العدد 4439 - السبت 01 نوفمبر 2014م الموافق 08 محرم 1436هـ

مدرسة القيم الكبرى

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كما كانت ثورة جدّه المصطفى (ص) مدرسةً للقيم والمثل العليا، كانت ثورة الإمام الحسين (ع) مدرسةً تجدّد الأخلاق في أمة كانت أيامها تشرف على الغروب.

وكما هاجر الرسول من موطنه مكة، نجاةً بدينه وبأنصاره شمالاً، إلى المدينة التي آوته ونصرته من بطش جلاوزة قريش وعتاتها، هاجر الحسين من مدينته لاجئاً إلى مكّة أولاً، ومنها إلى أرض السواد شمالاً، لحماية الرسالة وتصحيح التاريخ. كان الحكم الأموي قد بعث عشرين إرهابياً متخفياً وكلّفهم بقتله حتى لو كان متعلقاً بأستار الكعبة. لم يكن للحكم حرمةٌ لدمٍ أو حرمةٌ لحَرَم.

هذه الحركة صحّحت مسار التاريخ، وأعادت الاعتبار للإسلام باعتباره رسالةً لإنقاذ الإنسان. جهود الرسول (ص) والمهاجرين والأنصار وتضحياتهم الكبرى على مدار ربع قرن، كانت في مهب الريح، بعدما استعادت قوى الثورة المضادة مواقعها، وتسلل أقطابها ثانيةً إلى مواقع النفوذ والحكم. والإسلام الذي جاء لإنقاذ البشر من عبودية البشر والسجود للأصنام، انتهى بعد نصف قرن إلى وصول حاكمٍ متهتكٍ إلى سدّة الخلافة، وكان أول شروطه أن يبايعوه كعبيدٍ. كان شرطاً قد يقبله العبيد، أما الأحرار فدونه قطع الأعناق.

هذه القافلة كانت تضمّ نخبة النخبة من الأحرار. وكما كان صحابة محمد (ص) موزّعين على عددٍ من القبائل والأقوام، كان أصحاب الحسين (ع) موزّعين في الأصول والإنتماءات، يجمعهم حبّ الحقّ وأهله، والتفاني في الدفاع عنه، وإرخاص الأرواح في سبيل الأخلاق والمثل العليا التي بُعث محمدٌ (ص) لإتمامها.

هذه القافلة الصغيرة التي ظلّت تسير على جبهة الدهر، لترسم للعالمين حدود الكرامة في الأفق، ضمّت مئة وخمسين، من النساء والرجال، والشيوخ والشباب والأطفال، جمعتهم نصرة الحق والحقيقة، من أباة الضيم وطلاب المجد والعز. كثيرون لم يفهموهم في عصرهم، وكثيرون لن يفهموهم في القرون التالية حتى يومنا هذا. كانوا يعرفون ما يريدون، ولم يكن من بينهم من لم يحسن تقدير العواقب. وحين عرض عليهم الحسين (ع) في الليلة الأخيرة التحلّل من بيعته والخروج من دائرة الخطر، أبوا جميعاً إلا مرافقته حتى الرمق الأخير. كانوا نوعاً عجيباً وفريداً ونادراً من الثوار.

في هذه المدرسة التي جدّدت روح الإسلام وحيويته، في وجه إسلام القصور، ستجد الكثير من النماذج التي يفخر بها الإسلام. على رأس القائمة الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي (رض)، الذي كان يعيش للقِيَم، وكان يتطلع إلى الشهادة في سبيل الله، فلم ينلها في حروب الإسلام على التنزيل والتأويل، حتى أدركها في كربلاء. كان شيخاً كبيراً في الخامسة والسبعين، ولكن قلبه ظلّ قلب شابٍّ ممتليء بالحماس والعنفوان.

في هذه القافلة، تلتقي بجون مولى أبي ذر (رضي الله عنهما)، الذي لازمه حتى وفاته جائعاً منفياً في صحراء الربذة، لأنه احتج على الانحرافات المالية في الدولة الإسلامية في بداياتها. ثم انتقل ليعيش في كنف عليٍّ وأبنائه حتى انتهى بهم الأمر في كربلاء. وفي الليلة الأخيرة أذن له الحسين (ع) بالإنصراف من المعركة الوشيكة، بقوله: «إنما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتلِ بطريقتنا». فبكى وقال قولته الشهيرة: «أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟ والله لا أفارقكم حتى يختلط دمي مع دمائكم»، وأبى أن يعيش إلا عزيزاً، وتجلّى الكفاح وهو صريع.

كانوا قلةً قليلةً ونخبة النخبة، في عالمٍ إسلامي مترامي الأطراف، متراخي القوى، خائر الإرادة... ولن تجد في هذه المدرسة التي جدّدت روح الإسلام إلا الأحرار.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4439 - السبت 01 نوفمبر 2014م الموافق 08 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 9:41 ص

      كربلاء

      تجلت فيها معاني كالتسليم لله عز وجل والطاعة بكل إيمان ورحابة صدر والتسليم لولي الله , لأن القتل والتقطيع والتمثيل بأنصار الحسين كان أمر متيقنا ومفروغا منه ,فدولة بني أمية سبق وأن نكلت بأنصار علي والحسين عليهما السلام في الكوفة ومثلت وسحلت في الأسواق كما فعلت برسول الحسين مسلم وغيره من الشهداء , فسلام على الرافضين لدولة بني أمية .

    • زائر 23 | 9:15 ص

      الفهم الصحيح

      يزيد لا يرى في الحسين ع العصمة والأحقية في خلافة المسلمين , وقد ورث الخلافة عن أبيه وأخذ خلافة المسلمين على أنها وراثية وكما فعل أبوه من قبل .
      وقد سبقوه من قبل بهذا الأمر .
      فالمسؤولية والخطأ يتوزع ويقع على من تجرء وتصدر لهذا الأمر وهو جعل إلاهي وليس بإختيار الناس .

    • زائر 22 | 8:30 ص

      أين المشكلة ؟؟

      المشكلة من البداية لم يعرف المسلمون ما هي الخلافة ؟ كانو يعتقدون أن هذه المسؤلية والمنزلة يستطيع أي شخص أن يتقلدها وأن يشغل هذا الدور العظيم .
      أنت تتكلم عن الدولة الإسلامية التي يسبقك في قيادتها أعظم إنسان خلقه الله وهو محمد ص آله .
      فهل يصلح أن يديرها غير العترة الطاهرة الأئمة المعصومين ؟؟
      فالخلل كان من البداية عدم معرفة المقام والعصمة التي أنعم بها الله عز وجل على محمد وآله الطاهرين , وهذا يدل على عدم الإيمان بعصمة النبي , ولذلك خالفوه .

    • زائر 21 | 6:33 ص

      الأمويين و التاريخ المجيد

      لقد بنى بني أمية دولة عظيمة و تاريخ مجيد

    • زائر 19 | 5:55 ص

      ابو حسين

      السلام على سيدي ومولاي سيد شباب أهل الجنة وسبط وحبيب الرسول الاعظم
      وابن سيدتي فاظمة الزهراء سيدة نساء العالمين وابن الامام على ابن ابي طالب
      بطل الاسلام الاول اما قياس ان بني امية استطاعوا ان يبنوا امبراطورية التتار والمغولي كذلك استطاعوا ان يبنوا امبراطواريات حكمت اقوى واكبر من الامويين ولكن هل اقامت العدل والاسلام المحمدي الصحيح والعدالة ام اقامتها على جماجم الشعوب..الاسلام دين الحق والعدل والانصاف

    • زائر 18 | 4:28 ص

      حب الإمام الحسين ع 1158

      حب آل البيت عليهم السّلام لا يختلف عليه المسلمين جميعاً هذا ما أمرنا به الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آل بيته وأصحابه ولعن كل من شارك وأمر وأععان في قتله ولعن الله كل من لم يستنكر هذه الفاجعة العظيمه هذا متفق عليه بين السنة والشيعة أما التعبير عن الحزن فكل طائفة تختلف في هذا فقط على حسب تاريخها

    • زائر 15 | 1:30 ص

      الحسين شمعة لا تنطفئ في قلوب المؤمنين

      الحسين شمعة لا تنطفئ في قلوب المؤمنين

    • زائر 12 | 1:52 ص

      (حسين مني وأنا من حسين ) صدق رسول الله

      كادت السياسة ان تحرف الدين عن مساره وتغير بوصلة الاسلام وجعله امبراطورية بعد ان كان رسالة سماويّة ولولا تدخل الامام الحسين بدمه ودماء اهل بيته وصحبه الكرام لضاع الدين لذلك هذا الحديث الصحيح كانت ثورة كربلاء مصداقا له

    • زائر 11 | 1:49 ص

      لم يبقى من الدين الا صبابة = لذلك ثار الامام الحسين

      حين يصبح الدين لعق على السنة الناس وحين يتولّى على امور المسلمين من هو ليس اهلا لها حينها لا يمكن لحفيد الرسالة ومن اختاره الله لهذه المهمّة ومن بكى عليه الرسول الاكرم لإعادة بوصلة الدين الى مكانه وبدل ان يصبح الادعياء هم قادة الأمّة فيوردونها موارد التهلكة ويضيع الدين وينظر البعض الى الدين بانه فتوحات ومكتسبات مادية فقط

    • زائر 10 | 1:39 ص

      امبراطورية قائمة على الظلم ومحاربة الاسلام

      ولولم يقم الامام الحسين عليه السلام بثورته لاندثر الاسلام باكمله لذلك قال الامام علي ابن الحسين لاحد الشامتين به والقائلين بانتصار يزيد قال له انتظر الأذان وستعرف من المنتصر فبقاء الاسلام وبقاء بعض قيم الاسلام كان بفضل دماء الحسين وشهادة الامام الحسين كانت خطة الهية مرسومة من قبل السماء لذلك حديث حسين مني وانا من حسين حقيقته ان بقاء صوت الاسلام بفضل دماء الحسين والا فأمثالك يمكن ان يتنكروا للاسلام

    • زائر 8 | 12:49 ص

      وانتصر الدم على السيف

      قتلوا الحسين عليه السلام بسيوفوه وقتلوا أولاده وإخوته وسبوا نسائه وأطفاله ولكن أحياه الله تعالى في قلوب محبيه وشيعته في كل أنحاء العالم وأصبح عشق الحسين أجمل عشق هذا العشق الأبدي أما من قتله فلقد لفظهم التاريخ وهم شرار القوم وأسوأهم وستبقى ثورة الحسين شعلة نابضة لا تنطفئ أبدا فداك نفسي يا أبا عبد الله ولا يشعر بمصيبتك إلا من يجري دمك في عروقهم

    • زائر 7 | 12:32 ص

      مدرسة الاحرار

      كانت ومازالت وستبقى.

    • زائر 6 | 12:32 ص

      امنت

      آمنت بالحسين (ع)

    • زائر 5 | 12:26 ص

      رغم كل مساؤهم

      رغم كل مساؤهم الا ان بني أمية استطاعوا ان يبنوا امبراطورية عربية عظيمة حكمت من الصين الى الأندلس بينما لم يستطع اعدائهم من تشييد حتى مدينة واحدة

    • زائر 9 زائر 5 | 1:08 ص

      هذه هي الحقيقة

      هل تعرف من هم اعداء الامويين؟ النبي محمد ص واهل بيته والصحابة العظام واهل المدينة الذين قتلهم جيش يزيد بن معاوية واستباح مدينتهم واعتدى على اعراض نسائهم.هذا هو التاريخ الاسود لاسيادك الامويين يا اعمى البصيرة.

    • زائر 13 زائر 5 | 1:55 ص

      خخخخ

      أين مدن بني أمية الآن؟؟
      وانظر الى مدن آلِ الرسول تزهو على بقية مدن الارض حتى هذا اليوم

    • زائر 16 زائر 5 | 2:01 ص

      قليلا من التعقل وبعيد عن التعصب الاسود وحقد ال بيت الرسول

      الاميون بنوا مدن الخراب والجماجم والدماء
      يا من تتبجح بهذا المنطق الأعوج هل درست تاريخ الحضارات والمدنية ..هل قيم المنحطة بنت حضارة أو مدنية..لماذا تعيبون على المستعمرين والصهاينة ..روح الق نظرة من كوكل على فلسطين المحتلة وشوف العمار والازدهار في العمران عند الكيان اللقيط الصهيوني هل تسمى هذا تمدن أو تحضر والتي اقيمت على القتل والنهب والابادة والاستحمار..بربك انصف شوية وتخل عن خلفيات التعصب المذهبي الذي يعميك عن تشخيص الحق عن الباطل
      هل سياسة الغلبة التي ترونها شرعية او تصبغون عليها سمة الشرعية

    • زائر 17 زائر 5 | 2:07 ص

      لان الامام علي

      لان الامام علي قتل اباءهم في واقعة بدر

    • زائر 20 زائر 5 | 6:32 ص

      رحم الله الأمويين

      رحم الله الأمويين الذين اسسوا الحضارة العربية و الاسلامية و فتحوا الأمصار و ادخلوا العديد من الأمم في الاسلام بينما لم نعرف ان اعدائهم فتحوا بلد واحد او اسسوا مدينة واحدة

    • زائر 3 | 11:39 م

      مأجور يا سيد

      ملحمة قصيرة في وقتها ولكنها خالدة في معناها معركة بكى لأجلها كل شرفاء العالم من كل الديانات ملحمة محفورة في قلوبنا ملحمة تجسد كل نعاني التضحية والشجاعة والحق ومقاومة الظلم والعبودية وكلنا فخراً نحن شيعة الحسين أن نعظم ونحيي هذه الشعائر العظيمة رغم أنف الحاقدين الذي أعماهم الحقد وجعلهم يهلوسون ويفقدون أعصابهم أليس الحسين حفيد من تدعون أنه نبيكم تباً لكنم وسيبقى الحسين في قلوبنا حتى قيام الساعة ومأجورين يا أحفاد وشيعة الحسين

    • زائر 2 | 11:07 م

      غريب الرياض

      سلام الله على الحسين. نحن مع الحسين، اختار انت أين تكون؟ الحب و الاقتداء بالاعمال، ال أمية و اولادهم الباقين و ما أكثرهم الى الان يقاتلون فمر الحسين و جده و ابيه

    • زائر 1 | 10:34 م

      خاطرة حسينية

      الحسين ع قام على ظلم قائم عام وخطير على مصيرة أمة والثورات التي أتت بعده انتهجت نفس النهج فطريا وشرعيا ، كالصدر وروح الله روا لابد من بدل الروح والنفس في سبيل الحرية و العزة ... ولكن قد يتعايش الأنسان مع ظلم نسبي مع محاولة تغييره .. و لكن لا يصح أن تعيش حالة الظالمة الحسينية في سبيل جبر الحاكم على الظلم بممارسات وشعارات و مواقف لا تحسب عواقبها .. ولنا بعمان والكويت مثالا على العدل النسبي و التعايش السلمي المطلوب شرعا وعرفا دون الحاجة للشعور بالظلم ثم المقاومة ...

اقرأ ايضاً