العدد 4356 - الأحد 10 أغسطس 2014م الموافق 14 شوال 1435هـ

ألف تحية للذين يسكنون وطنهم في داخلهم!

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

هناك فرق كبير بين إنسان يسكن الوطن في داخله بكل تفاصيله الإنسانية والأخلاقية والوطنية، وبين إنسان آخر يسكن هو في داخل الوطن ليستنزف من خيراته ومقدراته المالية من دون أن يسمح له بأن يسكن في داخله برهة من الزمن.

ولاشك أن الذي يسكن وطنه في داخله ينعكس إيجابياً على مشاعره الإنسانية، ولن يستطيع العالم أجمع إخراجه أو انتزاعه من داخله حتى ولو أبعد عنه مكانياً ردحاً من الزمن، ولهذا يصاب بالغم والهم إذا ما وجده في حال لا يسر اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا ومعيشياً وأمنياً. وتجده يصبر صبراً جميلاً حتى يعجز الصبر من صبره في أحلك الظروف وأصعبها، كل ذلك من أجل أن يحافظ على كرامته وعزته رغم قسوة الحياة المعيشية والتضييق المتعمد في الرزق والتمييز البغيض في الأعمال والخدمات والتوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت، ورغم الأذى الشديد بكل أنواعه ومسمياته السيئة الذي يمارس عليه في مختلف مناحي الحياة، تراه لا يخطر بباله ولا يرد في فكره أن يتخلى عن وطنه، ولا يسمح لنفسه بانتهاك حقوق الناس والاستخفاف بهم وبمعتقداتهم الدينية، لأنه هذه الأفعال تغضب وطنه وتضعفه، فلهذا تراه مسالماً حميماً ودوداً ومحترِماً للمشاعر الإنسانية لكل إنسان يعيش على هذه الأرض الطيبة إلى أبعد الحدود.

ومن يتجوّل في كل مدن وقرى بلادي بلا استثناء، يرى بوضوح هذا المعنى متجسداً بكل صوره الإنسانية الرائعة على أرض الواقع، يرى الأهالي في معاملاتهم وتعاملاتهم يحترمون المشاعر الإنسانية لمختلف الجنسيات التي تعيش بينهم والتي تعمل في المحلات التجارية والمطاعم والبرادات في مناطقهم، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل بتاريخ وحضارة إنسان هذا البلد. فقد عرفه العالم منذ قرون طويلة بدماثة أخلاقه وطيبة قلبه وسمو نفسه وسعة وعيه ورقي ثقافته وإخلاصه لوطنه؛ وعرفه لا يقبل أن يتعامل أحد معه بسوء كما لا يسمح لنفسه أن يتعامل بسوء مع غيره. وهو يرفض أن ينعته أحد بنعوت غير لائقة أو يتهمه باتهامات كاذبة جائرة، فهو يعشق المبادئ والقيم الراقية التي تعزز مكانة وطنه، ولهذا تراه يطالب دائماً بتحقيق العدل والمساواة والإنصاف بين جميع مكونات الوطن، لأنه يعلم أن بتحقيقها يتوفر الأمن والأمان والسلام في المجتمع، وبتحقيقها يجرم التمييز بكل أنواعه، وبتحقيقها لا يكون أحدٌ فوق القانون، ويكون «الشعب مصدر السلطات جميعاً»، وبتحقيقها تحدث التنمية الشاملة في كل المجالات، ويسعد الوطن والمواطن كثيراً. ولهذا تجده يقف بكل ثبات مع المظلوم في محنه السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون أن ينظر إلى جنسيته أو انتمائه الديني أو العرقي، ويقدّم له العون والمساعدة من دون مقابل، قاصداً من وراء عمله رضا الله تعالى وراحة الضمير. وبسجيته الأخلاقية ووعيه الوطني لا يقبل أن يبخس حقوق أحد أو تُنتقص حقوقه هو.

هذا النموذج خلاف الإنسان الذي يرفض أن يسكن الوطن في داخله، فتجده يلهث وراء مصالحه الشخصية حتى ولو كانت تتعارض كلياً أو جزئياً مع مصالح الوطن العليا، وكل اهتماماته يوجهها نحو تحقيق مكاسبه الدنيوية، ولا يعطي لنفسه فرصة للتفكير في مصالح غيره ولو مرة واحدة، ويستغل كل أزمة لتحقيق نزواته الذاتية. وتراه يصاب بالضجر الشديد في اليوم الذي لا يحقق فيه مكسباً لنفسه، فلهذا ما أن يسمع عن خبر فيه احتمال لحل الأزمة السياسية في البلاد، إلا وتجده يوظف كل طاقاته لئلا تذهب البلاد نحو التوافق على الحلول السياسية.

والجميع في بلادي قد شاهد وسمع في وسائل الإعلام الرسمية والصحف شبه الرسمية التي تكتب لنفسها مثل هذه النماذج السلبية، كيف عملت جاهدةً على تشويه وطنها من خلال تشويه صورة شعب البحرين ونعته بأسوأ النعوت وأقبحها، وكانت في ألفاظها السوقية دلالة واضحة على سقوطها الأخلاقي. وهو ما يكشف عما تعانيه من إسقاطات نفسية طائفية عنيفة، وكان همّهما الوحيد هو تحقيق مصالحها الشخصية والفئوية ببثها الكراهية والبغضاء بين مكونات البلاد المذهبية، ظناً منها أنها بفعلها الشنيع تتمكن من تحقيق أكبر ما يمكن من المكاسب الخاصة على حساب المصالح الوطنية، متناسيةً أن الوطن لا يمكن فصله عن أهله مهما فعلت، ولو كانت تراقب ربها في كل خطواتها لما قامت بمثل ما قامت به منذ بداية الأزمة السياسية، ولكن تغييب نفسها عن حقيقة الوطن المعنوية جعلها لا ترى إلا نفسها ومصالحها الخاصة، فلهذا وجدت أغلب أبناء البلد الطيبين لا يستسيغون نهجها البغيض وأسلوبها المقيت، وبقيت هي وحيدةً في مشروعها وثقافتها وفكرها غير الوطني.

إن الحقد والكراهية والبغض غير المألوف في أوساط المجتمع البحريني، جعلها مرفوضةً نفسياً من مختلف الشرائح والأطياف، وأصبحت عاجزة عن إقناع عشرات الأفراد، وتجمعاتها التي تقوم بتنظيمها شاهدة على فشلها وانحسارها السياسي والاجتماعي.

إن المؤكد أنها تعيش في هذه الأيام أزمة سياسية حقيقية مع المجتمع، ولا يستطيع أحد أن ينقذها منها حتى ولو قدم لها كل التسهيلات المالية والإعلامية، وهذه حقيقة يجب عليها أن تتفهمها جيداً قبل دخولها في أية مرحلة سياسية في المستقبل المنظور، حتى لا تفاجأ بالنتائج المحتملة، التي قد تبعدها عن الحياة السياسية التي حاولت جاهدة الدخول فيها من أبواب طائفية ضيقة لتحقيق مآربها الشخصية أو الفئوية. ولابد لها أن تعي أنها في وسط المتغيرات المحلية والدولية، ليست الأمور جميعها تسير في صالحها، وليس لها سبيل في الوقت الحاضر إلا المصالحة مع نفسها قبل الذهاب إلى المصالحة مع أبناء مجتمعها الذين وثقوا بها وأعطوها أصواتهم في محطات سياسية متعددة، وبعد إعطائها الفرص الكثيرة اكتشفوا أنها غير صادقة في حمل الأمانة الوطنية، وأنها كانت تعمل لتحقيق مصالح شخصية وفئوية ضيقة ولم تعمل لتحقيق طموحات البلاد والعباد على الإطلاق.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4356 - الأحد 10 أغسطس 2014م الموافق 14 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:38 ص

      في ميزان حسناتك استاذ سلمان سالم

      فديتك على هذا المقال الذي يعبر عما في داخلك من جمال نفسك الطاهرة ، وكذلك عبرت عن الجميع الذين يسكنون وطنهم في داخلهم ، ألف شكر قليلة في حقك ، في ميزان حسناتك انشاء الله

    • زائر 2 | 2:08 ص

      شكرا

      شكرا على المقال الذي لا استطيع وصفه من روعته .. وفقت في اختيار العنوان ، روعة

اقرأ ايضاً