العدد 4420 - الإثنين 13 أكتوبر 2014م الموافق 19 ذي الحجة 1435هـ

تراجع سلطة الدولة وصعود الميليشيات

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أينما تتجه بناظريك إلى مختلف أرجاء الوطن العربي، تلاحظ ظاهرة ملفتة للتفكير، وهي تراجع سلطة الدولة وصعود سلطة الميليشيات. وهذا لا يقتصر على السلطة الأمنية، بل يطال مختلف مجالات دور الدولة وفي أكثر من بلد عربي.

الأمر سابق للتطورات العاصفة التي تلت انطلاق رياح الربيع العربي من تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2010، لتجتاح الوطن العربي من المغرب إلى الخليج.

لقد سبق ذلك بعقود مع تدشين مرحلة ما يعرف بلبرلة الاقتصاد وخصخصة قطاعات الدولة بما فيها الاقتصاد والتعليم والصحة والنقل والاتصالات وغيرها منذ السبعينيات، مع تراجع التوجه الاستقلالي لعدد من الدول العربية المهمة وتقاربها مع الغرب مثل مصر والجزائر، وصعود سطوة قطاع رجال الأعمال، وهم بغالبيتهم إما في الحكم أو نافذون في الحكم مثل دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب وتونس، في سياق الليبرالية الجديدة التي اجتاحت العالم بقيادة الولايات المتحدة في ظل الرئيس ريغان وبريطانيا في ظل رئيسة الوزراء تاتشر.

ومما عزّز هذا التوجه انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، وتحوّل مكوناته جميعها إلى النظام الرأسمالي، بحيث لم يبقَ سند اشتراكي لنظام عربي يتبع نهج الاستقلال عن الغرب، وبقيت هناك بضع بلدان ممانعة مثل العراق وسورية وليبيا، واليمن الجنوبي لكننا نعرف مصيرها جميعاً.

إذاً أضحى طبيعياً خصخصة قطاعات حيوية من مسئولية الدولة، وجرى التنظير لذلك، بأنه الطريق الصحيح لتقديم خدمات أفضل للجمهور والمستهلكين، وتحديث هذه القطاعات، وتحفيز المنافسة لتقديم خدمات أفضل، بل وتحقيق التنمية، وتوفير فرص عمل لملايين الباحثين عنها من الشباب، كبديل لبيروقراطية الدولة وعدم كفاءتها.

لكن هذا النموذج لم يستطع أن يحل مشاكل البلدان العربية التي أضحت مستعصية، خصوصاً قصور النمو الاقتصادي عن مواكبة الزيادة السكانية. كما لم يحل مشكلة البطالة، ولم يوفر حياة لائقة، بل العكس هو الصحيح، إذ زادت الفجوة بين القلة الغنية والأغلبية الفقيرة، وتفاقمت مشاكل الإسكان والعمل والخدمات، وانحدر مستوى التعليم لغالبية المواطنين. وترتب على ذلك عدة ظواهر من بينها الهجرة إلى بلاد الغرب وإلى بلدان النفط.

لكن أهم الظواهر المصاحبة لهذه التوجهات، هو تفرغ الدولة للمهام الأمنية واحتكار العمل السياسي، ومصادرة الحريات العامة، وتدمير شبكات التضامن الاجتماعي، وإضعاف منظمات المجتمع المدني، وإضعاف الهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية القبلية والمناطقية والدينية والمذهبية والعرقية وغيرها.

وفي مقابل سكون جبهة المواجهة مع “إسرائيل” من قبل الدول العربية المجاورة، أضحت “إسرائيل” مطلقة اليد في إخضاع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وشنّ الحروب ضد المقاومة الفلسطينية في غزة وعلى المقاومة الوطنية اللبنانية، وهي الاستثناء للقاعدة.

وكثرت المصادمات الحدودية العسكرية والأمنية والسياسية بين الدول العربية، وتلاشت الاتحادات الإقليمية مثل الاتحاد العربي والاتحاد المغاربي، وأضحت الجامعة العربية مجلساً للدردشة، وتمدّدت الولايات المتحدة عسكرياً والغرب سياسياً، بحيث أضحى عدد من الدول العربية شبه مستعمرات.

ولم يستفد العرب وخصوصاً الدول النفطية، من فرصة ارتفاع أسعار النفط بما يتجاوز المئة دولار طوال ثلاثة عقود، لإحداث تنمية حقيقية لها ولأشقائهم العرب، بل بذَّرت عوائد النفط إما في تمويل الحروب كحرب العراق وإيران، أو التسلح، أو الإنفاق العدمي، وما تبقى استثمر في الغرب كعقارات وسندات، وبالطبع مشاريع عقارية عملاقة في بلدان النفط وغيرها.

رياح الربيع العربي انطلقت بشكل مفاجئ للجميع، سواءً الأنظمة الحاكمة أو معارضاتها ومخابراتها وأجهزة رصدها، وكذلك الأمر مع “إسرائيل” والغرب، لتعبر عن رفض حاسم للواقع المتردي الذي وصلت إليه الأوضاع، وخصوصاً الاستهانة بالمواطن العربي، واعتباره شيئاً يمكن التصرف به.

لكن من أهم ظواهر الربيع العربي، ليس سقوط حكومات أو تخلخلها، بل تفكك الدولة العربية نفسها وأجهزتها العسكرية والأمنية والإدارية، أو ضعفها الشديد بحيث خلقت فراغات كان لابد من ملئها.

واليوم عندما نلقي نظرة فاحصة على ما يجري في ليبيا ومصر والسودان واليمن وسورية والعراق ولبنان، وبدرجات متفاوتة، فإننا نلحظ أن الميليشيات الحزبية أو القبلية أو الطائفية أو المناطقية، هي من ملأ هذا الفراغ، وأبرز نموذجين لذلك هما: “داعش” في العراق وسورية والحوثيون في اليمن.

بالطبع هناك خليط من الميليشيات القبلية والمناطقية والإسلامية تتصارع على السلطة والنفط في ليبيا، وتُوّجت بإعلان مدينة درنة إمارة إسلامية داعشية، وهناك كتائب بيت المقدس في سيناء وعدد من المناطق المصرية، وهناك بالطبع كم هائل إلى جانب “داعش” من المنظمات الإسلاموية المتطرفة في سورية، وكذلك أخوات “داعش” في العراق بما في ذلك ميليشيات سنية وشيعية، أما السودان فدور الميليشيات فيه يسبق الربيع العربي، وتفاقم بانقسام السودان إلى شمال وجنوب، لتحتدم حرب الميليشيات ما بين الدنجا والنوير ولتقسم جنوب السودان إلى جنوبين سودانيين كأمر واقع.

وفي لبنان، حيث يتجاور حزب الله مع الدولة في كل مكان، فإن هناك أيضاً ميليشيات كامنة، تظهر إلى السطح وقت الأزمات. أما في تونس فإن الدولة تواجه تنظيم القاعدة في حرب شرسة. وفي اليمن فإن الحوثيين هي القوة الصاعدة، لكن هناك ميليشيات عديدة إلى جانبها أهمها القاعدة وميليشيا حزب الإصلاح وميليشيات الحراك الجنوبي، وهي تتناسل يومياً بحسب التمويل.

وهناك حقيقة جامعة، وهي أن بعض البلدان العربية التي تشهد حروباً بالوكالة كسورية والعراق واليمن ولبنان، أضحت ساحة صراع للنفوذ بين الجارتين الكبريين.

ودور الميليشيات لا يقتصر على بسط نفوذها العسكري على الأرض والأمني على السكان، بل يمتد إلى كل قطاعات الحياة كالسيطرة على الموارد من نفط ومصارف، وعلى حياة الناس بتفاصيلها الصغيرة مثل فرض ما يدعى بالشريعة الإسلامية والتطهير الديني لغير أتباع هذه الميليشيات، سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وأحياناً الأقليات العرقية كالإيزيديين والأكراد والتركمان والشبك وغيرهم في سورية والعراق مثلاً، وفرض نظام تعليمي متخلف، وفرض “الجزية” على غير المسلمين وتدمير المساجد والحسينيات والكنائس والمعابد والآثار الإنسانية.

تمظهر الوجه البشع لهذه الميليشيات في رمزية الذبح بالسكين للرهائن وقتل الأسرى وسبي النساء، وفرض تحوّل غير المسلمين إلى المسلمين بالإكراه. لكن الأخطر هو أن أكبر ميليشيات وهما “داعش” و”القاعدة”، لا يعترفان بأيٍّ من الأنظمة العربية القائمة بغض النظر عن طبيعتها، ملكية أو جمهورية، ديمقراطية أو استبدادية، وكذلك لا تعترف بالحدود القائمة، ولا بالسيادة الوطنية ولا بالعلاقات العربية والدولية. فالدولة الإسلامية (داعش) أعلنت الخلافة الإسلامية لأبي بكر البغدادي، وما دونه من الحكام لا شرعية لهم، وما غير الدولة الإسلامية وهي بلا حدود، فلا شرعية للدول، ولذا فكلما تمكنت الدولة الإسلامية من السيطرة على أرضٍ من المحيط إلى الخليج، تعلن ولاية إسلامية كما هو حال درنة أو الباتنة أو الكويت.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4420 - الإثنين 13 أكتوبر 2014م الموافق 19 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:39 ص

      صح السانك

      هل قدرت الحكومة من سيطرتها على الشوارع ايقاف الحراك وهل سمعتون يا ناس ان الحكومة تحكم بلد بون شعب ادن عطوا الشعب حقوقه المنزوعة والمغتصبه الشعب لن يهدا ولن يترك الشارع وانتم ترون كل يوم الشوارع متعطلة بسبب الحراك اليومى الي الحكومة بجيشها لن تقدر توقف الحراك الله ياخد الحق المسلووووب وقاتل الله الجهل القبلى الي مايخاف من الله

اقرأ ايضاً