العدد 4487 - الجمعة 19 ديسمبر 2014م الموافق 26 صفر 1436هـ

بداخل كل منا عالم كامل

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

حين لا يعرف المرء إمكاناته، ولا يجيد استخدام الثروة الحقيقية المكتنزة بداخله، فإنه يخسر الكثير. يخسر لأنه لم يعرف حجم نفسه، ولا مقدار القوة التي تتلألأ بداخله، ويخسر لأنه لم يستغل قدراته بالشكل الجيد.

وهنا أتذكر إحدى القصص التي قرأتها قبل أيام حول رجل يبدو عليه الثراء حين ذهب إلى أحد المتاجر ليشتري بعض الحاجيات، اشترى ما أراد ودفع لصاحبة المحل ورقة بعشرين دولاراً، ما إن وضعتها في الدرج حتى رأت بعض الحبر على يدها، فساورها الشك إن كانت هذه الورقة مزورة وكيف لرجل ثري أن يقدم لها ورقة مزورة، ولكنها وبسبب حاجتها للمال ذهبت لمركز الشرطة للإبلاغ عن الحادثة والتأكد من سلامة الورقة النقدية. وفي مركز الشرطة تعجب الشرطي من جودة الورقة ودقة الرسم، فذهبت الشرطة لمنزل الرجل وفتشته، وبالفعل وجد رجال الأمن غرفة صغيرة معدة لتزوير النقود، ووجدوا هناك ثلاث لوحات بمنتهى الجمال والإبداع رسمها الرجل ووقعها باسمه.

صادرت الشرطة الموجودات وقررت بيع اللوحات في مزاد، فبيعت اللوحات بمبلغ 16 ألف دولار، وحين سمع الرجل بالموضوع أصيب الرجل بالدهشة والحزن؛ إذ كان الوقت الذي يستغرقه لرسم كل لوحة يساوي الوقت الذي استغرقه لتزوير ورقة بعشرين دولاراً، ولم يعلم أن وقته غالٍ لهذه الدرجة وأن بإمكانه أن يحصل على المال بطريقة شريفة وسهلة لا تتطلب منه إلا معرفة مواطن قوته وتميزه.

في الحياة كثير من المحطات التي تجعلنا نتوقف كثيراً أمام أنفسنا، وتجعلنا نعيد حساباتنا لكثير من الأمور بداخلنا ومن حولنا. ولو أننا قضينا وقتاً يسيراً كل يوم لمحاولة معرفة أنفسنا من خلال التأمل أو استذكار نقاط قوتنا أو لو أننا استطعنا ترتيب أفكارنا ووضع خطط مكتوبة حول الأهداف التي نرغب في تحقيقها وكيفية فعل ذلك، لاستطعنا أن ننتشل أنفسنا من كل وضع لا يليق بنا، ولوصلنا لكل مركز ومستوى ومكان نريد الوصول إليه، فأول خطوة لتحقيق الأهداف ورسمها هي كتابتها وكتابة طرق الوصول إليها، ثم تخيل أنفسنا بداخل دائرة التحقيق وكأن هذه الأهداف باتت واقعاً معاشاً.

يقول أنطوان دو سانت: هدف بلا خطة لا يزيد عن كونه مجرد أمنية! فهل الأماني هي أقصى ما نسطيع أن نقوم به، ونحن الذين خلقنا الله وكل قوى العالم طوع أيدينا كما قيل قديماً:

دواؤك فيك وما تشعرُ

وداؤك منك وما تبصرُ

أتحسب أنك جرمٌ صغيرٌ

وفيك انطوى العالم الأكبرُ ؟!

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4487 - الجمعة 19 ديسمبر 2014م الموافق 26 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:38 ص

      جميل جداً

      كلمات تبعث على التفاؤل و الأمل
      أحببتها كثيراً

    • زائر 1 | 1:21 ص

      موضوع رائع…

      موضوعك رائع حقا ولكنه أكبر من حجم عمود في صحيفة يومية، لأنه بمستوى خريطة نجاة للإنسان لو استوعبه كفكرة وعايشه كممارسة.. أتمنى أن تكون هذه الفكرة منهجا لك في حياتك فستكتشفين أن في نفسك كل القوى التي أودعها الحق سبحانه في كل النفوس، وهذا معنى أن يكون إنسان ما أمة، كما قال تعالى في شأن إبراهيم (ع): (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)…

اقرأ ايضاً