العدد 4499 - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1436هـ

المعرفة و«فوَّهة الجحيم»

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

تخطو باتجاه معرفة ما. و»المعرفة هي حدود الغد» بحسب تعبير عالم النفس والمدرب في مجال الإمكانات العقلية، دينيس وايتلي. تلك الخطوة بمثابة سبَّابة مُشْهَرة في وجه إظلام وتعتيم. حجب المعلومة هو وجه من وجوه الإظلام والتعتيم.

والمعلومة بذرة من المعرفة. والبذرة بحاجة إلى أرض تحتوي مقومات النشوء والحياة، وتلك المقومات لن يتسنَّى لها أن تتوافر إذا ما حوصرت بالإظلام والتعتيم. البذرة بحاجةٍ إلى ضوء، ومثل ذلك الضوء هو الشريان الحقيقي... هو السرَّة التي تمدُّ تلك المعرفة بمقومات وأسباب بقائها ونموها، ومن ثم امتدادها.

تخطو باتجاه المعرفة، محاولاً أن تُسجِّل وتتركَ أثراً في هذا الخلْط الغريب بين ما تعتقد معرفته، وبين ما يعتقد الآخرون أنهم في اللب من تلك المعرفة. ذلك الأثر الذي تتحرَّاه يتوخى – أول ما يتوخى – أن يكون اعتقادك بتلك المعرفة نافذاً في تأثيره وقدرته على إحداث تغيير في النمط السائد والمُقرَّر من حتمية تلك المعرفة؛ إذ لا قرار يحسم ويؤكد الحتمية تلك في هذا الصدد. تظل المعرفة نسبية. النسبية تلك بتلاقي نسبيات متعددة تفضي في النهاية إلى ما يشبه التماسك في بنيتها، وليس التماسك تماماً، طالما ظلَّت النسبية هي الإطار والفلَك الذي تتحرك فيه.

تخطو باتجاه المعرفة، ولن تنجو من المساس بوهم حسمها. مثل ذلك الوهم بمثابة جرس تنبيه كي لا تتورَّط في مثل هكذا وهم.

جلال الدِّين الرومي في مقولته الشهيرة: «أيها الفم، إنَّك فُوَّهةُ الجحيم»، يعبِّر في جانب من حمولاتها عن نسبية المعرفة. الفم (اللسان) مؤدَّى لإشاعة وتعميم وبسط تلك المعرفة. مؤدّىً أيضاً إلى جحيم لا حدود له. جحيم مفتوح على التعتيم والمُهْلِك. جحيم يُطلُّ على خربات بالجملة. وصف الفم بفوَّهة الجحيم، وهو مؤدَّى ولسان التعبير عن تلك المعرفة، يطعن في حتميتها ونهائيتها وحسمها.

روجيه غارودي، له في هذا الصدد طرح يذهب في السياق ذاته: «كل كشْفٍ هو صدمةٌ جديدةٌ لعقل ظنَّ أنه بلغ الكمال». مثل ذلك الظنِّ ذهابٌ إلى النسبية في المعرفة. والصدمة الجديدة ذاتها تنبئ عن احتمال صدمات في الطريق مع تكشُّف معرفة جديدة. ثمة متوالية. ثمة نسبية. ثمة صدمة/ صدمات. ثمة «عقل يظن». لا عقل حاسم فيما يقف عليه مما يظنُّ أنها حقائق. لا معرفة حاسمة؛ وإلا انتهت مع الصدمة الأولى من الكشف. لا تراكم يمكن أن يتحقق. لا معالجات. لا استنطاقات لتلك الصدمة/ الصدمات مادام الأمر قد تم الفصل فيه.

وسائل الإعلام جزءٌ من الظن الذي يظل البيئة الماثلة الطاردة للاعتقاد. وسائل الإعلام في كثير من آليات أدائها صورة مشوَّهة لمصادر المعرفة؛ لأنها تتغذى على الحراك. والحراك لا ضابط له، بانتماءاته وميوله وتوجهاته وانحيازاته. مثل اللا ضبط ذاك، يُدخل «الإعلام» في خانة المعرفة، أو أحد معطياتها، في مساحة على النقيض. اللا ضبط نقيض الالتزام. والمعرفة التزام بآليات وقوانين وضوابط ومعادلات. لذا لم تكن بدْعاً مقولة المفكّر العربي العالمي، إدوارد سعيد: «تلعب وسائل الإعلام الأميركية دوراً فائقاً في جعل الأميركي العادي يحسب أن الأمر متروك له ليصحِّح أخطاء العالم».

بين المعرفة والأخطاء، بين تصحيح المعرفة وبين الوهم بالمعرفة، والوهم بتصحيح الأخطاء تكمن المسألة! إنها «فُوَّهة الجحيم» التي حذَّر منها ابن الرومي. الفُوَّهة التي تدَّعي أنها أول المعرفة وآخرها.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4499 - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً