين الدنانير، على حساب عشرات الآلاف من المواطنين الذين سيعجزون عن شراء سكن لأسرهم. وأصبح مضاعفة النقود وتحقيق الأرباح قائماً على خلق مشاكل للمجتمع واستغلال الآخرين.

وهذه أمثلة للتبسيط. والحل يبدأ من الأساس وهو إصلاح النفس البشرية، ومن ثم الحديث عن النظم التي تحكم نظامنا الاجتماعي. وأما الاعتقاد بأن الحل هو باستبدال نظام بنظام آخر هو كمثل من يعيد نفس الأخطاء ويتوقع نتائج مختلفة.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4350 - الإثنين 04 أغسطس 2014م الموافق 08 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:48 ص

      لم تتحدث عن أساسيات التغير الاجتماعي اللتي يجب القيام بها أولا . ولكن السرد رائع

    • زائر 8 | 12:15 م

      لماذا أصبح الكل يبعد الدين النظام الرأسمالي لا علاقة له بالإسلام لأنه صنع بهودي

    • زائر 7 | 11:09 م

      الاسلام يحمي المغفلين

      الاقتصادالإسلامي ينموكالشجرة فهويحمي افراده من الأنانيين فتراه شامخا اماالرأس مالية فاقتصادهاكالقصبة سرعان ماتنكسر

    • زائر 6 | 10:54 م

      بل الإسلام هو منهج الاقتصادالناجح

      لاإنسانية بلاروحانية الإنسانية تعني أنك مراقب من الله ثم تضبط تصرفتك فلاتتصرف بأنانية(ترابي،تغش،تزور،تحتكر،تغرر،وكل مايخل بتكافئ الفرص

    • زائر 5 | 11:56 ص

      استغراب

      استغرب كيف ينفي الكاتب بكل بساطة مسألة وجود فكر اقتصادي اسلامي، بل ويستنكر نزعة الدفاع عن هذا الفكر، وكأن الأمر أصبح ليس من حق الاسلام والاسلاميين تقديم هذه الرؤية
      اعتقد أن المقال موفق ولكنه لم يوفق في هذه الفكرة

    • زائر 4 | 5:55 ص

      الرجوع لمبدا الحق من الله

      الحل تجدونه برجوعكم لكتاب الشهيد الصدر كتاب اقتصادنا

    • زائر 2 | 11:28 م

      مفكر دائم با ابا فاضل

      الملخص في الفقرة الاخيرة. الاقتصاد اليوم يسير علي نظام و ضعه الفراعنة منذ اكثر من عشرة الاف عام. هذه الفترة غرست معايير في العقل البشري و لاوعيه بحيث لا يمكن تغييرها. التغيير ممكن في حال معجزة ربانية. اما البشر فهم أعجز من احداث التغيير.

    • زائر 1 | 10:54 م

      جميل

      مقال جميل يحمل فكره وهدف ونتمني الوصول اليها ،، لكن لي تعقيب بخصوص الانهيار النظام الاقتصادي تحتاج الي تحليل اكثر دقه ،، لكن المحصله الي ترويج الي هدف التغير الاجتماعي وربطه بالنظام جميل ويثني عليه ،، شكرا

اقرأ ايضاً