العدد 4466 - الجمعة 28 نوفمبر 2014م الموافق 05 صفر 1436هـ

كيف يحكم المرشد إيران؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

آية الله علي خامنئي. رجلٌ في الخامسة والسبعين من العمر، يعتمر عمامة سوداء لها مدلول ديني في العرف الشيعي. يتسيَّد على مقام المرشدية العليا للثورة، منذ العام 1989م، ويحكم إيران «فعلياً» من أقصاها إلى أقصاها دون تساهل. ضمن هذا التوصيف بدأ الغرب يُدرك أنه يجب أن يُحاور ذلك الرجل، إن أراد أن يقول أو يفعل شيئاً مع إيران.

قبل عدة سنوات، حاولت مؤسسة CARNEGIE ENDOWMENT FOR INTERNATIONAL PEACE أن تقرأ خامنئي. وقد أفلحت في كثير مما ذهبت إليه. والذي يبدو الآن، أن الغرب (سواء من خلال سياسييه أو عبر العقول الرديفة لديه) يحاول أن يجد له سبيلاً مع الرجل. وربما كانت رسائل أوباما له والتي كُشِفَ عنها مؤخراً، تُثبِت ذلك.

في إيران يأتي رئيسٌ ويذهب آخر. يتكرر هذا كل أربعة أعوام، أو قد يزيد على ذلك عندما يُعاد انتخاب الرئيس. في كل مرة يأتي رئيسٌ لإيران يتغيَّر المشهد. مرة على ذات اليمين ومرة على ذات الشمال. جاء العام الأول للثورة ليطيح خطابها بكل الصور التقليدية لإيران ونظرتها للمحيط. واستمر هذا الحال حتى السنة الأخيرة من عقد الثمانينيات.

ومع مجيء هاشمي رفسنجاني، وُسِمَت إيران بأنها تتجه شيئاً فشيئاً من الثورة إلى الدولة. ومع مجيء محمد خاتمي، قدَّم الرجل إيران للعالم، على أنها إصلاحية ومنفتحة. وعندما جاء محمود أحمدي نجاد، بدت إيران كالقطار المندفع، الذي لا يكبحه شيء. وقبل عام وبضعة أشهر، عندما جاء حسن روحاني، أنزل إيران من طرف خيطها المعلَّق، نحو العقلانية كما سماها. يأتي هؤلاء جميعاً، ليُطوِّعوا نظاماً متداخلاً ومعقداً جداً.

لكن السؤال المهم هنا، كيف تنصاع إيران لرَبابينها الجُدُد في كل مرة. بمعنى، إذا كان المرشد الأعلى هو مَنْ يُمسك بإيران «فعلياً» فكيف لهذا البلد، أن يتلوَّن كلما جاءته رياح سياسية داخلية متباينة. مرة على هوى اليمين، ومرة على هوى اليسار؟ وهو سؤال مهم ومركزي جداً، يحتاج إلى تبيين بشيء من التفصيل.

الحقيقة، أن لفظتَيْ «الجمهورية» «الإسلامية» هما اللتان تُفسِّران المدخل العام للموضوع. فالحكم هناك، يحاول القيام بعملية مواءمة ما بين اللفظتيْن، إلى الحد الذي لا يطغي أحدهما على الآخر، هكذا هم يقولون. لكن التجربة علَّمتنا أن اللفظتيْن متجاورتين، لكن، لكلٍّ منهما منزلة مختلفة، بحيث تكون الغَلَبَة إلى الثانية، وليس الأولى.

فـ نحن أمام «مَظهر جمهوري» و«جوهر ديني». والفارق كبير ما بين مظهر الشيء وجوهره. لكن الإمساك بمنطقة الفراغ بين الأمريْن من قِبَل الإيرانيين، جعلهم في موقع غامض. فهم تمكنوا من ضخ أكبر كمية ممكنة من زَخَم «المظهر» في الوقت الذي سحبوا فيه سطوة «الجوهر» من المشهد العام وليس من القيم السياسية التي يقوم عليها الحكم.

عندما تذهب إلى إيران، ترى انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية وتغييرات في الأشخاص، مع إنتاج فضاء مدني تنداح فيه الأجيال الصاعدة، حيث تجد نفسها قادرة على «التغرُّب» في السلوك، سواء عبر المظاهر والأسمال، والعلاقات الاجتماعية في أدق تفاصيلها، وبالتحديد ثنائية الذكورة والأنوثة، بسلوكياتها ووضعها الاجتماعي.

هذا الفضاء، لا يتم العبث فيه كثيراً، بل يحاولون دفعه أكثر نحو التضخم، بهدف استيعاب التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الداخل. لكن عندما يتم التدقيق في السياج الأبعد للقيم السياسية يظهر هناك «الجوهر الديني» الذي يمارس دوراً غالباً في جعل ذلك الفضاء ضمن حدوده هو، لا العكس، وهنا يكمن التعقيد.

فالمظهر الجمهوري، لا يمكنه أن يتعدى كونه «مظهراً» لمحيط أوسع منه وهو «الجوهر الديني». الفارق أن المسافة بينهما متباعدة إلى الحد الذي لا تجعل المرء يكتشف «زوايا حادة» في كامل المخروط السياسي والديني لإيران، وكأن هناك تناقضاً أو تنافراً في العلاقة ما بين الأمرين وهذه في الحقيقة، إحدى أهم عُقَد النظام السياسي في إيران.

في العام 2004م، استبعد مجلس صيانة الدستور 3600 شخص من أصل 8160 (أي 44.1 في المئة) ممن تقدموا بطلبات ترشيح للانتخابات النيابية السابعة جُلّهم من التيار الإصلاحي. وقد احتجَّ مجلس صيانة الدستور في قراره ذاك، بالبند الأول والثالث من المادة 28 من قانون الانتخابات والمتعلقة بالالتزام بالإسلام والوفاء للدستور الإيراني.

ولو رجعنا إلى تلك الحجَّة التي ساقها المجلس، سنجد أن عدم الالتزام بالدستور، ينطوي في داخله على فهم ديني بالأساس قبل أن يكون دستوري، كون الدستور متأسس في «جوهره» على جوانب دينية صرفة، وبالتالي كانت الحجة دستورية لكنها ذات بُعد ديني. وهو ما يعني إعادة تأكيد على ثنائية المظهر والجوهر، وسيادة الثاني على الأول.

عند كل خطة خمسية يتم وضعها في إيران يَصدر مرسوم عن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية يُسمَّى «مرسوم السياسات العامة للخطة» يُعمَّم على السلطتين التنفيذية والتشريعية في إيران يشمل الشئون السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والعلمية والتقنية والاجتماعية، بكل تفصيلاتها. ويكون لزاماً على الحكومة والمجلس التشريعي، أن يتحركا دون أن يتجاوزا ذلك السياج الأبعد، والذي له الفصل.

من هنا، يظهر لنا كيف يدير المرشد الأعلى للثورة إيران. فهو الذي يُمسك بـ «جوهرها الديني» في حين، يُمسك الرؤساء المتعاقبون على «مظهرها الجمهوري».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4466 - الجمعة 28 نوفمبر 2014م الموافق 05 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 12:01 ص

      موتو بغيظكم

      اللهم انصر الاسلام و المسلمين و آخذل الكفار و المنافقين

    • زائر 13 | 1:42 ص

      القائد

      حفظ الله القائد للاسلام والمسلمين لولاه لما تطورت الجمهورية لاعلى المراتب ولما وجدت مقاومة شريفة تكون عزا للاسلام ويحسب لها الغرب الف حساب

    • زائر 12 | 1:41 ص

      القائد

      حفظ الله القائد للاسلام والمسلمين لولاه لما تطورت الجمهورية لاعلى المراتب ولما وجدت مقاومة شريفة تكون عزا للاسلام ويحسب لها الغرب الف حساب

    • زائر 8 | 1:01 ص

      حفظ الله المرشد الاعلى ولي امر المسلمين

      حفظ الله المرشد الاعلى ولي امر المسلمين آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي ونسأل الله ان يحفظه للاسلام والمسلمين فهو ليس لايران فقط بل للعالم كل العالم ..

    • زائر 28 زائر 8 | 4:34 ص

      ولي امر المسلمين

      ولي امر المسلمين الله يسلمك مو السيد علي خامنائي وانما هو صاحب العصر والزمان ماادري بكرة بتقولوا هو المهديز
      دقق في كلامك ولا تاخذك العواطف لوصفه ولي امر المسلمين حفظه الله تكفي يااخي والله مصيبة اذا صار ولي امر المسلمين اكلنا تراب

    • زائر 6 | 12:17 ص

      انه عدو الاسلام و العروبة

      انه عدو الاسلام الأصيل الذي يؤمن به اكثر من بليون إنسان و عدو للعروبة

    • زائر 10 زائر 6 | 1:10 ص

      فهمتكوا الحين

      يعني قبل إسرائيل وامريكا وحكومة ميانمار! فهمتكوا الحين

    • زائر 4 | 11:37 م

      ما شاء الله عليك.

      استاذ محمد كل مرة نقرأ موضوع عمودك نتعرف على اشياء.صحيح هو سياسي لكن مو اللي يجيب الهم والغم للنفس. الله يحفظك

    • زائر 3 | 11:33 م

      حنكة

      الله يحفظ ايران من اطماع الطامعين ويحفظ العرب والمسلمين لما فيه الصلاح والاصلاح

اقرأ ايضاً