العدد 4472 - الخميس 04 ديسمبر 2014م الموافق 11 صفر 1436هـ

رحيل مربٍّ فاضل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رحل في هدوء، المربّي الفاضل الأستاذ علي الشرقي، أحد رواد التعليم الذين امتهنوا التدريس عن حبٍّ وعشق.

عرفناه أستاذاً فترة الدراسة في مدرسة الخميس الابتدائية الإعدادية في السبعينيات، وشاء القدر أن يجمع المعلّم والتلميذ بعد ثلاثة عقود، مع انطلاقة «الوسط». التلميذ تحوّل من تحرير مجلة شهرية للعمل في صحيفة يومية، والأستاذ للعمل في قسم التصحيح، تسعفه خبرة سنواتٍ طوال من العمل في المجلات المحلية التي تنقل للعمل فيها أيام شبابه في الستينيات والسبعينيات.

في بداية صدور «الوسط»، كان قسما التصحيح والصفّ من أكبر الأقسام بعد التحرير. وكانت له طريقته المميّزة في التصحيح، إذ يحمل قلم حبرٍ أحمر يحيط به الكلمة الخاطئة وحدها بدائرة، ثم يكتب فوقها الكلمة الصحيحة، بخطٍ واضح وكبير. إنها من طرائق التصحيح التي نقلها من مهنة التدريس.

في السنوات الأولى، كان يحكي لماماً عن تجربته السابقة في العمل الصحافي مع بعض المجلات كـ «الأضواء» و«صدى الأسبوع» و«المواقف»، حيث كان يُكلَّف أحياناً ببعض التغطيات، وإن لم تخُنّي الذاكرة كان يتكلّم عن تغطية المحاكم وجلسات البرلمان 73. وعندما ينجزها كان يذهب مشياً لمسافة طويلة، حاملاً أوراقه إلى موقع المجلة حيث يعمل، لتسليم المادة لصفّها وتنضيدها، في موقع المطبعة العربية حالياً، بجوار مبنى الهجرة والجوازات. كانت المطبعة تقع على البحر مباشرةً قبل توسّع عمليات الدفان التي خلقت فيما بعد شارع المعارض، وكان مشواراً شاقاً على رجلٍ يعاني من إعاقةٍ حركيةٍ خفيفة، وخصوصاً أيام المطر حيث تنتشر الأوحال.

كان يمتلك مكتبةً توزّع الكتب الثقافية والدينية، في النصف الثاني من السبعينيات، ومع تفتّح شهيتي للقراءة، كنت أذهب مشياً من قريتي (البلاد القديم) إلى جدحفص، بنقودي القليلة، لاشتري كتاباً. لم تكن ميزانية طالب الإعدادية تكفي لشراء أكثر من كتاب.

ساهمت مثل هذه المكتبة (دار أهل البيت للثقافة والنشر) في الريف، كما ساهمت سواها في المدينة كـ «الوطنية» و«الماحوزي» و«الجيل الجديد» في نشر وسائط الثقافة يومها، كتباً وصحفاً ومجلات، حيث لم تكن توجد الكثير من الملهِّيات، كالهواتف النقالة وألعاب «البلاي ستيشن»، ولم يكن التلفزيون قد دخل كل بيتٍ بعد. وقد اهتم بترويج الكتاب الإسلامي، وحين زار البحرين الكاتب السوري انطوان بارا، الذي اشتهر من السبعينيات بكتابه «الحسين في الفكر المسيحي»، جمعنا الشرقي على مائدةٍ واحدةٍ، وكانت فرصةً مهّدت لإجراء مقابلةٍ نشرتها في «الوسط».

عمل الشرقي رحمه الله في التدريس عشرين عاماً (1960– 1980)، وعمل في نشر الثقافة (وكان يشارك في معارض الكتاب) عشرين عاماً أخرى، حتى مطلع الألفية. في هذه الفترة كانت المكتبات تتعرّض إلى خسائر وانتكاسات، أدّت إلى إفلاس وإغلاق الكثير منها، فاضطر إلى بيعها، ليطوي هذه الصفحة.

في 2008، وفي رحلة عمله الأخيرة، خرج من «الوسط» إلى التقاعد. زرته بعد عامين في بيته، وكان متعَباً بسبب وضعه الصحي، وأحسست بأن الزيارة تكلّفه عبئاً إضافياً، فكانت آخر زيارةٍ له... حتى نظمت «الوسط» حفل تكريمٍ لروّاد التعليم في البحرين (15 يونيو/ حزيران 2013)، وكان من ضمن المكرّمين.

جلست يومها إلى جانبه، وكان يهمس بكلام خفيض جداً بالكاد تسمعه. أخبرته بأن الدكتور علي فخرو (وزير التربية والتعليم السابق) موجودٌ بالقاعة، فقال: أريد أن تنقل له سلامي وتعتذر له لأني لا أستطع أن أنتقل إليه. ذهبت إلى فخرو وأبلغته سلامه واعتذاره لصعوبة تنقله بين الطاولات، لأنه جاء على كرسي نقّال، فقال: «أنا أذهب إليه». ونهض من مكانه وجلس إلى جواره. كنت أتأمل مشهداً يجمع رجلين من رموز عصر التعليم الذهبي في البحرين: وزير سابق إلى جوار معلّمٍ من ذلك الزمن الجميل.

غادرَ الأستاذ دنيانا مساء الاثنين (1 ديسمبر/ كانون الأول 2014) ... وقد ترك نفحةً من الطيب والذكر الجميل.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4472 - الخميس 04 ديسمبر 2014م الموافق 11 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:03 ص

      محمد عاشور

      عندما تقف أمام قامة كبيرة تحس أنك في أسفل سفح الجبل ... كتابي الضياع للمرحوم الاستاذ أحمد الاسكافي كان الأول لي وكان من مكتبة دار أهل البيت ومن يد الأستاذ علي الشرقي أبو محمد ... عليك رحمة الله .

    • زائر 6 | 2:01 ص

      مقال موفق جدا

      مقال موفق جدا سيد قاسم.. رحمك الله يا ابا محمد .. لقد كنت كثيرا
      وسام

    • زائر 5 | 12:32 ص

      ...

      يبدو ان وزارة التربية والتعليم وعندما كان وزيرها الدكتور القدير علي فخرو من أفضل الفترات لعدم وجود ..........الذين جعلوا هذه الوزرة متخلفة ويستمر التخلف حتى يتم توزير تربوي متحضر غير طائفي كالدكتور القدير علي فخرو

    • زائر 4 | 11:38 م

      رحم الله الاستاذ

      ونعم الاستاذ علي الشرقي الذي استفاد منه مجتمعه من خلال خبرته في التعليم والصحافة والخلق الرفيع ..

    • زائر 3 | 11:07 م

      الله يرحمة بواسع رحمته

      الكل راحل عن الدنيا
      و الغني من يرحل بذكرى طيبة

    • زائر 2 | 10:17 م

      رحمه الله

      رحمه الله تعالى برحمته الواسعة
      الفاتحة لروحة الطاهرة

    • زائر 1 | 9:15 م

      رحمك الله يا استاذ علي

      كنا صغارا في العمر و التفكير نهرب من مدرسة جدحفص الصناعية نحة السوق و من الاماكن التي نبدأ بها مكتبة اهل البيت وكان يرحمه الله يعلم اننا لن نشتري كتابا ولكنه لا يتضايق من وححودنا ونحن نتصفح الكتب لنقرأ اليسير من كتب مختاره واغلبها دينية وبعضها سياسي

اقرأ ايضاً