العدد 4364 - الإثنين 18 أغسطس 2014م الموافق 22 شوال 1435هـ

الثورة العالمية لتغيير النظام الرأسمالي

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

عندما تشتري طعاماً مكتوباً عليه، صالح لمدة 9 شهور، هذا يعني أن الطعام صالح للأكل ومفيد، ولكن بعد انتهاء مدة صلاحيته، يكون ضاراً بصحة الجسم، ويتحول إلى سمٍّ يفتك بالجسم.

كذلك النظام الرأسمالي العالمي، كان في وقته أفضل ما هو موجود لتنظيم حياة البشر، ولكن الآن انتهت فترة صلاحيته، وأصبح سماً قاتلاً للإنسان، مثل الطعام المنتهية صلاحيته، ولهذا لابد من ثورة فكرية تحدث نقلة نوعية في الوعي الكلي لتغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي (المنظومة الرأسمالية).

ما هي الرأسمالية؟ كيف تنظم حياتنا؟ وكيف كانت أفضل ما هو موجود في زمانها؟ وكيف انتهت صلاحياتها وأصبحت سماً قاتلاً يفتك بالمجتمعات؟ وما هو النظام البديل للرأسمالية؟

أولاً: ما هي الرأسمالية؟

الرأسمالية هي فلسفة اجتماعية تقوم على النقود في تنظيم حياة الناس، وتوزيع الموارد. فالنقود هي محرك الحياة وهي كل شيء في الرأسمالية، من يمتلك المال يعيش برفاهية، ومن لا يمتلك المال يعيش فقيراً، قيمة الإنسان بما يملك من نقود.

كيف توزع الرأسمالية الموارد في المجتمع؟

جعلت الرأسمالية عملية توزيع الموارد خاضعةً لآلية النقود ومن يملك أكثر، مثال للتوضيح، سمك الهامور ليس متوفراً بكميات تكفي كل الأسر في البحرين، ليس كل عائلة بحرينية تستطيع تناول سمك الهامور. فتدخل هنا آلية النقود لتحدد من يأكل الهامور، ومن يحرم من أكل الهامور. كيف؟

يتم طرح الهامور في السوق وفق آلية العرض والطلب، فإذا كان المعروض أقل من الطلب ترتفع الأسعار، وكلما ارتفعت الأسعار تعجز فئة عن شراء الهامور، وتقتصر عملية شراء الهامور على من يمتلك المال. وهذه الآلية تحمل رسالة للفقراء تقول: إذا أردتم أكل الهامور اعملوا بجد واتعبوا على أنفسكم لتحصلوا على المال وعندها يمكنكم تذوق الهامور، على الرغم أن أموال الأغنياء جاءت من تعب وعرق الفقراء.

فقاعدة توزيع الموارد بين أفراد المجتمع تقوم على آلية النقود ومن يمتلك أكثر من النقود.

كيف كانت الرأسمالية أفضل ما هو موجود في زمانها؟

كانت الرأسمالية لديها قدرة على تحفيز أفراد المجتمع لزيادة إنتاجهم وتطوير عمليات الإنتاج، وهو ما يؤدي إلى توفير أكبر قدر ممكن من احتياجات المجتمع من السلع والمنتجات والخدمات. وذلك عبر آلية تحقيق الأرباح. فالمصنع كلما زاد من إنتاجه زاد ربحه، وبالتالي بدل أن ينتج مليون هاتف ويربح مليون دينار، فإنه سيبذل كل طاقته لإنتاج 100 مليون هاتف، ليربح 100 مليون دينار. وقس على باقي القطاعات: الصناعة، النجارة، الزراعة، البناء...إلخ. وبذلك، أنا وأنت والآخرون، نحصل على احتياجاتنا من السوق.

وبالتالي فإن الرأسمالية تمكنت من تنظيم حياة الأفراد وتوزيع الموارد بصورة تتناسب مع المكان والزمان. أما الآن فهي لا تتناسب مع عصرنا، وانتهت صلاحيتها. وللعلم أن الرأسمالية لم تحقق أهدافها في بناء حياة أفضل للإنسان، وفي الوقت الحالي تحوّلت من أسلوب حياة إلى أسلوبٍ لتدمير الإنسان.

كيف انتهت صلاحية الرأسمالية وتحوّلت إلى سم فتاك؟

فلسفة الرأسمالية نشأت وتطورت في عصور ندرة الموارد. كل مجتمع يعاني من نقص في الموارد، وبالتالي فإن الرأسمالية صالحة متى ما كان هناك نقص في الموارد، وتتحوّل إلى سم فتاك متى ما توفرت الموارد في المجتمع، لأن الأرباح والنقود المحركة للحياة، تنشل قدرتها التحفيزية والدافعية، متى ما توفرت الموارد بكثرة، وبالتالي تتعطل الحياة، وتكون النتائج فتاكة بالمجتمع. كيف؟

مثلاً، مصانع الأثاث، عندما تكون هناك ندرة ونقص في السوق، فإن المصانع كلما أنتجت وجدت من يشتري وزاد ربحها، وبالتالي تسعى إلى مضاعفة إنتاجها وزيادة العمال. لكن عندما يحدث هناك فائض في الإنتاج أكثر من حاجة السوق، فإن كميات الإنتاج تتكدّس في المصانع، وبالتالي المصنع يتوقف عن الإنتاج، فهو لا يستطيع أن ينتج ما لم يقم ببيع الكميات المتكدسة، وتوقف المصنع يعني توقف الحياة. فالمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد في الوقت الحالي بسبب وجود فائض في الموارد.

مثال آخر، نتيجة وفرة الطعام، تقوم الشركات بإتلاف ملايين الأطنان من المحاصيل الزراعية، من أجل الحفاظ على الأسعار في السوق العالمية، بينما يموت ملايين البشر في مختلف أنحاء الكرة الأرضية من الجوع. وأصبحت أرباح الشركات مرهونةً بإتلاف الإنتاج الفائض (الطعام)، وترك ملايين الفقراء يموتون. ووفرة الإنتاج تعني عملياً خسائر للشركات في نظام الرأسمالية، وبالتالي فإن الرأسمالية انتهت صلاحيتها، بعد أن أكملت دورتها التاريخية، ولابد من نظام جديد يتناسب مع عصر وفرة الموارد.

ما هو النظام البديل للرأسمالية؟

لا يوجد نظام جاهز بديل للرأسمالية، فالموجود هو النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، وكلاهما صمما على أساس ندرة الموارد، وعصر ندرة الموارد انتهى، ونحن في عصر وفرة الموارد بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي.

هناك جهود لإقامة نظام عالمي جديد قائم على وفرة الموارد، يدفع به مفكرون ونشطاء من مختلف أقطار العالم، ويطلقون على حركتهم «زايتجايست» وتعني روح العصر، يطرحون نظام «الاقتصاد القائم على الموارد».

هذا ربما أول نظام يطرح في عالم وفرة الموارد، ولم يتم اختباره عملياً حتى الآن.

ونجاح هذا الفكر مرهون بدرجة رفع الوعي الكلي، وإصلاح النفس البشرية، بحيث يؤمن كل إنسان بأنه خلية في «الجسم الإنساني»، وأن مصيرنا مرتبطٌ بـ«حب الإنسان لأخيه الإنسان».

نقصد بالجسم الإنساني، هو أن عدد البشر بين 7 و8 مليارات نسمة، ومجموع البشرية يشكل الجسم الإنساني، وكل فرد هو خليفة في هذا الجسم. وسنتناول النظام العالمي الجديد في موضوع منفصل.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4364 - الإثنين 18 أغسطس 2014م الموافق 22 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:42 ص

      التوازن

      لايوجد لدينا نضام الضرائب في سلّم الدخل اي يجب فرض نضام الضرائب ليشارك الغني في ارتقاء الدوله والفقراء فما يملكه الغني هو من خيرات الدوله وعرق الفقراء
      فلا يصح ان ينعم بالثراء لوحده

    • زائر 2 | 12:22 ص

      جميل الكلام واين الحلول

      اعجبتني الفكره ، بعد انتقادات للمقالات السابقه ،، ننتظر التكمله ،، لكني ما زلت اقول بان اسباب الكساد الاقتصادي ،، هو ذهاب الاخلاق ، والطمع البشري ،،، وسيطرة فئه طاغيه اقليه علي الاكثريه لاسباب كثيره وسياسيه ،، ملاحظه ،، لا تبسط الاموار باعطاء امثله بسيطه ، قد لاتودي الي النتيجه المرغوبه ، استخدم البحث العلمي الادق المقرون بالارقام ،، وشكراا

    • زائر 1 | 11:09 م

      كلها وقائع

      ما جاء في المقال هي ذكر الوقائع. السؤال الذي أطرحه هو: هل النظام السائد في العالم هو افضل نظام؟ من وضع النظام؟ لماذا نسير و نسير(بضم النون) دون وعي؟ هل يمكن تغيير هذا النظام؟ كيف و من سيغيره؟.

اقرأ ايضاً