العدد 4461 - الأحد 23 نوفمبر 2014م الموافق 30 محرم 1436هـ

العناق المرتقب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم تشرَئِبُّ أعناق العالم نحو فيينا (أو جنيف). فالأجل المضروب لإبرام اتفاق «تاريخي» بين إيران ودول خمسة زائد واحد هو الرابع والعشرون من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. نعم، قد يُمَدَّد الموعد حتى مارس/ آذار المقبل حسب بعض التسريبات، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري قال بأن الجهود القائمة الآن هي للاتفاق وليست للتمديد.
كُتِبَ كثيرٌ عن هذه المفاوضات، وخُمِّنَ بشأنها الكثير أيضاً. وبعيداً عن التشاؤم أو التفاؤل حولها والذي يُبديه الروس والغربيون والإيرانيون، فإن ما يجب أن يُعلَم لنا جميعاً أن هذه المفاوضات هي مفاوضات من نوع خاص. وإذا ما أردنا استيضاح أمر خصوصيتها فيجب علينا أن نتجنَّب الإجمال والعموميات فيها لنركز على حقيقتها من خلال ذكر تفاصيلها الدقيقة، وبالتحديد طبيعة القوى المتفاوضة. هذا هو المدخل السليم لفهمها.
وبلغة الأرقام والجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد، فإن إيران تفاوض دولاً تصل مساحتها إلى زهاء الـ 47 مليون كيلومتر مربع. وبها من البشر ما يربو على الملياريْن و206 ملايين إنسان، وتستولي على اقتصاديات عملاقة تبلغ قيمتها 46 تريليون دولار من أصل 60 تريليون دولار هو حجم الاقتصاد العالمي كله. هذه هي الصورة «الصاعقة» للأطراف المتفاوضة والتي تمنحنا القدرة على تلمّس حقيقتها وحجمها الصحيح.
فالتساؤل المطروح هو: كيف لإيران أن تتفاوض مع هذه القوى الكبرى لوحدها وعلى ماذا؟ بمعنى ماذا يملك الإيرانيون من أوراق كي تأتي إليهم تلك القوى وتجلس معهم طيلة اثني عشر عاماً، في مفاوضات شاقة تجاوزت جولاتها العشر، فضلاً عن مئات الاجتماعات الفرعية على مستوى الخبراء والأطراف الوسيطة، وتتشارك فيها الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعقول الرديفة في الغرب (والتي تحدثنا عنها بالتفصيل في مقال سابق)، وتقلق من مآلاتها دول عديدة كـ «إسرائيل»؟
بل إن التساؤل الأكثر هو: ماذا تريد تلك الدول الكبرى بمساحاتها الشاسعة وباقتصادياتها الفلكية من إيران التي لا تزيد مساحتها عن 1.648.195 كيلومتر مربع (أي 3.5 في المئة فقط من مساحة تلك الدول) وشعبها عن الـ 80 مليون نسمة (أي 0.003 في المئة من شعوب تلك الدول) واقتصادها عن 338 مليار دولار (أي 0.7 من اقتصادياتها)!
الحقيقة، أن تفسير ذلك ضروريٌ جداً لفهم «الصفقة الكبرى» بين إيران والغرب، والتي لها بَرَّاني وجَوَّاني. الأول نووي والثاني استراتيجي، لكن ذلك التفسير أيضاً لا ينطوي على استسهال في القراءة، لأن القضية معقدة جداً ومتداخلة إلى الحد الذي يعني أنك تبحث عن إبرة في كومة قش، كما كنا نُشبِّه البحث عن الحقيقة فيما مضى وإن كانت نسبية.
الغرب لا يأتي إلى إيران لكونها ثوريةً أو متشددةً، أو أنها البلد الثامن عشر من حيث المساحة في العالم، بل هو يأتي إليها باعتبارها مركز التحكّم في نقاط القارة الآسيوية الحيوية جنوب ووسط وغرب آسيا. هذا يعني أنها مدخل لأفغانستان وباكستان بل وشبه القارة الهندية وبنغلاديش والصين، فضلاً عن العراق ومنطقة الهلال الخصيب.
لم تكتفِ إيران بهذا الموقع أو أنها استخدمته كمتلقي جغرافي سلبي عبر الانكفاء على ذاتها، بل إنها مدَّت أذرعاً في دائرة ممتدة، وصلت إلى مضيق مالاكا بين ماليزيا واندونيسيا وحتى جبل طارق في الغرب. بل إن الإيرانيين اليوم يتواجدون بشكل مباشر (سياسي وعسكري وأمني) في عدد من الدول كالعراق وسورية، وهما من أهم المناطق الغربية التي تتوسَّط قارَتَيْ آسيا وأوربا. وقد اعترف قادة في الحرس الثوري بأنهم يتواجدون فعلاً هناك، سواء عبر القتال المباشر، أو عبر إنشاء مصانع للصواريخ كما في سورية.
اليوم بدأ النفوذ الإيراني يمتد أكثر باتجاه مناطق فلسطينية أخرى غير غزة، حيث يتم التلويح بين الفينة والأخرى على لسان مسئولين إيرانيين بتسليح المنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية. كما وصل النفوذ الإيراني إلى مداه في اليمن بعد سيطرة الحوثيين، فضلاً عن مناطق القرن الإفريقي ووسط وشمال القارة السمراء، وآسيا الوسطى، وشمال وجنوب حوض الأمازون.
هذا الامتداد جعل طهران جزءًا من المشكلة لكنها أيضاً جزء من الحل، كونها تحولت إلى واحدة من عظام الرقبة في قوس التفاصيل للعديد من الدول والمناطق. وإذا ما عرفنا أن التواجد الغربي هنا هو من أجل تأمين مصالحه فهو يرى بأن جزءًا من مصالحه قد يتعزز أو يستقر من خلال طهران. وهو أمر إن حصل فهذا يعني أن كثيراً من الأمور قد تتبدل.
أيضاً، هناك ترتيبات أخرى أبعد من الجانب السياسي والأمني، وهو المتعلق بالجانب الاقتصادي. فالشركات العالمية العملاقة لها حساباتها أيضاً، كون طهران لازالت سوقاً تقليديةً لأنشطتها. فعلى سبيل المثال، ينتظر شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة لصناعة الطائرات عقدٌ بقيمة 500 مليار دولار لتحديث كامل الأسطول الجوي المدني لإيران، متبوعاً بعقود الصيانة وقطع الغيار الخاصة به. وهو عقدٌ لا يُتوقع أن لا تقوم شركة «بوينغ» بالعمل على إتمامه، بعد تدخلها لإزالة العقوبات المفروضة على إيران.
هذا الأمر ينسحب على شركات عملاقة أخرى كشركات النفط العالمية مثل «أكسون موبايل» و»شل» و»بي بي» و»شيفرون» التي بدأت منذ مدة في مد خيوط استعلام للاستثمار في إيران. هذه أجزاء «ممكنة» لملامح الرؤية الجديدة للغرب نحو إيران، دون أن يعني ذلك، أن طهران ليس لها حاجة ماسَّة للولوج إلى الاقتصاد العالمي من أوسع أبوابه وتحرير أموالها المجمَّدة، والخروج من محبسٍ مزعج يُسمَّى العقوبات.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4461 - الأحد 23 نوفمبر 2014م الموافق 30 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 5:17 ص

      500 ++ مليار دولار موجودة ومحجوزة

      بوينغ و شركات كثيرة طگت كبدها من ....

    • زائر 11 | 2:10 ص

      متابع

      عقد بقيمة 500 مليار دولار !!!!!! . . كاد أن يغمى علي !! . . من أين لإيران مبلغ كهذا أم أنها ستدفعه على أقساط تصل لسنوات طويلة ؟
      أعتقد أن هذه الحاشية تفتحنا على موضوع عن دور الشركات الاقتصادية في التأثير على العالم (أمريكا إيران وغيرها) ، طلبنا من الأستاذ محمد موضوعا أيضا عن العلاقة بين اسرائيل من جهة و الغرب وروسيا من جهة والعكس
      ما أكثر الخفايا التي تتعب الرأس في هذا العالم ، لكن لا أزال أتمنى أن يواصل الأستاذ محمد الكتابة عن الأسرة ، النواة الأهم والأجمل في هذا العالم

    • زائر 7 | 12:26 ص

      زائر 5

      مااكثر المغفلين الله يهديك انت شايف العرب احد احط لهم احساب العرب بقره حلوب ايوم اللي ينتهي دور الحاكم اطيرونه من الكرسي يالأخو لا اتحطنا ويا الكبار الله يهديك

    • زائر 5 | 11:48 م

      ايران و أمريكا

      ايران و أمريكا وجهان لعملة واحدة لان عدوهما اللمشترك يتمثل في أبناء العروبة و الاسلام الحقيقي

    • زائر 8 زائر 5 | 12:39 ص

      رد على صاحب التعليق ايران وأمريكا !!

      الكاتب ذكر بالتفاصيل والأرقام عن المفاوضات الإيرانية الغربية ، هل بإمكانك أنت أيضاً تثبت بمعلوماتك وأرقام ًك أن أمريكا وإيران عملة واحدة ؟؟

    • المتمردة نعم زائر 5 | 7:22 ص

      المتمردة نعم

      سمعنا عن استعمار فرنسي،بريطاني،برتغالي على مر التاريخ ولم نسمع يوما عن الاستعمار الايراني لأصغر وأضعف دولة في العالم.اليوم مع وجود النووي ايران قوية وقادرة على ذلك وقادرة على ابتلاع اي قطعة من العالم لكنها لا تريد.ليس دفاعا عن ايران ولكن هذا الواقع

    • زائر 4 | 10:24 م

      هذا هو الافضل لمنطقتنا وسلامنا

      كل الاماني ان يتم اتفاق ينهي حالة الصراع في المنطقة

    • زائر 3 | 10:23 م

      شكرا من الصباح

      ما أروع ما تكتبه استاذ محمد فمقالاتك كلها معلومات وفائدة

    • زائر 2 | 10:10 م

      انشاء الله يتفقون

      بلد عزيز النفس يثق في قدراته محروس انشاء الله بعين الله وهو يستحق الافضل وبإذنه تعالى سينتزع حقوقه ومنصورين ياايران العز والاباء

    • زائر 1 | 10:07 م

      تحليل خبير

      حقيقة انت ظليع وخبير بالشؤون الايرانية وتحليلاتك معمقة وواضحة ونقول حان وقتهم للاعتراف بها نووية اما للمساكين والتبع فلهم العزاء والموساة

اقرأ ايضاً