العدد 4496 - الأحد 28 ديسمبر 2014م الموافق 06 ربيع الاول 1436هـ

البردوني... الشاعر الحالم بلإصلاح

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقالة طريفة، للكاتب اليمني وجدي الأهدل، في العدد الأخير من مجلة «الدوحة»، أتى على بعض حكايات الشاعر الكبير عبدالله البردوني رحمه الله، الذي ارتبط اسمه بالنضال العنيد من أجل الإصلاح.

الشاعر والناقد والمؤرخ الكبير وُلد في 1929 وتوفي في 1999، وأصيب بالعمى بعد إصابته بالجدري في سن الخامسة، تماماً كما حدث مع الكاتب والناقد والمفكّر طه حسين في طفولته. وكلاهما كتب في التاريخ، وكلاهما امتهن التدريس أيضاً، إلا أن البردوني اشتهر شاعراً، واشتهر طه حسين ناثراً، وحين جرّب حظّه مع الشعر بكتابة قصيدة واحدة، لم تعجبه، فلم يكرّر المحاولة مرةً أخرى.

في منتصف القرن الماضي، أيام حكم الإمامة في اليمن، طُلب البردوني لإلقاء قصيدة، وكان المعتاد أن يلقي الشاعر قصيدة مدح ويستلم صرّةً من المال، وهو تقليدٌ قديمٌ ورثناه منذ عصور ما قبل الإسلام. كان الشعر سلعةً رخيصةً يتكسّب بها بعض من أوتي هذه الموهبة، إلا أن البردوني فاجأ الحشد فقلب قصيدته إلى مطالبةٍ صريحةٍ بالإصلاح، فما كان من الإمام إلا أن أمر بإيداعه السجن.

بعد خمسين عاماً، وفي العهد الجمهوري، استُدعي البردوني إلى القصر أيضاً، وكان مطلوباً منه أن يلقي قصيدة مدح! لكنه فاجأ الجميع بإلقاء قصيدةٍ تطالب بالإصلاح وتنتقد الأوضاع الفاسدة. هذه المرة، وبعدما انتهى الحفل مباشرةً، طلب النظام الجمهوري منه مغادرة اليمن خلال 24 ساعة. كان ذلك في السبعينيات، فغادر للنجاة بجلده، ولجأ إلى دمشق، التي كانت ملجأ كل الثوار والمنفيين العرب. وبعدما تغيّر النظام اليمني عاد إلى بلاده، لكن بعدما تعلم الحكّام الدرس، كما يقول الأهدل، فلم يعودوا يوجهون للبردوني أية دعوةٍ لحضور أعيادهم وحفلاتهم، أو لإلقاء قصيدة، لأن القصائد التي يكتبها كانت دائماً ممهورةً بالصدق، وتطالب دائماً بالإصلاح!

اسم البردوني ارتبط في عقول اليمنيين والعرب بشرف الكلمة والاستقلال والصدق. لم يبع قصائده في سوق نخاسة الكلمة، ولم يقبل أن يكون تابعاً ولم يسترخص أشعاره، كما يفعل الكثيرون من الشعراء والأدباء والكتّاب في هذا العصر.

البردوني وُلد في الثلث الأول من القرن الماضي، وتوفي قبل نهاية القرن. وعاش ضريراً، لكنه كان صاحب بصيرة ووعي، والأهم كان صاحب ضميرٍ وعزة نفس، ومنحازاً دائماً إلى الشعب.

الكاتب اختار لمقاله عنواناً لافتاً: «متى تستحي الحكومات من المثقف؟»، وتحدّث عن السلطات العربية التي تقدم للعالم صورة وردية: المواطنون أحرار، والديمقراطية متوافرة بكميات تجارية! بينما المثقف الملتزم يغرد خارج السرب، ويذكر الحقيقة عاريةً كما هي: المواطنون مقيّدون بالسمع والطاعة، والديمقراطية مجرد كذبة كبرى.

كاتبنا اليمني الطريف يبدو أنه شفّه الوجد، فخلص إلى القول مستخلصاً من الواقعة التي أوردها عن البردوني رحمه الله: ضرورة أن تتحلى الحكومات العربية بالحد الأدنى من الحياء! وهذا يعني - بحسب رأيه - حركة في اتجاهين (وليس اتجاهاً واحداً فقط): ألا تخجل الحكومات العربية من مشاكلها السياسية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية، وأن تكفّ عن الإنكار والمزايدات التي لا طائل من ورائها، وأن تسمح للمثقفين بقول «الحقيقة».

لا ندري ما هو مصير الكاتب الآن... هل أودع السجن؟ أم طُلب منه الرحيل من اليمن خلال 24 ساعة؟ أم لايزال حتى الآن حيّاً يُرزق؟ كان الله في عونه على كل حال!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4496 - الأحد 28 ديسمبر 2014م الموافق 06 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً