العدد 4392 - الإثنين 15 سبتمبر 2014م الموافق 21 ذي القعدة 1435هـ

مَن تحارب أميركا... الإرهاب أم الإسلام؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

هوس الحرب على الإرهاب بدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومع أن تلك الأحداث فيها الكثير ومن ذلك أنها صناعة أميركية بحتة، إلا أن تعاطف العالم مع قتلى تلك الأحداث كان كبيراً، ما مكّن للرئيس الأميركي آنذاك بوش الابن، أن يحشد العالم حوله بدعوى محاربة الإرهاب!

ومنذ بداية تلك الحرب أعلن بوش أنه سيخوض حرباً صليبيةً، ومعروف عند المسلمين كما هو عند النصارى إيحاءات تلك الحرب التي دعا إليها البابا اربان الثاني للقضاء على الإسلام واسترجاع بيت المقدس من أيدي المسلمين، واستمرت هذه الحرب حوالي مئتي عام وقتل فيها مئات الآلاف من الطرفين! ومع أن بوش حاول تعديل سقطته إلا أن أفعاله التي تلت تلك التصريحات أثبتت أنه كان يعني ما يقول.

مجموعة من الأميركان وغيرهم أكّدوا ما قاله بوش، ففوكوياما فسّر الحرب على الإرهاب بأنها حرب على العقيدة الإسلامية الأصولية التي ترفض العلمانية! أما برنارد لويس صاحب نظرية تقسيم البلاد العربية فقد قال: إن الحرب على الإرهاب هي في الحقيقة حرب بين الإسلام والغرب، ثم قال إنها حرب بين الأديان! أما الكاتب الصحافي الأميركي اليهودي توماس فريدمان فلم يذهب بعيداً، ولكنه جعل الحرب في حقيقتها حرباً على المدارس الإسلامية، ورأى أنه يجب تغيير المناهج لكي يقبل الطلاب المسلمون السياسة الأميركية بنفس القدر الذي يقبلون فيه الشطائر الأميركية!

الحرب الأولى انتهت باحتلال أفغانستان والعراق، وهذا الاحتلال خلّف عشرات الآلاف من القتلى وأكثر منهم من الجرحى والمعوقين، كما أنه دمر البلدين اقتصادياً ومعنوياً. والأسوأ من هذا أنه تسبّب في إحداث تفرقة عنصرية ومذهبية ما كانت موجودةً قبل تلك الحرب، ولازالت آثارها المدمرة موجودة حتى الآن.

وخرجت أميركا شكلياً من البلدين ولكن نفوذها لايزال كبيراً فيهما، ويكفي أن نعرف أن سفارة أميركا في العراق هي أكبر سفارة لها في العالم، ولا أظن أنها ستترك هذين البلدين بعد أن أنفقت مليارات الدولارات وتكبدت خسائر بشرية كبيرة، فلابد لها أن تحقق مكاسب تفوق ما خسرته كثيراً، لا سيما ونحن نعرف أنها لم تقم بذلك العمل من أجل سواد عيون العرب أو المستضعفين العرب.

يبدو أن الرئيس أوباما يرغب في إكمال ما بدأه سلفه بوش، فلم يجد مطية مناسبة يمتطيها إلا الإرهاب! وللأسف فإن بعض الحكام امتطوا الإرهاب لكي يرهبوا شعوبهم؛ فكل معارض مهما كان نوع معارضته فهو في عرفهم إرهابي؛ وإذا أُطلق عليه ذلك الوصف فهذا يعني أن على الجميع أن يصمتوا، وأن يتركوه لمصيره مهما كان ذلك المصير!

وجد أوباما في دولة الخلافة المعروفة اختصاراً بـ “داعش” فرصته الجيدة؛ فالكل يرى أن هذه الدولة تمارس الإرهاب وهي تقوم بأفعال شنيعة لا تمت للإسلام بصلة، ولا يمكن لأي محايدٍ الدفاع عنها، وإرهابها ليس ضد النصارى أو الفرق الأخرى ولكنه وبالقدر نفسه ضد المسلمين السنة والسلفيين منهم أيضاً، ولذلك قدمت “داعش” نفسها على طبق من ذهب إلى أوباما كي ينفذ مخططه على الأرض العربية.

ولكن هناك أسئلة ملحة في سياق هذه الحرب طرحها البعض، وهناك أسئلة أخرى سيطرحها آخرون، فالسؤال عن الأسباب الحقيقية عن الدعوة لها وعن جدواها، وكذلك عن المستفيد منها ومن الخاسر الأكبر من قيامها، كل تلك الأسئلة وغيرها أمر مطلوب ومشروع خصوصاً من العرب، لأنها ستقع فوق أرضهم وهم من سيتحمل آثارها ربما لمئات السنين القادمة! والسؤال الأهم هو: هل “داعش” من القوة بحيث تستحق حشداً عالمياً ضدها؟ حوالي أربعون دولة تقودهم أميركا يتحدون ضد ميليشيات لا يزيد عددهم في أحسن الأحوال عن ثلاثين ألفاً! ومع الفارق الهائل بين الحشد الأميركي وبين “داعش” فإن الرئيس الأميركي قال إن حربه ضد “داعش” قد تستغرق سنوات! وهذا يعني أن المنطقة العربية ستبقى تعيش صراعاً داخلياً لعدة سنوات قادمة سينهكها كثيراً. وأعتقد أنه سيمزّقها داخلياً، وإذا كان الأمر كذلك فما هي مصلحة العرب من تلك الحرب؟

ثم ألا يستطيع العرب -أو بعضهم- القضاء على “داعش”؟ أين الجيوش العربية وأين الأموال الهائلة التي صرفت على تسليحها؟ وثم ما هي فائدتها إذا كانت لا تستطيع حماية دولها من عصابات لا تملك إلا القليل القليل مما تملكه تلك الدول وجيوشها؟ ثم لماذا دائماً أميركا هي المتصدرة في الدفاع عن العرب حتى من ميليشيات لا تشكل أهميةً أمام القوة العربية، أو هكذا يجب أن يكون؟ وقصة أن “داعش” تهدّد الأمن الأميركي قصة يصعب تصديقها، خصوصاً في ظل ما يقال عن دوافع وأسباب نشأتها وعلاقة أميركا بكل ذلك.

شيء آخر ملفت للنظر في موضوع “داعش” وهو تمدّدها السريع واللافت للنظر في كثيرٍ من جوانبه؛ فالجيش العراقي انهزم سريعاً أمام مسلحي “داعش” في الموصل تاركاً أسلحته غنيمةً سهلةً لهم، وأيضاً انهزم جيش البشمركة مع اشتهاره بالقوة والتدريب الجيدين! والسؤال: ألم تكن أميركا تراقب ما يحدث في العراق؟ ولماذا سمحت لـ “داعش” بالاستيلاء على مساحات كبيرة جداً دون أن تفعل شيئاً؟

أسئلة أخرى أراها تستحق الطرح: منها أن وزراء الاتحاد الأوروبي قرّروا في اجتماعهم السابق تسليح الأكراد فقط! فلماذا الاقتصار على الأكراد وهل هم وحدهم الذين سيقاتلون تنظيم “داعش”؟ السنة معنيون أيضاً بقتال “داعش” فلماذا لم يسلّحوا أيضاً؟ أليست هذه رسالة سلبية للسنة في العراق وفي سورية أيضاً؟ أم أن عدم تسليح السنة مقصود لأغراض أخرى؟

أعتقد أن تسليح الأكراد وحدهم قد يسيء لهم أيضاً، فمن السهل هنا اتهامهم بالعمالة لأميركا وتجييش الطوائف العراقية الأخرى ضدهم، فهل هذا مقصود أيضاً؟ ثم لماذا تجاهل أوباما دواعش سورية؟ أليسوا نسيجاً واحداً وطائفةً واحدةً ودولةً واحدةً؟ فهل المقصود تحقيق مصالح يهودية ومنها إضعاف سورية وإنهاكها عسكرياً لتصبح لقمة سائغة لليهود متى ما أرادوا؟

ثم مادامت هذه حرباً على الإرهاب كما قال أوباما، فلماذا صمت عن إرهاب الصهاينة وقد قتلوا آلاف الفلسطينيين ودمّروا مدنهم واستخدموا الأسلحة المحرمة دولياً؟ بل ولماذا وقف إلى جانبهم وقدّم لهم الأسلحة التي استخدموها لقتل الفلسطينيين؟ هل هو من يحدّد مواصفات الإرهاب وبحسب المقاسات التي يريدها؟ وهل يعتقد أوباما أن العرب سيصدقون أنه فعلاً يحارب الإرهاب كما يدّعي؟

كلنا نقف مع من يحارب الإرهاب؛ وكلنا يرى ممارسات “داعش” الإرهابية التي تخالف تعاليم الإسلام وسماحته؛ وكلنا نتمنى أن تتوقف هذه الممارسات، ولكننا في الوقت نفسه لا نتفق مع الوسائل التي تتبعها أميركا في حربها على الإرهاب لأنها تحارب إرهاباً خاصاً يخدم مصالحها هي لا مصالح العرب. حربها على الإرهاب موجّه أساساً ضد السنة وضد الإسلام بشكل عام، وهذه الحرب ستضعف العرب وستفرقهم شيعاً وأحزاباً، يضرب بعضهم رقاب بعض باسم الطائفية والحزبية والمذهبية وغيرها من وسائل التفرقة الأخرى.

الحرب على الإرهاب تستوجب قبل ذلك تحقيق العدالة بين جميع طوائف الشعب، وتأمين المتطلبات الأساسية للشعوب، ومنحهم الحريات العامة كي يعبروا عن حاجاتهم دون خوف أو وجل، وبدون ذلك تبقى الحرب على الإرهاب مجرد أمنيات صعبة المنال.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4392 - الإثنين 15 سبتمبر 2014م الموافق 21 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 3:25 ص

      يالهرفي اكعد اعوج واتكلم عدل

      ارهابكم احيلك الى مقال فؤاد الهاشم ( التحالف الدولي لردع الاسلام السني ) تجده في محرك البحث غوغل ان رغبت , فهذا المقال لكاتب طائفي حاقد على كل ش وهو قد انطقه الله تعالى قولة الحق تلك في مقالته ويغنيك عن كل شئ فلا تكن هرفي . اما يوجد لديك كلمة صدق واحدة ؟ حقا انتم امة متخلفة في كل شئ الا في فن الكذب و تزوير الحقائق التاريخية الناصعة فانتم امة تتفوق على كل امم الارض في فن الكذب . لا غرابة ألم يتهم الارهابي حارث الضاري ايران والشيعة بتفجير مرقدي الامامين سامراء ؟
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 20 | 2:40 ص

      الفكرة لديهم

      من فتره حوالي 20 سنة او أكثر قال احد النواب في أوربا لم يقدم العرب والمسلمون الي البشرية أي أنجاز فلماذا يعيشون بخيرات النفط

    • زائر 19 | 2:12 ص

      لا وانت الصادق امريكا تتلاعب بخيرات دول الخليج تأخذهم من حرب الى اخرى

      يعني الى الآن لم تفهموا اللعبة ولم تتضح لكم ما هي اهداف امريكا؟ على مدى 4 عقود وامريكا تدخلكم في حرب وتخرجكم من اخرى ثم بالعكس وهكذا فقط لكي تبتز حكومات دول الخليج وطالما بترول دول الخليج ينبض فلن تتوقف امريكا من اختلاق اعداء ومن ثمّ حروب تليها حروب حتى آخر قطرة من بترول الخليج

    • زائر 17 | 1:20 ص

      غريب تناقضك

      كل المقال تذم داعش وتعتبرهم مجرمين وفي اخر المقال تحسبهم على السنة.ما دخلهم بالسنة وما دخلكم انتم بداعش؟ تناقضات.

    • زائر 16 | 1:11 ص

      7

      والله ثم الله لو كانت هذه الحرب على حزب الله او الحوثين .. لما تكلمت بهذا المنطق .. >>>

    • زائر 15 | 1:01 ص

      والله المستعان على مايصفون.

      حين افتى السيد السيستاني بوجوب صد داعش والدفاع عن ارض العراق،قال الطائفيون ان السيستاني افتى بقتل السنة والجماعة؟؟لكن حين افتى مفتي السعودية ومفتي مصر ضد داعش لم نسمع بتلك الطنطنات الطائفية وسكت الجميع خصوصا بعد فتوة الشيخ اوباما بوجوب قتال داعش.وبالمناسبة ان الطائفيين الذين غردوا وكتبوا ضد السيستاني ليس بالضرورة سلفيين او تكفيريين انما فيهم الكثير غير ذلك والله المستعان على مايصفون.

    • زائر 14 | 12:50 ص

      هل يعقل ان تحارب امريكا نفسها

      امريكا = الاسلام الامريكصهيوني الارهابي قاطع الرؤوس وقاتل الاطفال والنساء والابرياء .

    • زائر 13 | 12:47 ص

      العيب

      يا كاتب العيب في المسلمين فهم الا خلوا الغرب يسمون الاسلام ارهاب للاسف مسلمين افعالهم شيطانيه ارهابيه بمقابل كفار يعاملون الناس احسن من معاملة المسلمين

    • زائر 12 | 12:47 ص

      مشكلتنا من زمن بعيد دفن الرؤؤس في الرمال

      ولا ننشر الحقيقة والتاريخ كما الواقع
      وبعد ذلك نقلب الحقائق ونصر على الخطأ
      ولذلك نتفاجأ بالنتائج هذه ما زرعناه فلنحصد ثمره
      كان في افغانستان واليوم في العراق وسوريا وغدا في مكان آخر و....وهكذا الحبل على الجرار .

    • زائر 11 | 12:45 ص

      اكيد

      كلامك ممتاز بس قاعد تبرر لداعش ودافع عنهم حسب فهمي لك والله اعلم ..

    • زائر 10 | 12:45 ص

      لا أعتقد الكل.. فهناك دول ساعدتها في النمو من تسليح وتمويل وتدريب وفتاوي وإرسال الرجال..

      “داعش” ..!! الكل يرى أن هذه الدولة تمارس الإرهاب وهي تقوم بأفعال شنيعة لا تمت للإسلام بصلة، ولا يمكن لأي محايدٍ الدفاع عنها ...

    • زائر 8 | 12:41 ص

      الجيوش العربية فيها معتنقي الفكر الداعشي

      حاضنة الداعشيين موجودة في كل البلدان العالم وخاصة الفكر التكفيري والاقصائي .... والداخل غير محصن ويتم تغذية هذا الفكر داخل جيوش العرب لضرب المكون الآخر وهم لا يعلمون انهم يحفرون قبورهم بيديهم... فألخوف من الداخل .... والتاريخ لنا فيه عبر ....

    • زائر 7 | 12:41 ص

      للاسف

      كل البلاوي والتكفير وتشويه الاسلام من اهل ..

    • زائر 6 | 12:40 ص

      بالامس

      بالامس ترقصون وتهللون لداعش وتسمونها ثورة اهل السنه واليوم تبرأتم منها واعتبرتون ارهاب بعد ان ادانتها امريكا وسرتم خلفهم

    • زائر 5 | 11:51 م

      يقولون ابوي ما يقدر الا على امي ..

      الله يسلمك الجحوش العربية ما تقدر الا على ضرب وقمع وقتل الشعوب غير ذلك لا طاقة لها ..

    • زائر 4 | 11:27 م

      الله المستعان

      بدرة الإرهاب الحقيقي موجوده في عقر بلاد المسلمين وفي أكبر دوله عربيه هي اللي تصدر الفكر التكفيري الطائفي ابحثو عنها وعن خطباء الجمعه وعن الطائفيه في البلد سوف تجد التعليم قائم على تكفير جموع المسلمين وهنا يبدأ الفكر التكفيري الداعشي لماذا الهروب عن المصدر وهو قريب هي دولة يزعم أنها ترعى الإسلام وهي المصدر حق التكفير الديانات الأخرى

    • زائر 1 | 9:47 م

      لا هذا ولا ذاك

      هي حرب على كل الأدوات التي رضيت بالذل والتبعية المفرطة للمستعمر الصهيو امريكي وان موعد الحصاد وقطف تلك الرؤس الفارغة من الأدمغة قد حان

اقرأ ايضاً