العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ

الكاريكاتير يستنطق المأساة... غزة بعيون بحرينية

دائماً كان للبحرين موقف من القضية الفلسطينية، حتى في أحلك الظروف، فالناس رغم ما تعيشه من وهدة وألم، وظروف قاسية، إلا أنها في البحرين دائماً تحمل موقفاً متقدماً في وعيها بالقضية الفلسطينية، وقد تمثل ذلك في عدة أزمات ومآسٍ مرت، إلا أن الناس لا تفتأ تقدم مبادراتها المتوالية المتتابعة الواحدة بعد الأخرى في مختلف مراحل القضية الفلسطينية، والتي كانت دائماً في القلب، وهي في البحرين دائماً في قلب الحدث.

في هذه القراءة العاجلة أستعرض نموذجاً من النماذج الفنية التي تعكس إحساس أهل البحرين وموقفهم من القضية الفلسطينية عبر التفاعل مع مأساة غزة 2014 وما تمر به هذه الأيام من محنة، وذلك من خلال استعراض مجموعة من أعمال فناني الكاريكاتير البحرينيين وإسهامهم في دعم القضية الفلسطينية وإبراز محنتها عبر رسومهم الفنية التي تراوحت بين حكاية الحدث، والإنكار، والشجب، والدعوة غير المباشرة لاتخاذ موقف عربي اختلفت طريقته وملامحه من رسام لآخر.

لفن الكاريكاتير قدرة غائرة على الاختزال فنياً على مستوى الشكل والمضمون، حيث يستطيع أن يقول الكثير بالقليل ودائماً تحضر هنا عبارة «رب صورة أغنت عن ألف كلمة»، فهو الصورة التي تغني عن الألف إذ يكون الكاريكتير هو صوت الألف أي صوت الشعب بما له من قدرة على التكثيف واختصار الكلام الكثير والقدرة على التعبير عن الآخرين، ليس الألف فقط بل النطق عن كل من يشاهده بالسلب أو بالإيجاب عبر تقنية الاستفزاز والتحريض أو السخرية الممعنة والتهكم اللاذع.

خالد الهاشمي: هشاشة الوطن

في موقعه على الإنستغرام قدّم فنان الكاريكاتير البحريني صورة لمدى هشاشة الوطن عبر تشبيهه بالصندوق الكارتوني الذي لن يستطيع حماية الفلسطيني، فحين تمطر السماء بالصواريخ فليس من ملجأ للأطفال سوى هذا الصندوق الكارتوني الذي ربما أرشدتهم إليه براءتهم أو لأنهم لم يجدوا شيئاً أخر يلجؤون إليه، وقد استعارت اللوحة علبة الكارتون الرخوة هذه على رغم إمكانية حدوثها فعلاً على مستوى الواقع، إمعاناً من الرسام نفسه في السخرية من ضعف وهشاشة هذا الوطن الكارتوني الذي لا يستطيع حماية أحد حتى الطفولة، أو ليس من ملجئاً للأطفال سوى الكارتون في صورة كاريكاتورية ساخرة.

وفي عمل آخر له منذ 2008 أعاد عرضه هذه الأيام جسد فيه موقف مندوبي العالم الدولي وهم يصطفون للتصوير وغزة تنزف من خلفهم، وكأنه يقول لم يتغير أي شيء فغزة ما زالت تنزف وهم مازالوا يصطفون للتصوير، وفي لوحة أخرى يرسم أحدهم وهو يقرأ في الصحيفة «إسرائيل تقصف غزة» وقد اختفى وجهه تماماً وكأن الفنان الهاشمي يقول: لا وجه لكم أيها العرب بعد هذه المأساة التي لم تذهب بحمرة الخجل ولا صفرة الوجل فقط، بل ذهبت بالوجه كله فلا وجه لكم بعد الآن، وفي عمل آخر يترك المتحدّث السماعة خالية مختبئاً خلف المنصة فلا مجال في مثل هذا الحدث للكلام لا مجل سوى للفعل، أو هكذا يكون الواقع ملجماً عن الكلام.

علي البزاز: السفر عكس الاتجاه

رسام الكاريكاتير الفنان علي البزاز كان ممعناً في نقده للدعم العربي الأعمى، وللسفر عكس الاتجاه، إذ جسد رجلاً يرتدي الكوفية والبشت وهو يقود عربته منطلقاً في سرعة شديدة يحمل فيها مجاهدي القاعدة وغيرهم إلى العراق وسورية تاركاً غزة تواجه مصيرها، وفي لوحة أخرى جسد الرجل نفسه وقد قص رجليه ويديه بفأسه بينما غزة تئن في ظلامها. وفي لوحة أخرى هاهي الطائرات الإسرائيلية ترمي الصواريخ بينما البترول العربي هو الذي يمدها بالوقود إلى غزة، في إشارة إلى قدرة العرب على التلويح بتوقيف تصدير النفط في مثل هذه اللحظات وتفعيل المقاطعة.

محمود حيدر: هدايا العيد

أما الفنان محمود حيدر فقد رصد المفارقة التي يعيشها أطفال فلسطين هذه الأيام فبدل أن تحمل لهم هدايا العيد هاهم يفتحون الباب ليستقبلوا الصواريخ الإسرائيلية، هكذا في غزة يتحول الفرح إلى حزن والعيد إلى مأتم فبدل أن يلجأ الطفل إلى أمه في العيد هاهو يقف مع صورتها وقد استشهدت ورحلت بينما تبدو هدايا العيد ساقطة من يديه، وفي لوحة أخرى يحاول أن يعيد الرسام للجندي العربي رشده بأن يتوجه لمعركته مع الآخر وليس مع أهله وناسه وذاته، وهي دعوة لتعديل الاتجاه.

علي خليل: الأفعى تلتهلم كل شيء

أما الفنان على خليل فقد رسم حروف غزة وقد سقط منها حرف الـ A هذا الحرف الذي يرمز للعربي في وقوفه وصلابته، ولكنه خر في دمائه وسقط من كلمة غزة وكأنه يقول نزف غزة هو نزيف جميع الوطن، سقوط الألف سقوط الرجولة سقوط الأخ الأكبر، وها هو العالم في صمته حيث جسد الفنان الكرة الأرضية وقد غطّت أعينها وصمّت آذانها عما يحدث في غزة بينما الفلسطيني يحمل طفله بين يديه وقد طعنه الصاروخ الإسرائيلي في خاصرته، وفي لوحة أخرى نرى الطفل الفلسطيني الذي ما إن أخرج رأسه من عربته حتى تم اغتياله، وبهذا لا تكون إسرائيل سوى أفعى سامة تحمل الموت وتبيد الحياة من خلال ملاحقتها لرمز الحياة والطفولة بل إنها تبتلع الوطن كله. هكذا رسمها خليل في حالة من التنبؤ بالقادم واستشرافاً لما ستؤول إليه الأمور عما قريب إن تركت هذه الأفعى تصول وتجول وتلتهم ما تشاء.

«غزة تقصف»

وبينما غزة تقصف ما كان من الفنان حمد الغائب سوى التذكير وهو يستعد للهروب «شيخنا غزة تقصف»، وفي لوحة للفنان نادر يوجه الرجل طفله لأن يلعب بعيداً معلقاً «هذي مدفع رمضان» وكان صادقاً حقاً فلا تصلح هذه الأسلحة العربية المكدسة سوى لأن تعرض في المناسبات، وأن تكون مدافع لرمضان الكريم.

العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً