العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ

ضرب «داعش» أم استئصالها؟

رضي السماك

كاتب بحريني

مر ما يقرب من عقدين على بروز خطر “القاعدة” الارهابي على الشعوب والدول، والجهود الدولية لمكافحة هذا الخطر الداهم والقضاء عليه قضاءً مبرماً تراوح مكانها، رغم كل ما أنفق من أموال وبذل من تضحيات جسيمة في الأرواح والعمران. والسبب بكل بساطة يكمن في أن كل تلك الجهود لا تنطلق من خطط استراتيجية صحيحة لمواجهة ذلك الخطر، أو من خلال مراجعة شجاعة تقتضي وقفة مع الذات لتقييم وتلمس أوجه ثغرات تلك الخطط. وها نحن اليوم نرى عبثية تلك الحروب التي شنت على الارهاب الذي تمثله “القاعدة” وما أنفق عليها من أموال طائلة وإزهاق أرواح مئات الألوف، وهي أموال مدفوعة من ثروات شعوب المنطقة ذاتها التي طحنتها تلك الحروب باسم حمايتها من الإرهاب، ناهيك عن الخراب الشامل الذي عم بعمرانها.

فبعد عقدين من الحروب تناسلت “القاعدة”، المنظمة الأم، إلى قاعدات بأسماء مختلفة: جبهة النصرة، جند الشام، بوكو حرام، خراسان، القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، حركة الشباب الصومالي،... إلخ، وصولاً إلى الابنة الشرعية المرعبة الأخطر توحشاً ودموية (داعش)، والذي تشكل مؤخراً من أجل القضاء عليها حلف دولي بزعامة الولايات المتحدة ومن ضمنه عدد من دول المنطقة.

لسنا في وارد تحليل سياسات الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة العربية التي أفضت إلى إعادة إنتاج “القاعدة” وتناسلها إلى عدة منظمات إرهابية تتصدرها حالياً “داعش” في الوحشية الدموية غير المسبوقة، لكن أن يتوافق هذا الحلف على ضربها في سياق خطة محكمة بغرض اجتثاثها هو بلا شك وحده الكفيل باجتياز المجتمع الدولي شوطاً كبيراً مهماً على طريق مكافحة غول الإرهاب في مختلف أرجاء العالم.

من نافلة القول ثمة أربعة محاور أساسية متلازمة لمواجهة هذا الغول في أي بلد من بلدان العالم، الأول توجيه الضربات الأمنية والعسكرية، والثاني تجفيف مصادر الدعم المالي والعسكري، والثالث تجفيف منابعه الفكرية والعقائدية، والرابع تجريده من كل أدواته الإعلامية والإتصالية. ولا نعتقد أن الحلف الذي تشكل من أجل ضرب “داعش” بعاجز عن التعاون المشترك للعمل على تلك المحاور الأربعة بشكل متلازم وفي آن واحد، إذا ما توفرت النوايا الصادقة والإرادة الجادة.

في البيان الختامي الصادر عن الدول التي تعاهدت على مواجهة “داعش”، في جدة يوم 11 سبتمبر الماضي، أكد الموقعون جملة من الوسائل لمواجهة الإرهاب، منها منع تدفق المقاتلين من دول الجوار، وقف تدفق الأموال التي تصب في دعم “داعش”، وهذه وسائل تتوزع بلا شك عليه على المحاور المذكورة، لكن الأهم كما ورد في نص البيان ذاته “رفض ايديولوجيات الكراهية لدى تلك الجماعات”. وهذا هو بالضبط ما عنيناه بمحور تجفيف المنابع الفكرية والعقائدية لتلك الجماعات الإرهابية.

ولا نكشف سراً أن “داعش” وأخواتها إنما رضعت الكراهية من عقائد وأفكار دينية رسمية تنطوي على ازدراء وتكفير لذوي العقائد التي تخالفها في المعتقد والمذهب والفكر. وليس خافياً أيضاً أن بعض الدول التي تتعاون مع أميركا في الحرب على الإرهاب رعت وتبنت مثل تلك الأيدلوجيات التي فقست “داعش” وأضرابها، وبالتالي بات مطلوباً من كل الدول العربية المنخرطة الآن في الحرب الدولية على الإرهاب، إجراء على الفور مراجعة جذرية للفكر الديني السياسي الذي تتبناه بما يمنع الناشئة والشباب من الوقوع في براثن خطاب الكراهية العنصري للآخرين لمجرد الاختلاف المذهبي أو أن لهم اجتهادات فقهية خاصة بهم في فهم الدين الإسلامي السمح.

على أن الدول العربية التي يفترض أن تعمل على تلك المحاور الأربعة لمواجهة الإرهاب ودحره نهائياً، مازالت للأسف تركز على محور الجانب العسكري والأمني وتغفل تماماً الحاجة القصوى الآنية لمحور تجفيف المنابع الفكرية، والعقائدية الدينية.

تقتضي الأمانة الموضوعية في هذا السياق الإشادة بفتح السعودية لوسائلها الإعلامية الباب لمواجهة الإرهاب فكرياً من خلال مراجعات جريئة مازالت تتوالى، كما يتجلى لنا في كتابات نقدية غير معهودة في صحافتها، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الكتابات التي نشرت لكتاب سعوديين في صحيفة “الحياة” السعودية، ونكتفي هنا بذكر ثلاثة نماذج منها:

- كل من يتحدث عن مجلس الشورى لا يذكره بخير، بل إن السلبيات تتصدر خطاب المجتمع تجاهه، مقال لفيصل العساف تحت عنوان “مجلس الشورى الذي لا يمثلنا”، (“الحياة”، 10 سبتمبر 2014).

وفي مقال للكاتب السعودي محمد المزيني، بعنوان “الاسلام السعودي او السلفية الجهادية”، في الصحيفة والتاريخ نفسه، قال: “ومع ذلك وعلى رغم أن السلفية لا ترغب في مزاحمة أي مذهب لها، فقد قبلت الشيعة على مضض وفق شروطها وإملاءاتها حتى تبلورت الصورة الذهنية بحكم الواقع الجبري، وبدت علاقات التابعية المطلقة هشة، وظل المذهب المتفرد بعقيدته السلفية متسيداً في توجهاته ومناهجه التعليمية على طول البلاد وعرضها، وهو ما بات يعرف بالإسلام السعودي، أخذاً صورةً واحدةً وغطاءً واحداً للإسلام لا يشابهه أية صورة في بقاع العالم، مستنسخاً أجيالاً تحمل ذات الصورة النمطية الأولى لسلفية القرن الثامن عشر، تلك التي لا ترى المخالف المختلف إلا وجهاً من وجوه الضلال التي تجب محاربتها بكل الوسائل”، وأنا أقرأ اليوم عن بعض المشايخ الذين يدافعون عن المقاتلين واصفين إياهم بالجهاد، وهنا الإشكال، فالذين يرون هذا تطرفاً وارهاباً صامتون، والذين يرون أنه جهاد هم من يتكلمون، أو يتخفون داخل الاخرين الصامتين”، للكاتب عيسى الغيث، (“الحياة” 14 سبتمبر2014).

وصفوة القول أنه ما لم تعمل كل الدول العربية المتحالفة التي تشن حرباً على “داعش”، على المحاور الأربعة الآنفة بالتلازم وفي آنٍ واحد، وخصوصاً محور تجفيف أو تنقية المنابع العقائدية المصطبغة بخطاب الكراهية، فإن ضرب “داعش” مهما كان مبرحاً، وإن بدا قاتلاً، لن يفضي إلى استئصال شأفتها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:19 ص

      مناطحه وليس مناصحه

      هاؤلآء لا امل في تغيير سلوكهم وعقيدتهم فهاؤلآء تشربو بهذا الفكر منذو الطفوله ويعتقدون انهم اصحاب الحقيقه المطلقه ومن سواهم يجب ان يموت فعلآجهم بالمناطحه ام الجيل الجديد فيريى على الوسطيه والمناصحه واشك في ذالك ان يحصل (احنا رايحين في داهيه)

    • زائر 2 | 12:08 ص

      ------

      الله يهديك هم يحتاجونها شلون يستاصلونها هم يبغون يقصقصون جنحانها بس حتى ترجع إلى بيت الطاعة.

    • زائر 1 | 11:38 م

      معروفه السالفه

      وجود هذه الجماعات الأرهابيه يخدم لدول الغربيه ماديآ أكثر من تهديدها أمنيآ !؟
      لأن القتل والذبح والتفجير والترهيب يقع في محيطنا العربي فأذآ بيع السلاح والعتاد وبسط السيطره الأمنيه تكون غربيه بحجه محاربتها لتلك الجماعات الأرهابيه !؟
      فالمدخول المادي والمعنوي والأعلامي من علي ضهورنا نحن أصحاب المنطقه العربيه

اقرأ ايضاً