العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ

«داعش» والدلالة الثقافية لأمراضنا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صورة «داعش» في الإعلام ليست هي المهم. فعمليات الذبح، والوأد، والاختطاف، والسَبْي، وكافة عناوين الجريمة التي تقوم بها، ما هي إلاَّ مظاهر لـ «الداعشية»، لكن ما هو أهم من كل ذلك هو دوافع تلك الأفعال التي يقوم بها منتسبو «داعش»، ويتأمَّرون على الناس من خلالها، كونها إرهاباً، يُخضِع البيئة التي تتواجد فيها وتُلحِق بها الهزيمة النفسية.

الدوافع التي أشير إليها هي عبارة عن سؤال المركز: كيف تسرَّب إلى أبناء العالميْن العربي والإسلامي مثل هذا السلوك؟ وكيف لنا أن نُفسِّر قابليات الكثير من العرب والمسلمين لذلك الفكر الأعوج، وتحوّلهم إلى مجتمعات مستجيبة لأدنى وأحَط الأفكار وأكثرها تخلفاً وتطرفاً إلى الحد الذي يُعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ المنظور؟ هذا هو المهم.

بالتأكيد قد يقول قائل بأن فشل قيام الدولة والمشروع الوطني وغياب الحريات هو السبب الأساس في ذلك، لكن الأمر لا يبدو بتلك البساطة ونحن نرى كيف أن ذلك الفكر بات يستقطب أناساً عاشوا في الغرب، أو حتى هم من دول إسلامية متقدمة كما هو الحال مع تركيا، التي أظهرت الدراسات أن خمسة آلاف عنصر في «داعش» هم أتراك!

بداية يجب أن نعترف بأن الشرق بعمومه هو حامل الأديان التاريخية (البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام وبقية الأديان الصغيرة كالأزيدية والزرادشتية والصابئة وغيرها). وبالتالي فهو المكان المكتنز أكثر بالروحانيات والغيبيات، لذا فهو الأكثر قابلية للانشطار المتعدد والمتوالي كُلٌّ نحو جزء، وجزء نحو أجزاء وأجزاء.

وعندما نصل إلى هذه الحقيقة، يجب أن نتهيأ إلى حقيقة أخرى مخيفة ومركزية في الوجدان الشرقي، وهي عدم وحدة المرجعيات والسلطات الاجتماعية، وتالياً الروحية ومن ثم السياسية، لذا نرى الشرق في صورة البيئة الأكثر احتضاناً لنمو الهويات الفرعية المنفلتة، على حساب الهويات الجامعة. وهو أمر لا يجب أن يغيب على أي محلل.

هذه الديانات (السماوية والأرضية) كانت لها عصور ذهبية وعصور انحطاط. وكانت لها حقبُ سلام وحقب قتال. وحدة إيمان وافتراق مِلَل. زعاماتٌ مُوحِّدة وأخرى مُنفِّرة. قياداتُ إجماع وقيادات فرقة. كل هذه الثنائيات ولَّدت صراعات دامية ليس بين الأديان بل في داخل الدين الواحد على شكل الزعامة الروحية ومآلها، وادِّعاء الوصل بالسماء بشكل حصري وأكثر نقاءً، متداخلاً في ذلك التركيب الانتماءات العرقية والجُدُوديَّة أيضاً.

وأمام ذلك، نشأت لدينا تجليات لتلك الثنائيات. فقد ظهرت بيننا عقولٌ دينية ذهبية وأخرى منحطة. وعقولٌ تؤمن بالسلام وأخرى لا تؤمن إلاَّ بالحرب. وعقولٌ مؤمنة وأخرى مُكذِّبة. وعقولُ وَحْدة وعقول فرقة. وعقولٌ مُسلِّمة وأخرى مُشكِّكة. وعقولٌ مُجمِعة وأخرى مُفرِّقة. وقد نَفَخَ ذلك في الصدور، حتى أصبح لدينا بيئات قابلة للانفجار في أي وقت.

أضيف على ذلك، فإن معظم الصراعات التي دارت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولغاية اليوم، كانت في مناطق العالم الثالث (الذي نحن العرب والمسلمون منه). بل وحسب رأي كاتب «عصر التطرفات» فإنه ومنذ العام 1945 ولغاية العام 1983، نشبت أكثر من مئة حرب، أدت إلى مقتل أكثر من تسعة ملايين إنسان في شرق آسيا ومليونين ونصف المليون في غربها، وأكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون في إفريقيا، وما يزيد عن نصف مليون إنسان في الشرق الأوسط. ولنا أن نتخيَّل نزعة الجريمة في مجتمعات العالم الثالث نتيجة تلك الصراعات.

لكن الأخطر هو أنه وإذا ما قدرنا أن جزءًا كبيراً من تلك الصراعات قد بدأ سياسياً أو اقتصادياً إلاَّ أنه تحوَّل إلى صراعات دينية وعرقية، كما هو الحال اليوم في العراق حين بدأ الأمر احتلال هيمنة ما لَبِثَ أن تحوَّل إلى صراع مذهبي. والسبب أن القاعدة الأكثر تأثيراً في هذه المجتمعات هي الدين والثقافة الدينية بنسختيها الجيدة والرديئة، وبالتالي أصبح انزلاق السياسة في الدين أمراً طبيعياً جداً.

ليس ذلك فحسب، بل إن القيم الثقافية التي تولَّدت في مناطق عديدة من العالم الثالث بفعل الأديان كانت فاعلةً حتى في القيم الأرضية التي ورَدَت كصور سياسية ومن بينها الرايات الشيوعية، التي توصف عادة على أنها في حالة خصومة فلسفية وتاريخية مع الدِّين، إلاَّ أنها وجدت نفسها في علاقة موضوعية أو اجتماعية مع تلك القيم، كما في تجربة الكاهن الثوري كاميلو توريس في كولومبيا، والمطران أوسكار في السلفادور، أو خلال فترة التحرر من الاستعمار في العالم العربي، ومؤخراً في العراق. إنها علاقة ملتبسة.

أرجع إلى مسألة القابليات الاجتماعية لدينا والتي جعلت أفكاراً همجيةً تتغلغل في أوساط شباب بعضهم متعلمون وأبناء ذوات، لأقول بأنه ولأن الدين هو أقوى التأثيرات على الإنسان بشكل مطلق، فإن ما يهم بالنسبة لنا لقطع تلك القابليات هو معالجة الثقافة الدينية قبل كل شيء، وإبداء الجرأة أمام الانحرافات الحاضرة والتاريخية ومواجهتها، وعدم تركها للتفاعل الاجتماعي السلبي والقراءات الفظَّة لأدعياء الدين.

فعلاقة المسلمين بتاريخهم لم تتغير كشكل من أشكال العلاقة المتوترة والمأزومة، وهي لا تنتهي إلاَّ باستنساخ صراعات الماضي وربط مرجلها بالحاضر. وهي علاقة مع شديد الأسف يرفدها رأي عام صلب يحتاج إلى تفكيك وإعادة إنتاج بشكل تام وجذري. فهذه المجتمعات، التي تعيش تسليماً مطلقاً للنتاج الديني البشري، تكون عصية على كسر ما تعتقد أنه مقدس لا يمكن المساس به بأي شكل كان، وبالتالي يستمر الفهم الخاطئ متراكباً بعضه ببعض، وبشكل تاريخي غير متجانس، لتختبئ الحقيقة أكثر فأكثر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:15 ص

      نعم للحقيقه

      مراسل حراك يروي قصة مجزرة مسجد مصعب الذي قتل فيه اكثر من 70 مصلي اثناء صلاة الجمعة في ديالى
      : http://youtu.be/FS0Mb_Jn6fg

    • زائر 6 | 4:18 ص

      - الصهييويانكيز ومرتزقتهم=وجهان لعمله واحده

      المصالح الأميركية انها لعبة الامم بالنسخة الجديده- مطوره لتناسب امن و اقتصاد أميركا

    • زائر 5 | 2:33 ص

      هههه

      من ينحر الرقاب ويغتصب النساء والصبيه ويهدم المساجد يفعل اكثر من ذلك...داعش هم خوارج العصر.

    • زائر 3 | 12:06 ص

      الأخ محمد

      صحيح داعش مجرمين بس مأوصلو لدرجه فتل مصلين في المسجد

اقرأ ايضاً