العدد 4495 - السبت 27 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ

من زمن «البليب»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأسبوع الماضي، وفيما كنت أقلّ الأبناء من المدرسة، سألتهم: هل تعرفون معنى كلمة: «بليب»؟ فارتسمت على وجوههم علامات استغراب. كانوا يسمعونها لأول مرةٍ في حياتهم.

قبل أن أبدأ الكتابة اليوم، سألت أحد الزملاء: هل اشتريت «بليب»؟ فضحك وقال: هذا أسخف جهازٍ تم اختراعه. لماذا؟ فأجاب: لأن فلسفته سخيفة ومضحكة! زميل آخر كان يستمع لحديثنا فضحك وقال: كان يتصل بك أحدهم لتقوم بالاتصال به من هاتف منزلي أو هاتف شارع! فقلت له: لكنه كان مطلوباً، وقد اشتراه الكثيرون، وكان مادةً للتباهي عند البعض. جهازٌ صغيرٌ، في حجم علبة الكبريت، بمبالغ تصل إلى 500 دينار، وقد أطاح به «الموبايل» بمجرد ظهوره وأخرجه نهائياً من السوق.

كان مطلع التسعينيات هو العصر الذهبي لـ «البليب»، والشركة التي روّجته وربحت من ورائه الملايين، تخجل اليوم من عرضه في منافذ البيع في المجمعات التجارية. لقد أصبح قطعةً أثريةً من الماضي تثير الضحك والابتسامات، ولو حمله أحدهم وعلّقه في خاصرة بنطاله أو جيب سترته، لأصبح أضحوكةً أينما ذهب. وهكذا يفعل التقدم في التكنولوجيا والأفكار... في الحياة.

القنوات الفضائية أطاحت بالتلفزيونات الحكومية الأرضية، فكم من القراء والمشاهدين يتابع هذه القنوات القديمة شكلاً ومضموناً؟ فالتقنية الحديثة فرضت إيقاعها وشروطها على السوق، وغيّرت الأمزجة. جهاز التلفزيون نفسه كان صندوقاً خشبياً ضخماً، وقد تحوّل اليوم إلى لوحة رقيقة تعلق بأناقةٍ كاللوحة الفنية على الحائط.

الصحيفة الورقية نفسها التي عرفها العالم لأكثر من قرنين، باتت هي الأخرى في مهب الريح. وهناك الكثير من الدراسات تتوقع بنهايتها واختفائها من الوجود خلال 10 إلى 15 عاماً، حيث ستتحوّل تدريجياً إلى أسطح الأجهزة اللوحية الذكية. وهناك صحفٌ أجنبية كبرى خرجت من السوق أو اندمجت، وبعضها تحوّل إلى نسخ ألكترونية. ومع كل هذه الخلفية، تكتشف أن هناك من لا يزال يعيش على صحافة النميمة والدسّ والتحريض كما لو كنا في الستينيات.

«تويتر»، هذا «المنتج» الالكتروني الذي لا يزيد عمره على أربعة أعوام، أصبح يمثّل اليوم تحدياً كبيراً للمقال الصحافي التقليدي، بعد أن غيّر المزاج العام، بفرضه تقليداً جديداً للكتابة في حدود 140 حرفاً فقط. والأخطر من ذلك، أن «تويتر» لعب دوراً ضخماً في أكبر عملية تدويرٍ للأفكار بين البشر وتبادل المعلومات. لقد أصبحت المعلومات حرةً ومتداولةً بين ملايين البشر، وبسرعة فائقة جداً، (مجرد ثوانٍ معدودة)، بينما كانت الصحيفة تطبخ موادها طوال اليوم، لتقدّمها لقرائها صباح اليوم التالي. ومع ذلك يأتي لك اليوم من صحافيي العهد القديم، من يطالب بملاحقة من يعبّر عن رأي، ومعاقبته، وكأننا نعيش في عصر محاكم التفتيش.

لم يعد ممكناً الحجر على الآراء، في عصر خرج فيه ملايين الشباب العرب للمطالبة بالحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان. ومن المعيب أن تتحوّل الصحافة، إلى بؤر رجعية، انعزالية، تعيش خارج العصر، لدوافع الغيرة الشخصية على طريقة «أخوة يوسف»، أو الحسد أو الفشل الاقتصادي، أو تحت ضغط تراجع الإعلانات. ومن المعيب أن يتحوّل بعض أبنائها إلى وشاةٍ وتجار عملة مرتشين، بدل أن يمارسوا هذه المهنة التنويرية المقدسة بأخلاق الفرسان والنبلاء.

أخيراً... من المحزن أن تتحوّل الصحافة، في فترةٍ من فترات التاريخ، إلى جهاز «بليب»، خارج الخدمة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4495 - السبت 27 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 30 | 11:24 ص

      بليب؟؟

      هههههه. الكويتيين يسمونه بيجر! شيء يضحك.

    • زائر 28 | 6:46 ص

      الله يحفظ الاقلام الصادقه من كتاب ومعلقين يارب .

      اعزائي الانسان احيانايجاهد بالنفس والمال واحيانا يجاهد بالكلمة , وعلى الانسان العاقل أن يمارس الحرية بضوابطها عند الله لا أن يطلبها .

    • زائر 27 | 6:28 ص

      هذا دورهم

      وهذا مستواهم

    • زائر 26 | 5:04 ص

      البيجر

      سيد يعني تبي تقول ان بعض من يمتهن الصحافة كأنه بيجر ؟؟؟ لا عاد سيد ؟ قوية

    • زائر 25 | 3:05 ص

      اسلوب ابن المقفع

      بس ابن المقفع كان يسرد قصص البشر بلسان الحيوانات، بس سيدنا عكسها

    • زائر 24 | 2:57 ص

      سيدنا ما تعتبره من الماضي لا يزل في الخدمة

      إنا لله وإنا إليه راجعون لا تحزن ياسيد فلكل أجله واجل البليب لم ينتهي بعد ولم يحن دفنه فشركة بابكو لا تزال تستخدمة فموظف بابكو سرعان ما يتصل بك من برادة او من البيت او من تلفون ارضي آخر لبادر ( هلو خوي من معاي جفت رقمك على البليب مالي ) احد المرات رأيت احدهم بعد سماع طقطقات يخرج جهازا صغيرا وقلت له ما هذا قال بليب وما هو البليب قال هذا جهاز يلقت المكالمات وفورا تبادر لذهني أن هذا الرجل مخابرات سيدنا يقول المتنبي ( أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم )

    • زائر 23 | 2:21 ص

      عجيب

      عجيب سيد ذكرتني بالذي مضى اشتريت واحد بس ما طول عندي صراخة جهاز تخلف و المضحك بعض الناس بعدهم على موده
      بريد الشوق

    • زائر 20 | 1:25 ص

      الي ع راسه بطحه يتحسسها ..

      مثل مصري يقال , وذالك لكل من يطالب بحجر الاراء وحرية التعبير . ف هذا الزمن لا يمكن الرجوع للوراء كالساعة مستحيل ان يرجع العمر والوقت . ونشد على يد كل ناطق للراي الصائب لاخذ الانسان على طريق الحق وعدم الانحراف عنه . كما أن للمنافق حرية الاستمرار فيما هوعليه , وتحمل النتائج المترتبه .

    • زائر 19 | 1:01 ص

      هم سيعودونهم الى زمن الجريش هذا اذا حصلوا عليه ايضا

      هؤلاء الاشباه سيقفلون دكانهم قريبا لان ما فيه ميزانيه لهم والنفط وزمانه بح بح بعودون لزمن اللنجه ان اقلتهم لجحهورهم والا سيكبونهم على مناخرهم صاغرين

    • زائر 18 | 12:53 ص

      زبر الحدييييد

      رمز القوة صفة أطلقوها أهل البيت أن يكون الانسان كزبر الحديد ولا يبالي بشيء ف نصرة الحق وقول الصدق . وزمن الخوف من قول الحق نتمنى ان يولي دون رجعه . والامام الحسين سلام الله عليه أول من وقف ف وجه الباطل وقول كلمة الحق .ودمتم .

    • آذار | 12:51 ص

      !!

      عايشت فترة البليب ولم أقتنع باقتنائه أبداً و وصفه بالسخيف وصف دقيق جدا، كذلك صحفيو الصحف الصفراء لن يقتنعوا بالتطور الاعلامي والخروج من عتمة السلطة مدام النظام يغدق عليهم بالقريشات

    • زائر 16 | 12:46 ص

      القراءة والكتابه .

      اجمل ما دعي اليه الانسان القراءة , والكلمات أحيانا تكن مفاتيح لفتح مغاليق ابواب الفكر والعقل , اللهم ارزقنا المعرفة .

    • زائر 15 | 12:42 ص

      المقال هادف .

      الحق كالشمس مستحيل القضاء عليه . والشمس تشرق رغم أنوف الظالمين جميعهم . صباح الفرج بحق أبو صالح (سلام الله عليه )

    • زائر 14 | 12:37 ص

      لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه .

      حكمه لامير الكلام أمير المؤمنين علي عليه السلام , المستقبل سيكون للاعلام الهادف لا الهابط المنافق المجامل , انشاءالله . بعون من الله الكريم . اللهم صل على محمد وال محمد , أم مروه .

    • زائر 13 | 12:33 ص

      تطورات تكنلوجيا يا زعم .

      من المستحيل أن يسد باب الصحافة والاعلام , على الحكومات المستبده أن تعرف أن الانسان له حرية التعبير والاقرار بالحوادث وايجاد الحلول المناسبه لرعاية المجتمعات وحفظ الاصول والمبادىء والاساسات , وأنتم الكتاب على عاتقكم توصيل رسائل المواطنين ومشاكلهم بطرق مباشرة وبشفافيه خالصه لذوي الاختصاص واحيانا انتم المعتمد عليهم ف توصيل ذالك , واخيرا الله يحفظ كل لسان حق ناطق لوجه الله .خاتون.

    • زائر 12 | 12:07 ص

      بكل جدارة تستحق لقب سيد الكتاب

      أسلوب رائع ومشوق يدفع بكل من يبدأ بالقراءة الا يتوقف الا بنتهاء المقال
      بارك الله لك عزيزي ونفعنا بأناملك وقلمك الحر الذي لا يعرف النفاق أو المجاملة يوما
      ( معجب ومتابع لكل كتاباتك )

    • زائر 11 | 11:48 م

      متى وصلوا الى منصب حسب امكانياتهم وتفوقهم العلمي؟

      لعبوا وتلاعبوا بالوظائف التي كانت حكرا عليهم لا لشيء الا بسبب تفوقهم في الكذب والنفاق والدجل والتدليس. شهاداتهم وتفوقهم في الخسّة والدناءة ومحاولة الكيد للآخرين

    • زائر 10 | 11:36 م

      من تعود العيش على الإيقاع بالآخرين فلن يكف عن ذلك

      تسألني كيف وصل هؤلاء الى مناصبهم اقول لك شعب البحرين كله يعرف ما هو ديدن هؤلاء وكيف يصلون: معايير التفوق العلمي والعملي لا شأنهم بها من قريب ولا من بعيد هؤلاء يعتاشون على تفوقهم في النفاق والايقاع باخوتهم ومحاولة الاصطياد في المعاء العكر سلني عنهم وسل غيري كما عانينا منهم في الاعمال حين نعتبرهم اخوة لنا وهم يحفرون لنا على الدوام ويحاولون الايقاع بنا.

    • زائر 9 | 11:33 م

      صباح الابتسامة / #تم_استلام_رسالتك

      من بدأت قراءة المقال و انت تتكلم عن لبيب ، قلت في خاطري السيد مو عبث جايب الموضوع و لماذا أخص هذا الجهاز المنتهي عهده !؟ و الزبدة / المضمون بأن لازال هناك أجهزة على شاكلة هذا الجهاز ولاكن يتنفس و يمشي #تم_استلام_رسالتك!

    • زائر 8 | 11:31 م

      ليس هناك مقارنة بين التقنية والرجعية

      ليس ثمة مقارنة بين ظهور ابداع مخترع البليب منذ ربع قرن وبين عجوز مستورد لا يجيد اللغة العربية علما لا هذا الجهاز يتم استخدامه في مستشفى السلمانية للأطباء ولعدم كفاءة الإرسال واستقبال المكالمات لهواتف الجوال لجميع شركات الاتصالات

    • زائر 7 | 10:57 م

      فرسان أم صعاليك

      حبيبي الفرسان والنبلاء هي مسألة وراثية ..انظر على مر التاريخ ستجد أن الخير تجمع في سلالات اصلها ثابت وفرعها في للسماء ..وتجمع الخبث في شجرة ملعونة لا أصل ثابت لها ..هؤلاء ومن يتماهون معهم صعاليك ومتطفلين.

    • زائر 6 | 10:33 م

      مال زمن دقيانوس

      ولذلك متجمعين كلهم ضد الوسط ويحرضون عليها ويتمنون اغلاقها.

    • زائر 5 | 10:21 م

      عجيبه النقزه

      في الفقره الاخيره وصلت النقزه .. وازيدك استادنا العزيز مثل الطفل اللي ينتظر ابوه ويشتكي له ايقول بابا اخوي ضربني والخ من شكاوي الاطفال - لكن تحصل ها الشكاوي والافتراءات عند ناس بالغين انا اسميها ** قلة حيه ** ويقول المثل ** في عين الحسود دود **

    • زائر 4 | 10:10 م

      مقال لطيف

      احسنت

    • زائر 3 | 10:03 م

      sunnybahrain

      السلام عليكم ،،خوش مقال يا سيد ،،صحيح ان معظم قنواتنا المرئيه والمسموعه ،،بل وبعض وسائل اعلامنا اليوميه،،آن لها الاوان ان توضع اين وضع ال { بليب } او البيجر كما يسمي لدى الغرب ،،السلام عليكم .

    • زائر 2 | 9:47 م

      مفهومة رسالتك الهاشمي في اخر النقال

      من ينتظر المساعدة لا يفكر في التطوير من يعطي طرق خلاقة للتطوير هو صاحب نظر ومتطور ولكن بالنسبة للبليب فلا زال لو ظل في حاجة لقطاعات معينة كا العسعس فانهم قد يطلبون في اي وقت وهذا الجهاز يحدد الرقم المرسل منه ليقوم بمهمته بعد الاتصال واستلام المأمورية ونقول يالهاشمي كثيرون يحبون عقرات النسون العجايز والمشكلة تأثيرها بالغ في خلق المشاكل الحين عليك يالهاشمي ان تعرف ويش اقصد

    • زائر 1 | 8:59 م

      غريب الرياض

      الصحافة تعكس نبض الشارع، و الانقسام موجود في المجتمع بعمق كبير. المضحك ان السبب واحد ر معروف للكل. انت اما مع او ضد

اقرأ ايضاً