العدد 4443 - الأربعاء 05 نوفمبر 2014م الموافق 12 محرم 1436هـ

أسماؤنا الصَّحراءُ واسمكَ أخضرُ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أطفأ الحسين بن علي بن أبي طالب شمعة «عمره» الـ 1333.9 أو لتقل 1432 حتى. وهي مفارقة بها عَجَبٌ ليس بقليل. إذْ كيف لذكرى «موت» مادي يتم إحياؤها لشخص «حَي» معنوياً وليس كما دَرَجَت العادة لأناس أحياء أو لمواقيت ميلادهم! ثم إنها ذكرى مضى عليها ومنذ يوم الثلاثاء، التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 680، ولغاية الآن 486870 يوماً، فكيف تبقى لغاية الساعة وكأنها نُحِتَت في جبل أشَمْ؟

هذا الأمر ضمن ما يعنيه أن الحَدَث ليس بأمر عادي، وأن صاحبه مختلفٌ أيضاً. بل حتى لفظة عاشوراء أو عَشُوراء كتعريف لليوم العاشر من المحرم «لم يُسمَع في أَمثلة الأَسماء اسماً على فاعُولاءَ إِلا أَحْرُفٌ قليلة» كما جاء في لسان العرب، وهو ما يعطي عنوان المناسبة ومُعنوها تلمظاً بذات المنسوب وحدِّ الكَتِف.

كما من الأشياء اللافتة في هذه المناسبة ارتباط المفردة (عاشوراء) بأحد أشكال التراجيديا في الحدث ذاته (الظمأ مثلاً). فقد جاء: «العرب تقول ورَدت الماء عِشْراً» ضمن تفسيراتهم لـ كلمتَيْ تاسوعاء/ عاشوراء و»قال ابن بري: لا أَحسبهم سموا عاشوراء تاسوعاء إِلا على الأَظْماء نحو العشر لأَن الإِبل تشرب في اليوم التاسع وكذلك الخِمْس تشرب في اليوم الرابع» كما جاء في اللسان أيضاً. وفي هذا أمر آخر على أن في الحدث أموراً لافتة فعلاً.

انتفاء عاديَّة الحدث وصاحبه بالسواء، يعني أنه متفرّدٌ في أصله، لأن العاديَّة تعطي للشيء حجمه، أما التفرد فيعطيه قيمته، ضمن توصيف الكاتب المسرحي والشاعر الآيرلندي المرموق أوسكار وايلد (1854 – 1900). وقيمة الأشياء كما نعرف هي متعلقة بالغايات الذاتية أو الخارجية، وكمُوجِّهة لسلوك البشر كونها حقيقة أساسية فيهم.

أمر آخر يجب أن يُذكَر هنا، وهو أن قضية الحسين (ع) من أول لحظة لها لم تكن شخصية، ولا عرقية، ولا طائفية، ولا تختص بدينٍ عن آخر؛ فمن قُتِلَ مع الحسين في معركة عاشوراء، لم يكونوا فقط من بني هاشم وآل البيت (تسعة من أولاد الإمام علي، وأربعة من أولاد الإمام الحسن، وثلاثة من أولاد الإمام الحسين، واثنا عشر من أولاد عقيل بن أبي طالب، وأربعة من أولاد عقيل بن أبي طالب كما دوَّنت بعض المصادر) بل هم من أمصار وأعراق وأديان مختلفة.

فهم أولاً، ينتمون إلى خمسة أمكنة مثلت نواة العالم الإسلامي ومهده الأول، وهي الحجاز واليمن والشام والعراق فضلاً عن إفريقيا. أي بحساب اليوم، فإنهم ينتمون إلى رقعة جغرافية تمتد إلى 33.523.984 مليون كيلومتر مربع. كما أن عدداً ممن قُتِل في تلك المعركة كان مسيحياً كوهب بن عبد الله بن جناب الكلبي ووالدته. ولم يكونوا كلهم من العرب بل إن بعضهم من الأعاجِم كجون مولى الصحابي أبي ذر الغفاري.

ولم يكونوا كلهم من قبيلة واحدة، بل إن هناك سبعة عشر لكل من التميميين (بني تميم) والأسديين العدنانيِّين (بني أسد) وثلاثة عشر من الكِنْديين اليمانيِّين (بني كِندة) واثني عشر من الهوازنيين القيسيِّين المُضريِّين (بني مضر) وستة من المِذْحجيين اليمانيين (بني مِذحج) وقبائل أخرى من مناطق الحزام الجغرافي الممتد للعراق والحجاز والشام واليمن.

كما لم يكونوا كلهم من الأحرار، بل إن كثيرين كانوا عبيداً وموالي بمنطق ذلك الزمان، كـأسلم التركي والحارث بن نبهان ورافعُ والسَّالِمَيْنِ والسَّعدَيْنِ وشبيبٌ وشَوذَبٌ وقاربٌ ومنجحٌ ونصرٌ وواضحُ الرومي. بل إن بعضاً من مصادر التاريخ ذكرت بأنه وحين أحصِيَت الرؤوس كان من بينها 14 رأساً لعبيد من الكوفة وحدها كانوا قد قُتِلوا مع الحسين (ع).

كما لم يكن مَنْ قُتِلَ مع الحسين في هجير يوم العاشر من أعمار واحدة، بل كان منهم الأطفال واليافعون والشباب والكهول أيضاً، كما مع حالة حبيب بن مظاهر الأسدي على سبيل المثال. ولم يكونوا كلهم من حقبة زمنية واحدة، بل إن بعضهم كان صحابياً جليلاً أدرك النبي محمد (ص) كمسلم بن عوسجة الأسدي، وأنس بن الحارث الكاهلي.

ولم يكن جميع أنصار الحسين من الخط الهاشمي العَلَوي كي يقال بأنها معركة آل البيت، بل كان بعضهم ينتمي إلى غير ذلك بمنطق ذلك الأوان، كما هو الحال مع زهير بن القين الأنماري الذي كان مدافعاً عن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان (رض)، أو الحلاس والنعمان بن عمرو الراسبيَّيْن، والحر بن يزيد الرياحي التميمي الذي كان ضابطاً كبيراً في الجيش الأموي، تحت إمرة عبيدالله بن زياد الذي كان والياً على العراق حينها.

أمام هذا كله، نصل إلى نتيجة أن الحسين ليس مُلكاً لأحد، ولا لجغرافيا مُحدَّدة، ولا لعرق ولا لدين ولا لطائفة ولا لحقبة ولا لِجيل، بل هو للجميع ومن أجل الجميع. وفي هذه أيضاً دلالة، على أنه حالة إنسانية تناصر العقل على الجهل، والعاطفة على القسوة، والعدل على الظلم، والحق على الباطل، وهي عناوين إنسانية مشتركة لجميع البشر بلا استثناء.

هنا، أتذكر الأبيات الخالدة للشاعر المصري المبدع أحمد بخيت التي تَصِف اتساع الحسين حقاً وحقيقة عندما قال:

أسْماؤُنا الصَّحراءُ واسْمُكَ أخضرُ

أَرِنِيْ جِراحَكَ كُلُّ جُرْحٍ بَيْدَرُ

يا حِنْطَةَ الفقراءِ يا نَبْعَ الرِّضا

يا صَوتَنا والصَّمْتُ ذِئبٌ أحْمَرُ

يا ذبْحَ هَاجَرَ يا انْتِحَابَةَ مَريمٍ

يا دَمْعَ فاطمةَ الذي يَتَحَدَّرُ

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4443 - الأربعاء 05 نوفمبر 2014م الموافق 12 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 2:16 ص

      الحسين (علية السلام) ...

      ذكرت الأمام الحسين (علية السلام) تسع مرات, ولم تسلم عليه الا مرتين, وشكراً.

    • زائر 11 | 6:34 ص

      شكرا استاذي

      تجلت في واقعة الطف الإنسانية في صورتيها
      المتناقضتين
      فاسلام عليك يا أبا عبدالله يا من عرفتنا معنى التضحية والفداء والرحمة وسمو الأخلاق

    • زائر 10 | 2:12 ص

      مقال رائع

      أحسنت أستاذنا العزيز مقال أكثر من رائع..

    • زائر 9 | 1:15 ص

      في ميزان حسناتك

      مقال رائع يا زميل

    • زائر 4 | 12:01 ص

      قاتل الله الحهل

      ويش تسوي مع هالجهل؟!! تقول ليهم رسول الله ص يقول حسين مني وأنا من حسين ويقول الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ويقول ويقول ويقول يجي لك واحد مثل هالأخ المعلق 1 و 2 يقول لك الحسين خرج عن إجماع المسلمين!!! ولك أي مسلمين؟! المسمى خليفة المسلمين يزيد الفاسق الفاجر قاتل النفس المحترمة اللاعب بالطنبور والقرود ومثل الحسين لايبايع هكذا خلفاء كما تسمونهم!! فهمت لو أزيدك يا أخ العرب؟!!

    • زائر 2 | 11:27 م

      اكتب في شيء سياسي

      اكتب في شيء سياسي يفيد الناس أفضل

    • زائر 3 زائر 2 | 11:45 م

      لا

      الكتابة عن الحسين في أيامه أفضل من براثن السياسة وكذبها

    • زائر 6 زائر 2 | 12:15 ص

      كيف ؟

      أنا استغرب من بعض الناس.. يريدون الكاتب أن يكتب كما يحلو لهم وليس كما يرى.. الكاتب طرح موضوعًا قيمًا فيأتي شخص ويقول اكتب في السياسة يفيدالناس، وذات البعض اذا كتب الكاتب في السياسة يقولون اترك السياسة ما تنفع.. يعني فعلًا عقول بطيخ.. يا أخي نحن كقراء نقرأ للكاتب نتفق او نختلف معه.. لكن في التعليقات لازم نحط شي نافع وليس شخصي.. وتعليقي على المقال أقول أن جميع قتلة الحسين عليه السلام حجازيين وشاميين ومرتزقة من أهل الكوفة بعد حصار الأنصار، وهذا هو الدرس اليوم.. احفادهم داعش يقتلون الأمة

    • زائر 7 زائر 2 | 1:02 ص

      زائر رقم 2 يؤلمك الحديث عن أهل بيت النبي وذلك له دلائله

      نعم أي حديث عن النبي وأهل بيته يؤلم البعض وهذا امر معروف ....

    • زائر 8 زائر 2 | 1:06 ص

      السياسة نجاسة فطهر نفسك عنها

      اسأل عن دينك حتى يقال لك مجنون ، مجنون الدين افضل من مجنون السياسة والتعاسة والنجاسة ، الا ان تقيم عدلا ودحض باطلا ،هل تستطيع ذلك في هذه الايام الردية ؟؟

    • زائر 1 | 10:09 م

      مهمايكن

      الحسين خرج عن إجماع المسلمين هل التفكير السطحي أدي للفتنه بين المسلمين

    • زائر 5 زائر 1 | 12:13 ص

      مهما يكن.. خرج الحسين عن الاجماع

      أخي زائر رقم 1 .. ابغي انقل لك محاضرة للصحفي سعيد محمد من صحيفة الوسط قبل أيام اعجبتني.. قال بما معناه، لنسقط نهضة الإمام الحسين عليه السلام على واقعنا المعاصر ولنترك التاريخ قليلًا.. ألا نجد أن انتصار الدم على السيف يتحقق اليوم في بقاء مباديء الإسلام التي ضحى من أجلها الحسين وأصحابه عليهم السلام؟ ذلك أن التاريخ الأموي عبث في الإسلام وفي كل شيء، فإرادة الله سبحانه جعلت العالم اليوم كله يهتف ياحسين.. والتفكير السطحي الذي تفضلت بالإشارة له والفتنة هي فتنة الدولة الأموية ...

اقرأ ايضاً