العدد 4446 - السبت 08 نوفمبر 2014م الموافق 15 محرم 1436هـ

عاشوراء البحرين 1436 هـ

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في صباح أول أيام محرم الحرام، سألني صديق قديم لم ألتقه منذ سنوات، في لقاء عابر، وكان أول سؤال: ماذا تتوقع أن يحدث هذا العام؟ فأجبته: لن يحدث شيء بالشارع إلا إذا أرادت السلطة، فالناس في عاشوراء تميل للتهدئة والاهتمام بالموسم الديني. وأضفت: «لو تُرك القطا لنام».

وبالفعل، طوال عشرة محرم، لم تُسجّل أية تصعيدات من قبل الشارع، إلا ما كان من ردود فعل من قبل السلطة، على أفعال عادية اعتبرتها هي هذا العام غير عادية. فمنذ طفولتنا ونحن نشهد مظاهر إحياء ذكرى محرم، ولم يحدث أن احتجت السلطة أو مناصروها على مثل هذه المظاهر، إلا ما كان منها بعد أن أصبح صدرها يضيق بوجود الآخرين. وكان إحياء ذكرى عاشوراء خصوصيةً بحرينيةً طالما اعتبرت من أبرز علامات التسامح والأخوة والانفتاح في هذا الوطن الحبيب. وهذه القيم الأصيلة في تراجع يشهد به الجميع، خصوصاً مع ظهور تيارات متشددة منغلقة تذهب إلى تخوين الآخر وشتمه يومياً في الإعلام، وأسبوعياً في خطب الجمعة، وحتى تكفيره.

عاشوراء 1436 استبقته وزارة الداخلية بإطلاق تحذيرات «من تسييس هذه المناسبة الدينية»، ويبدو أنها كانت خاضعةً لهواجس كبيرة. وهي تحذيراتٌ لم يكن لها مبرر، بالنسبة لمن يعرف الساحة، فالموقف من الانتخابات قد حُسم قبل أسابيع، بإعلان المعارضة مقاطعتها، ولم يكن لفعاليات محرّم أن تضيف شيئاً آخر.

في هذا العام، سُجّلت مبكراً حالات استدعاءٍ لعددٍ من الخطباء والرواديد (منشدي المواكب الحسينية)، على هاجس ما قد تتضمنه خطاباتهم من انتقادات للوضع السياسي (أوقف أحد الخطباء بسبب انتقاده لسياسة «التمييز» الذي تؤكد وجوده المعارضة ولا تنفيه الموالاة).

ومن الأيام الأولى، تم استهداف مجموعة من المضايف، التي تقدم الطعام والشراب للمعزين وروّاد المجالس الحسينية والضيوف. كما استهدفت بعض مظاهر التعزية في خمس عشرة منطقة، مما اعتبره كثيرون مسّاً بحرية العقيدة وما تسالم عليه الناس من تقاليد ترعاها السلطات بموجب الدستور. هذا الأمر دفع كبار العلماء إلى إصدار بيان أدان التعدي على مراسم عاشوراء»، ووصف ذلك باعتباره «ممارسات خطيرة ومنكرة».

ومنذ بداية محرم، حدثت احتكاكات بين قوى الأمن والشباب الذي يقوم برفع الرايات واليافطات الدينية، في مثل هذا الوقت من كل عام، إلا أن السلطة كانت متحسّسةً أكثر هذا العام، ربما بسبب الأوضاع الإقليمية الملتهبة، أو بسبب إعلان مقاطعة الانتخابات.

عند مداخل العاصمة هذا العام، وفي تقديري الشخصي، كانت الإجراءات الأمنية مخفّفة، مقارنة بالأعوام السابقة، فلم نشاهد عمل حواجز في الشوارع وحالات توقيف لشبان عائدين من المنامة إلى مناطقهم في الضواحي كما كان يحدث سابقاً. ورغم ذلك فإن الشيء اللافت، هو ما يشبه حالة الاستنفار في الليالي الأخيرة عند باب البحرين، بوجود أعداد كبيرة من سيارات ورجال الأمن والمدرعات، بشكل لافت وغير مسبوق.

فعاليات عاشوراء تجري في قلب المنامة القديمة، حيث تزدحم بالعدد الأكبر من المآتم والحسينيات، وتسير المواكب الضخمة في مساحة لا تزيد عن كيلومترين مربعين. وفي الليالي الخمس الأخيرة يتدفق عليها ما لا يقل عن مئة وخمسين ألفاً، من مختلف مناطق البحرين، وتكون الذروة ليلة عاشوراء. وهو ما يخلق مشكلة زحام للمركبات، وصعوبة الحصول على موقف لآلاف السيارات، رغم إعلان البلديات تعاونها بفتح مواقف إضافية. وكنتَ تشاهد أحياناً رجال المرور يسجّلون مخالفات للسيارات التي تتوقف على الأرصفة مثلاً، أما في هذا العام فلم أشاهد شخصياً مثل ذلك، وهو يُسجّل للداخلية كمراعاةٍ لظروف الموسم الاستثنائية. والمؤكد أن الأمر ليس تصرفات فردية، وإنما وفق نظام وتوجيهات.

حملة الإمام الحسين (ع) للتبرع بالدم استمرت للعام السادس عشر على التوالي، وحصدت عدد 550 وحدة دم، وهي حصيلة عشر ساعات من الواحدة ظهراً حتى الحادية عشرة مساءً. وهي أكبر حملة من نوعها (هناك أربعون حملة أخرى تتوزع على مناسبات دينية مختلفة)، ونجاحها الكبير يعود إلى وعي الجمهور وجهود المنظمين المتطوعين، وتعاون وزارة الصحة.

هذا النجاح شجّع بعض وزارت الدولة ومؤسساتها، فضلاً عن بعض الشركات الخاصة، على تنظيم حملات جمع تبرع للدم لمنتسبيها. وهي مأثرةٌ مشتركةٌ نفخر بها جميعاً كشعب عربي مسلم محب للخير.

الفعاليات الفنية استمرت هذا العام، فافتتحت «جمعية المرسم الحسيني» أبوابها للفنانين والفنانات على مدى عشرة أيام، وخصصت زاوية للأطفال. واستمر الفنان عباس الموسوي في تقديم بعض الفعاليات واللوحات والتصوير لعدد من الفنانين والمصورين في معرضه الخاص بالمناسبة. كما استمرت جمعية التوعية الإسلامية في تقديم أنشطتها وفعالياتها الثقافية ومن بينها النشاط الخاص للجاليات، حيث تستقبل الأجانب، وتعرض مجموعةً من الكتب التعريفية المترجمة بخمس لغات. ويبدو أن هذا النشاط يقابله البعض ممن يريد احتكار الوطن، بمزيدٍ من عدم الارتياح، لرغبته في عدم مد جسور المحبة والتعارف والتفاهم مع الوافدين والمقيمين من الجنسيات الأجنبية.

الأجانب لهم حضورهم في هذا الموسم، من قبل ومن بعد، وكان حضورهم لافتاً هذا العام، وهم يتفاعلون مع المشهد العام، ويُقبِلون على المضايف والفعاليات دون عقد أو حساسيات. كما أن لهم حضوراً آخر، يتمثل في العمال الآسيويين المكلّفين بالنظافة، حيث يقومون بجهد كبيرٍ ومشكورٍ للحفاظ على نظافة الطرقات المزدحمة بالمعزين. وقد لوحظ تحسن مستوى النظافة هذا العام بفعل اهتمام شركة النظافة والبلديات، بالإضافة إلى تحسّن مستوى الالتزام بقواعد النظافة لدى نسبةٍ جيدة من الجمهور، وهي نسبة ستزداد لو اهتم الخطباء بتضمين خطبهم إرشادات في هذا الخصوص، فمثل هذه المناسبة الدينية تحتاج إلى اهتمام أكبر، خصوصاً أنها احتفاء بذكرى سيد الشهداء. كما ستتحسن النظافة عموماً لو اهتم كل مضيف ومأتم بتعيين عدد من الشباب في تنظيم المساحة المحيطة به، فمثل هذا المجتمع يتبنى مفهوم «خدّام الحسين»، وليس في تنظيف الشوارع وواجهات المآتم أي عار، بل هو شرفٌ للمؤمنين بهذا الفكر الإسلامي الأصيل.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4446 - السبت 08 نوفمبر 2014م الموافق 15 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 8:09 ص

      الحسين مصباح هدى

      الحسين لكل المسلمين نعم وللإنسانية نعم , ولكن لا يجتمع حب الحسين ع وحب يزيد ودولة بني أمية , أو أن أقول بأني أتبرأ من فعل يزيد وأنا أظلم .

    • زائر 13 | 4:44 ص

      يمكن ما تدري

      انا واحد عطوتي مخالفة مع ان سيارتي كانت بعيد عن الشارع

    • زائر 12 | 4:29 ص

      موسم ناجح

      ابداااااااع بحراني
      في الخطباء
      في الرواديد
      في المرسم
      في المضايف
      في المجسمات
      في السواد
      في العزاء
      في الماتم
      كل شعب البحرين يذوب في حب الحسين ع

    • زائر 11 | 3:05 ص

      عاشوراء البحرين وكل أنحاء العالم

      نعم لقد شهدنا وشهد كل محبي الحسين عليه السلام في العالم بأسره هذه الملحمة العظيمة وسطروا أروع مطاهر الولاء لسيد الشهداء وهذا فضل من الله تعالى ومها حدث من مضايقات فهي لم تؤثر على محبي الحسين في البحرين بل أدوا هذه الشعائر بكامل وجدانهم ولكي نكون منصفين لا ننسى تعاون رجال الأمن والمرور والصحة والبلديات في إحياء هذه المناسبة فلسنا مممن بنكر الجميل ولابد من إظهار الإيجابيات قبل السلبيات وشكرا لك يا سيد

    • زائر 9 | 2:45 ص

      هؤلاء حالهم حال المجرمين الارهابين الذين يؤدون زوار ابى عبدالله الحسين في كربلاء

      هؤلاء حالهم حال المجرمين الارهابين الذين يؤدون زوار ابى عبدالله الحسين في كربلاء

    • زائر 8 | 12:57 ص

      سنابسيون

      سيد حبيبي ما شفت المخالفات مال يوم عاشر في السنابس بالهبل مساكين الناس وياريت بعد وقوفهم فيه شي الا مافيه شي كلش وعنا احنا راضين الناس توقف صوب بيوتنا وفوق ارصفتنا لكن المرور شافها فرصه ذهبيه يكسب من وراها عشان چدي ما ضل احد ما عطاه مخالفه حسبي الله عليهم

    • زائر 7 | 12:50 ص

      يحسبون كل صيحة عليهم

      هذا حالنا في محرّم كل الآيات التي تتحدث عن الظلم والظالمين اصبح من يتناولها والحديث عنها وشرحها محط للاستدعاء من قبل مراكز الشرطة للتحقيق في نوايا الناس ولماذا قرأوا هذه الآيات

    • زائر 6 | 12:47 ص

      أصبح الآيات القرآنية والاحاديث النبوية محط استدعاء لبعض الخطباء

      هناك بعض الخطباء استدعوا لأنهم قاموا بتلاوة بعض الآيات القرآنية والتعقيب عليها وكما يقول المثل اللي على راسه بطحها يتحسسها

    • زائر 5 | 12:08 ص

      الله ..

      كل عام يمر علينا شهر محرم الذي فاز وربح من استلهم الدروس والعبر واستفاد لحياة افضل ع جميع المجالات , لكن المشكله ف بعض الناس يمر عليهم شهر محرم مرور الكرام دون استفاده ولو بالقليل , الحمد لله اللهم باسم الحسين عليه السلام فرج لنا ولجميع المهمومين والمحرومين والمستضعفين بالارض يارب يا كريم .

    • زائر 4 | 11:40 م

      المخالفات

      شكلك سيد مارحت صوب الكنيسة عشان تشوف اشلون يتم. توزيع المخالفات بالهبل على كل السيارات الواقفة هناك .. مع ان الوقوف في هذه المنطقة. معروف ويتم بصورة يومية الا انه في ليالي التحاريم وتحديدا من ليلة السابع من. محرم اصبح مخالف لكن هذا مامنع الناس من الوقوف في منطقة يستخدمونها يوميا لتوقيف مركباتهم.. المرور كسب واجد من هذا الجانب ..يالله المخابي الخلية تترسها مخالفات المرور الغبية

    • زائر 2 | 9:43 م

      غريب الرياض

      شفت بعيني رجل مرور يسجل مخالفات لسيارات المعزين في المنامة، بينما لو كانت السيارات في نص الشارع بسبب صلاة الجمعة في مساجد الآخرين، مستحيل يخالفهم.
      قلق الحكومة و اجراءاتها الأمنية و ضيق صدرها غير مبرر، فالدواعش و الاٍرهاب انتاج للفئة الاخرى، بينما نحن لا ننتج الا السلم و الحجج القوية.للاسف هناك ممارسات خطا كبيرة هذا العام في المنامة و الافضل نناقشها بينا و بين بعض بعيد عن الفئة الاخرى

    • زائر 1 | 9:07 م

      السلام على الشهيد المظلوم العطشان و المذبوح بكربلاء .. ام محمود

      هذا العام نجح موسم عاشوراء هنا في البحرين بسبب التعاون و التكاتف و الابتعاد عن الفوضى و كذلك نجح هناك في العراق في أرض الطفوف في كريلاء حيث الملايين من المعزيين و كأن المعركة حدثت للتو فهي تتجدد و داعش لم تستطع من التعرض للزوار او تفجيرهم بسبب تعزيز الأمن و المتطوعين هنا في البحرين شاهدت في الواتس اب حادثتين الاولى خروج عزاء للنساء في المنامة و رجال الدين اعترضوا عليه و الحادثة الثانية هو إغراق احدى الحسينيات المشتركة بالغازات السامة و رأينا صعوبة إنقاذ النساء كبيرات السن لان النافذة مرتفعة جدا

اقرأ ايضاً