العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ

الحد من ظاهرة «الزوجة المعلقة» مطلب لحماية المجتمع

نفيسة دعبل comments [at] alwasatnews.com

محامية بحرينية

بداية لاشك أن الرابطة الأسرية بين الزوج والزوجة لقيام أسرة متماسكة وصحيحة من الأمور التي حث عليها الشارع المقدس، إذ لابد أن يحترم الزوجان حرمة هذه الأسرة وبناءها وكيانها. ولكن قد يصل ذلك الكيان إلى ما يهدّد بقاءه لسبب مرجعه الزوج أو الزوجة أو كليهما، فنصل في مرحلة من المراحل إلى قضية التعليق الذي زاد تعداده في الآونة الأخيرة بشكل مقلق ومخيف جداً، والذي تكون معه الزوجة غير متمتعة بحقوقها الزوجية، وغير متمتعة بحقوقها كغير متزوجة، وهو نوع من أنواع العضل والإضرار هدفه نكاية الزوجة في أكثر الحالات، ومنعها من حقوقها المشروعة خلافاً لقول الله تعالى «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» (البقرة،231).

وقد نص القرآن صراحةً على مصطلح الزوجة «المعلّقة»، فقال عز من قائل «ولَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَينَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الميْلِ فَتَذَرُوها كالمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُوا فإِنَّ اللّهَ كانَ غفوراً رَّحِيماً» (النساء، 129).

الآيات الكريمة السابقة أوضحت التحريم الصريح لفعل التعليق للزوجة، لضرره البالغ بها، دون أن تجيزه بحالات دون أخرى، أو تضع استثناءات عليه، وبالتالي فإن تلك المسألة وإن تفشت مؤخراً في المجتمع تاركةً آثاراً لا يُستهان بها، نفسيةً واجتماعيةً وأخلاقيةً وتربويةً بالنسبة للزوجة المعلقة أولاً، وبالنسبة للأبناء والروابط الإجتماعية بين الأسرتين، والتي قد يكون لها يد بقضايا جنائية أيضاً وتمتد آثارها للمجتمع كله، فإن القرآن الكريم قد حسمها بصريح نصه، تاركاً عبء تحقيقها على من تقع على عاتقه.

وخوفاً من تفشي هذه المشكلة وتحوّلها إلى آفة وظاهرة مجتمعية لا يُحمد عقباها، قمت بكتابة هذا المقال للوقوف على هذه المشكلة، لمعرفة مسبباتها وأسبابها وآلية الحد منها في المجتمع، وصولاً مناً لصون الحياة الأسرية التي وإن لم يجمعهما رابط زوجية، فلابد أن يجمعهما احترام لإنسانيتهما، لنصل إلى أبناء صالحين لخدمة دينهم ومجتمعهم الخدمة المنشودة. فزمن الرقّ والسبي قد ولى، ولم يعد لسوق النخاسة محل في هذا الزمن، وبالتالي فإن من الأولى أن يعيد بعض الأزواج نظرتهم في هذه المسألة سواءً كان بنية الضغط على زوجاتهم كي يتنازلن عن حقوقهن، أو يقدمن تعويضاً للإختلاع لكي يتحرّرن من تلك الرابطة التي قُدّر لها أن تفشل، رجوعاً لقول الشارع المقدس «ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن» (النساء، 19)، أي بمعنى لا تضاروهن في العشرة لتترك لك المهر وبعضاً أو كلاً من حقوقها لكي تطلقها.

وقد تتجسد مسببات التعليق بصور متعددة، كأن تطلب المرأة الطلاق من زوجها أو الاختلاع منه فيرفض الزوج طلاقها، فيتركها معلّقةً، إما أنه يريدها ولكن ترفضه بشدة لسوء معاملته لها أو لوجود عدم وفاق أياً كان سببه، أو لعدم وجود سكن شرعي لديه، أو لوجود كراهة قلبية منها تجاهه، أو لاستحالة العشرة، أو لأنه يرغب في الانتقام منها فحسب، أو أنه يسيء استخدام حقه الشرعي في التعدد فيتزوج الأخرى ويتركها معلقة، أو أنه يرغب باستمرار معونة بدل الغلاء كالسائد في هذه الفترة، فيتركها معلقةً منعاً من أن يحرم من تلك المعونة، فلا تستطيع هي ممارسة حقوقها كتغيير العنوان لضرورات صحية أو تعليمية (بالمجان) لها ولأبنائهما، فضلاً عن كونها معلقة، وهو ينعم بتلك المعونة غاضاً البصر عن حرمة ذلك من قبل الشارع المقدس، أو أن الزوج يريد تعليق زوجته لتدفع له بذلاً يمكنه من الزواج بأخرى، لتصوّره أن تكاليف الزوجية قد خسرها بسبب تلك الزوجة مسوغاً ذلك الأمر كحقٍّ من حقوقه، أو أنه يحرمها من حقوقها وغير تلك الأمثلة الكثير.

بكل أسف أقول، بأن جميع تلك الأمثلة وسواها واردة وموجودة، وإن لم نعشها بأنفسنا، فهنالك الكثير من الزوجات المعلقات والواقفات أمام المحاكم الشرعية قد عانين منها وبسببها، فكان الله في عون مشايخنا الأفاضل في حل تلك القضايا.

أما عن أهم ما يواجه الزوجة المعلقة من تبعات، فهي انعدام المورد المالي لها، فقد تكون غير عاملة، وبالتالي فإن أمر الصرف عليها وعلى أبنائهما إن كانوا معها، لا يكون وارداً؛ أو عدم وجود سكن يؤويها هي وأبناءهما خصوصاً إذا كان لأهلها دور سلبي في ذلك مرده الرفض أو العوز؛ أو أن الوضع الاجتماعي غير مريح أو مستقر بالنسبة لها من جميع الأحوال. وكما أسلفت فإن مسألة الإستفادة أيضاً من التطبيب والتعليم بالمجان غير واردة، لقيام غالبية الأزواج في ظل تلك الظاهرة، باستمرار الاستفادة من بدل الغلاء، وبالتالي عدم السماح للزوجة المعلّقة بتغيير عنوانها، كون الاستفادة تشترط سكناً مشتركاً، وعدم قدرة الزوجة المعلقة على بناء حياة زوجية أخرى، ومؤدّى ذلك وتلك ضرر نفسي وجسدي، وقد يتفاقم الضرر لارتكاب الجرائم والفساد المجتمعي والأخلاقي.

واستقراءً لواقع مجتمعنا، فإن من بين أهم الأسباب في التعليق هي الآتي:

أولاًً: الزوج غير مسئول ومخالفٌ لشرع الله، حيث ينتهج تلك الوسيله للنيل من الزوجة ليتكسب منها مبالغ مالية نتاج الخلع، أو ظناً منه بأنها ستعود إليه بعد الضغط عليها من كل الجوانب.

ثانياً: نظرة المجتمع القاصرة للزوجة المعلّقة دون الزوج، فتجيز أفعال الزوج دون الزوجة، وتعتبر أن الزوج وحده الخاسر مادياً، وبالتالي فإن تعليق الزوجة وإلزامها بدفع بذل من قبيل تعويض الزوج أو أن تأخير البت في قضية تعليقها سيجعل الزوجة تعيد التفكير وترتضي تلك الحياة مرةً أخرى، بحجة أنها يجب أن تتحمل!

ثالثاً: أهل الطرفين وعدم استخدام الصلاحيات الأدبية لتطبيق شرع الله وصولاً لحسم العلاقة والرابطة الزوجية.

رابعاً: تباعد الجلسات في المحاكم وإطالة أمد التقاضي والذي يصل ما بين الشهر والنصف إلى شهرين، بين جلسة وأخرى، بمعنى أن معدل الجلسات السنوية ست جلسات فقط، وهي غير كافية لحسم النزاع من تبليغ وتقديم بينات وسماع أقوال الزوجين ودفاعهما والحكم. فتستمر الدعوى لعددٍ من السنوات، وقد ترفض دعواها لعدم كفاية البيّنات، وتستمر الزوجة ببيت أهلها والزوج ببيت أهله، حتى يرفعا دعوى أخرى بنفس الطلب وتستمر أيضاً لعددٍ من السنوات، وذلك الأمر من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لتعليق الزوجة، مع ثبات رغبتها في إنهاء العلاقة، ولا ألوم في ذلك القضاء الشرعي بل على العكس، قد يقع ذلك الأمر بسبب محدودية مرافق المحاكم الشرعية ومحدودية القضاة وزيادة عدد القضايا غير المحسومة، اتفاقاً من قبل الزوجين وتعطيل عمل لجنة التوفيق الأسري، وغير ذلك الأمور التي لا يسع المقام لبيانها.

وأخيراً، وللحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تعيدنا إلى الخلف مئات السنين، وتشكّل نوعاً لا يستهان به من العنف ضد المرأة الذي نحاربه دينياً وحقوقياً وإنسانياً ومجتمعياً، أرى الآتي:

1.إعادة النظر مجدداً في مسألة سن قانون للأحوال الشخصية بالشق الجعفري.

2.قيام المجلس الأعلى للقضاء بالنظر في زيادة مرافق المحاكم الشرعية وزيادة أعداد القضاة، تماشياً مع زيادة عدد القضايا وحالات الخلافات الزوجية.

3.تفعيل دور لجان التوفيق الأسري وإلزامها بكتابة تقارير تحمل قوة ثبوتية تخفّف من عبء إثبات الضرر واستحالة العشرة، وعدم الوفاق أمام المحاكم الشرعية، وينطوي عملها على اجتماعات مع كلٍّ من الزوجين، وصولاً لحلول ودية في الاستمرار أو الانفصال وتحمل التبعات، وبيان رأي اللجنة في وجود وفاق أو عدمه. وينبغي أن تتكون تلك اللجان من شيوخ دين، وخبراء بعلم النفس والاجتماع.

4.تركيز النظر على سرعة حسم القضايا الشرعية المتعلقة بالتعليق للزوجات من قبل المحاكم الشرعية ومن قبل المجلس الأعلى للقضاء.

5.قيام المجلس الأعلى للمرأة والجمعيات الحقوقية المهتمة بقضايا المرأة بمد جسور التعاون مع النساء المعلقات، محاولين حلّ مشاكلهن وإيصال صرخاتهن للرأي العام كالمتعلقة بمنع استفادة الزوجات المعلقات وأبنائهن من الخدمات المجانية كالتعليم والصحة في حالة تواجدهن بمنزل الوالدين، بدلاً من منزل الزوجية كما أسلفنا بيانه.

6.زيادة المحاضرات الإرشادية من قبل شيوخ الدين المحترمين للأزواج بهدف الحد من هذه الظاهرة التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى، وبهدف التثقيف بالحياة الزوجية.

7.وأخيراً يقع على عاتقنا كمحامين المحاولات التوفيقية المكتبية التي أما أن تثمر استمرار الحياة الزوجية أو التوصل لطلاق اتفاقي، وتعاون الطرفين ضروريٌ جداً لتلبية وتحقيق هذه النتيجة.

إقرأ أيضا لـ "نفيسة دعبل"

العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 1:15 ص

      المرأة المعلقة مسلوبة من ابسط حقوقها

      ليس هنالك من انصاف بحق الزوجات المعلقات من جميع النواحي ،إلى متى هذا الظلم والإجحاف بحق المرأة ؟؟؟!

    • زائر 11 | 11:50 ص

      المحكمة الجعفرية لا تستحق أن تسمى بالجعفرية

      القضايا المرفوعة من قبل النساء للطلاق لا ينظر لها بالإنصاف ( ما يحدث مهزلة حقيقية، لماذا رفض العلماء هذا القانون ؟ وأين دورهم فيما يحدث من مهزلة بالمحكمة اللا جعفرية و مايحدث كارثة و العدد ليس بقليل
      الأموال و المبالغ و المساومات ع الطلاق منتشرة بشكل ملحوظ !!
      هذا الموضوع يحتاج مقالات عديدة و نتمنى منكم ذكر نماذج من القصص الواقعية و نشر الدراسات و الاعداد المرفوعة بالمحاكم

    • زائر 10 | 11:08 ص

      لماذا تم رفض قانون أحوال الاسرة

      نماذج كثيرة حولنا من قريبات و صديقات معلقات لقصص تقشعر لها الأبدان ( هل نحن في دولة مسلمة حقاً ! أين دور العلماء ! و الإعلام !
      محكمة جعفرية ظالمة ظالمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى مشوهين للمذهب
      العدد مهول جداً و المعلقات بأعمار الزهور و العمر يمضي ... الظلم ظلمات يوم القيامة ( تأخر نصرنا من هذا الظلم )

    • زائر 9 | 8:20 ص

      أنا معلقة

      أنا إمرأة معلقة...أنا معذبة...أما من داستني الأرجل ونساني مجتمعي

    • زائر 8 | 6:13 ص

      تمام

      مقال شجاع وخير فتاة تريد انقاذ المظلوم

    • زائر 7 | 5:37 ص

      ليس برجل

      من يفعل هذا الفعل حيواااان - ليس له كرامة كيف يرتضي ان يعيش مع امرأة لا تريده

    • زائر 6 | 1:07 ص

      وين الشرع و القانون و الدولة؟

      يجب على الدولة الزام الرجال اللي معلقين زوجاتهم على دفع نفقة شهرية محددة على حسب حجم العائلة المعلقة !
      و ان رفض او لم يدفع يكون الدفع الزاميا من حساب الزوج للزوجة
      و ان رفض .... السجن و الدولة تتكفل دفع نفقة الزوجة و الاطفال

    • زائر 5 | 12:57 ص

      الحياة ماشيه ....

      لا أدري لماذا يصر الطرف الاخر لتعليق المرأة مع معرفته أن الاستمرار لا يجدي نفعا , وعسى أن يكون صلاح لكليهما , دخول ف الحياة الزوجيه طواعيه وكذالك التسريح أن يكون طواعيه , أن لا يجبر ع العشرة بالقوة , والله ولي التوفيق سواء للمرأة أو الرجل .

    • زائر 4 | 12:40 ص

      اللي يسوي هالحركة مو رجال

      مهما اتكبت الزوجة من اخطاء .. اللي يسوي هالحركة مو رجال ومجرم
      ا

    • زائر 3 | 12:20 ص

      بالأمس كان يوم المرأة في التكريم.

      هذه القضايا يجب ان تتم في المحاكم بصفة إستعجالية نظرا للضرر الجسيم على المرأة وأطفالها. هؤلاء الرجال هم نتجة الفكر المجتمعي المتفسخ الذي يجسد هيمنة الرجل على المرأة...يجب القصاص بحزم من هؤلاء الأوباش....... تعليق من رجل.

    • زائر 2 | 12:13 ص

      مقال غير تام

      لم تتعمقي ف الموضوع ةابرزتي الشق المتعلق بالمراة ولمرتتناولي الشق المتعلق بالرجل--- انحياااز

    • زائر 1 | 8:58 م

      المرأة المعلقة قضايا تدمي القلب

      شكرا عزيزتي بما سطرت يمناك...فتاتين لي معرفة باهلهم .معلقتين من رجال عديمي الضمير.. تمت خطوبتهم من سن ال18 سنة لم تمضى شهور حتى تمت مرافعات الانفصال في المحاكم ..مضت الان 7سنين والعمر23 ويمضى...وكم قاسوا هو واهاليهم النفسية و الامراض...والرجل يريد فقط تعذيبهم واهانتهم وان لايرى يوما تسعد فيه..ومازالت القايا معلقة الى لا منتهى ..

اقرأ ايضاً