العدد 4355 - السبت 09 أغسطس 2014م الموافق 13 شوال 1435هـ

من هو الطائفي؟

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

تصاعدت في الآونة الأخيرة الخطابات الطائفية وما ترتب عليها من تصورات للآخر المختلف طائفياً. صار الأفراد، كما الجماعات، يعرفون بانتماءاتهم للطائفة أكثر من انتماءاتهم السياسية أو القومية أو غيرها. كما أظهر البعض قدرةً كبيرةً على تفسير الأحداث الداخلية أو الإقليمية وإعطائها بعداً طائفياً يقلّل بنسبة أو أخرى من مساحة التأثيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة.

لا يبدو مفهوم الطائفية محدداً بشكل واضح المعالم، ولذلك بات الاتهام بالطائفية يلقى في محله وفي غير محله. ومع ملاحظة أن الطائفي ليس ممثلاً أميناً عن طائفته يبقى السؤال: من هو الطائفي؟ وما هي الجماعة الطائفية؟

يمكن ملاحظة رؤيتين مختلفتين فيما يتعلق بتحديد الفرد الطائفي أو الجماعة الطائفية. يطلق البعض على الفئة أو الجماعة التي تنتمي في مجموعها لمذهب معين بالطائفية بغض النظر عن خطابها وموقفها من الطائفة الأخرى. فمجرد أن تتألف كتلة معينة من أفراد ينتمون لطائفة معينة صارت تعتبر طائفية في نظر البعض حتى ولو كان خطابها وموقفها متسامحاً مع الطوائف الأخرى.

من جهةٍ أخرى، يركّز البعض على الخطاب أكثر من صاحب الخطاب، ويكون المعيار هو كيفية التعاطي مع المختلف طائفياً أكثر من مجرد الانتماء لطائفةٍ ما. فبغض النظر عن الانتماء الطائفي للكتلة أو الجماعة، يتم تقييمها على أساس ما يصدر منها من خطابات ومواقف. بكلمات أخرى، هناك من يعرّف الطائفي بأنه المنتمي لطائفته والساعي للعمل وفق مصالحها، وهناك من يعرّفه بأنه من يتعدى على الطوائف الأخرى.

بالموازنة بين الرؤيتين، يبدو أن معيار التعدّي على الطوائف الأخرى هو الأكثر دقةً في تعريف الفرد الطائفي أو الجماعة الطائفية. فمن ينتمي أو يتعصب لطائفته دون أن يمس بالطوائف الأخرى يمكن اعتباره ملتزماً أو محافظاً أو حتى متزمتاً، ولكنه لا يبدو طائفياً وخصوصاً عند مقارنته مع من يتعدى على الطوائف الأخرى.

نعم، قد يقود التعصب الشديد للطائفة إلى التعدّي على الطوائف الأخرى، ولكن التعصب في حد ذاته للطائفة، وخصوصاً مع إبداء الاحترام للطوائف الأخرى، لا يبدو فعلاً طائفياً.

هنا تجدر الإشارة إلى أن المتدين الذي يتميز بقوة انتمائه لطائفته قد ينظر لطائفته على أنها الدين الإلهي الذي يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى وليس مجرد طائفة من جملة طوائف. بعبارة أخرى، الطائفة، من وجهة نظره، هي الدين نفسه وبذلك يكون التزامه بها التزامه بالدين نفسه. لذلك، فإن اعتبار كل من ينتمي لطائفته بتزمت طائفياً، قد يقود إلى اعتبار كل متدين ومحافظ بأنه طائفي، وهذا معنى مبالغ فيه بالنسبة لمعنى الطائفية.

في المقابل، فإن النظر إلى الطائفة على أنها الدين، وإن برر التزمت والانتماء القوي للطائفة، إلا أنه لا يبرر الاعتداء على الطوائف الأخرى. باختصار، إن مجرد الانتماء وحتى التزمت في الالتزام بطائفة معينة لا يعني أن الشخص طائفي، وإنما المعيار هو الاعتداء على الطوائف الأخرى.

قد تستخدم الطائفية لأهداف غير طائفية. فليس كل من يعتدي على طائفة معينة له هدف انتصار طائفته على تلك المعتدى عليها، وإنما قد يكون هدفه ممارسة التعدي والاضطهاد لطائفةٍ لهدفٍ سياسي لا علاقة له بالدين والطوائف. وهذا ما يفسر، ربما، الخطاب الطائفي لغير المتدينين أساساً. فالخطاب الطائفي الصادر من غير المتدين يبرهن على أن هذا الخطاب قد لا تكون أهدافه طائفية ودينية، كما يؤيد أيضاً الرأي القائل بأن معنى الطائفي هو المعتدي على الطوائف الأخرى وليس مجرد المنتمي لطائفته.

يبدو الطائفي شبيهاً بالعنصري في التعدي على الآخر المختلف، وإن كان الموضوع مختلفاً حيث الدين والمذهب في الأولى، واللون والعرق في الثانية. الخطاب الطائفي شبيه بالخطاب العنصري حيث كلاهما يتعديان على الآخر المختلف ليبرزا مدى رجاحتهما وتميزهما، وقد يفيد هذا التشابه بين الطائفية والعنصرية في فهم المعنى المراد من الطائفي بمقارنته مع الحالة العنصرية التي كانت تمارس ضد السود.

اللافت في الحالة العنصرية هو أن السود الذين كانوا يطالبون بالمساواة مع البيض، كانوا يشكلون غالبية المطالبين بهذه المطالب. هذه الأغلبية السوداء المنادية بالمساواة بين البيض والسود لا يمكن وصفها بالعنصرية لأنها لا تمايز بينها وبين غيرها وإنما تسعى للمساواة بين الطرفين. قد تأتي العدالة والمساواة على حساب البيض الذين قد يرون، من وجهة نظرهم، تحرك السود تحركاً عنصرياً يمس مكتسبات البيض. بكلمات أخرى، فإن السود قد يسعون لتقليص مساحة الامتيازات لدى البيض ولكن ذلك لا يعد عنصرية لأنهم دافعوا عن قيم العدل والمساواة، وهذه المثل بطبيعتها تكون على حساب الطامعين والراغبين في الاستئثار لأنفسهم بالامتيازات.

أما البيض الذين يسعون للامتيازات فإنهم عنصريون لأنهم لا يساوون بينهم وبين السود، ويفرّقون بينهم وبين أولئك المحرومين. من هنا يمكن القول، أن كل طرف من البيض والسود بإمكانه أن يتهم الطرف الآخر بالعنصرية. فالسود، بشكل عام، في تكتل واحد والبيض كذلك. والسود يسعون لامتيازات تحفظ حقوقهم وكذلك البيض. ولكن العنصر الذي يمايز بين الاثنين هو أن السود يطالبون بالمساواة والعدالة، أما البيض فيميّزون أنفسهم ويطالبون بالاسئتثار بالامتيازات لأنفسهم فقط.

هذا الكلام نفسه قد ينطبق على مفهوم الطائفية. فكل مجموعة قد تتهم الأخرى بالطائفية، ولكن يبقى المعيار في الخطاب الموجّه نحو الآخر والأهداف المراد إنجازها. فغياب العدالة والمساواة يعني أن هناك من الفئات من ستظل محرومة، والعدالة والمساواة أيضاً قد تقود إلى حرمان جماعةٍ معينةٍ من الامتيازات التي اعتادت عليها. فكل طرف يتهم الآخر، ويبقى المعيار أن العدالة والمساواة هي الفارق بينهما. فالطائفي هو من يسعى لنيل الامتيازات التي تمايز بينه وبين الطائفة الأخرى، وتكون وجهاً من أوجه التعدي عليها. أما من يسعى لهدف يحقق حالة من العدالة والمساواة فلا يستقيم وصفه بالطائفي لأن العدالة والمساواة لا تمثل حالة اعتداء على الآخر.

من الملاحظ أن الطائفي يسعى لقراءة الأحداث بصورة طائفية حتى يعيش الأجواء التي تسمح له بممارسة رؤيته. ليس بالضرورة أن يكون الواقع كما يراه هو ولكنه يسعى لخلق هذا الواقع الذي يتساوى فيه الجميع وتضيع فيه الحقائق التي تتصل بالأبعاد الأخرى من سياسة واجتماع واقتصاد وغيرها من المؤثرات على واقع الناس. لذلك فإن إحدى وسائل التصدي للطائفي هو عدم توفير الغطاء والأجواء التي يسعى هو لخلقها لتبرير طائفيته، ولذا يبدو التركيز على مساحات إنسانية وإسلامية كبرى هو الطريق الأنسب للتصدي له. فخطابات المواطنة والعدالة والمساواة التي تترفع عن مساحات النظر إلى الجوانب الخاصة بكل طائفة، يبدو الطريق الذي يضع الخطاب الآخر في زاوية حرجة ويفضحه أمام الجميع.

قد يكفي للتعرف على ملامح خطاب الطائفي النظر إلى موقفه من المختلف طائفياً، وموازنة ذلك مع القيم الإنسانية والإسلامية الواضحة كالعدالة والمساواة.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4355 - السبت 09 أغسطس 2014م الموافق 13 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:30 م

      غريب لما يتكلم طائفي عن الطائفيه !

      من خلال تدريسك لنا في جامعه البحرين ... اجزم بطائفيتك و لو بشكل غير صريح مع الطلبه و انه واحد منهم .. نعيب زماننا و العيب فينا ... يا اخي راجع تصرفاتك ثم اكتب عن الطائفيه حتى لا تفقد المصداقيه ...

    • زائر 6 | 10:38 ص

      لا حول و لا قوة الا بالله

      سنيييين عشنا في هالديره ما عرفنا السني من الشيعي و للامانه صديقاتي كلهم كانوا سنه لين حصلت الازمه و صرت انا من الناس المغضوب عليهم للاسف ناس عاشت معانه و دخلناهم بيوتنا ما يستاهلون و ناس و الله لليوم تقول انهم خوانك مع انهم مو شيعه
      الله ينتقم من كل من زرع الفتن و خرب نفوس الناس

    • زائر 4 | 7:21 ص

      الله

      الله يلعن من شب الفتن الطائفيه والله ياخد حق الشعب البحرينى المسلوب

    • زائر 7 زائر 4 | 12:55 م

      يارب

      اللهم امين

    • زائر 3 | 4:10 ص

      الطائفي هو

      من يطالب بحقه المغتصب اما غير الطائفي هو ان يقبل باضطهاد طائفة اخرى له حتى وان سلبت امواله و قتلت اهله و طائفته شر قتلة كما فعل طاغية العراق فهو عند القوم غير طائفي لانه كان يقبلهم جنودا في نظامه اما الوزراء وقادة الجيش والشرطة والمحافظين فمن طائفته فقط وحينما جاء المالكي ( الطائفي ) واشترك الشيعة بحكم العراق فاصبح المالكي طائفيا لا بل و دكتاتورا ! حتى وان دخل الطرف الاخر في الحكم بنسبة اكبر من نسبتهم التي هي لا تتجاوز 20% ومع الاكراد تؤلف 35 % من الشعب العراقي
      علي جاسب

    • زائر 1 | 1:08 ص

      معابير مزدوجه

      من يطالب بحقه طائفي ومن يطالب بتميزه ليس طائفي المعايير دائما مقلوبه ومزدوجه لا تلوموا الدول فقط

اقرأ ايضاً