العدد 4504 - الإثنين 05 يناير 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1436هـ

الأحزاب الدينية بين القبول والرفض

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ليس موضوعي هنا هو مناقشة موضوع مبدأ السماح بقيام أحزاب أو عدم السماح بها في البلاد العربية أو الإسلامية، وإنما لفت نظري أن البلاد التي تتخذ من الإسلام ديناً وتدّعي أنه مصدرها في القوانين والتشريعات، تحارب وتمنع قيام أي حزب ذي مرجعية إسلامية مهما كانت معتدلة، بينما نجد أن الأوروبيين وهم دعاة الليبرالية والعلمانية والاشتراكية وغيرها من المبادئ التي لا تمت للأديان بصلة، يسمحون بقيام أحزاب وجماعات على أسس دينية. وكذلك تفعل «إسرائيل» حيث تسمح بقيام أحزاب دينية وأيضاً جماعات إرهابية ذات مرجعيات دينية! والسؤال: لماذا نجد هذه المفارقة الغريبة بين دولنا التي تؤمن بالاسلام ديناً، وبين دول أخرى لا تدين - حسب قوانينها - إلا بالعلمانية؟

«إسرائيل» -التي احتلت بلداً عربياً مسلماً وتعيش وسط بلاد مسلمة- بلد ديني عنصري بامتياز؛ فاسم دولتهم هو اسم نبي الله يعقوب (ع)، وهم يطالبون أن تكون دولتهم لليهود فقط! تخيّل لو أن دولة عربية اتخذت من اسم نبينا محمداً اسماً لها ثم طالبت بإخراج النصارى واليهود من أراضيها! كيف سيكون موقف الأوروبيين والأميركيين منها؟ بل كيف سيكون موقف مواطنيها منها لاسيما العلمانيين وأشباههم؟ بينما صمتت معظم دول العالم عن مطالبات اليهود وهي دولة محتلة تريد طرد السكان الأصليين منها.

وفي «إسرائيل» التي تدّعي الديمقراطية والعلمانية، أحزاب دينية ذات نفوذ كبير على صانعي القرار؛ ومن هذه الأحزاب حزب «شاس» وزعيم هذا الحزب المتطرف الحاخام عوفاديا يوسف الذي طالب بقتل الفلسطينيين رجالهم ونسائهم وأطفالهم! لنا أن نتخيل كيف ستكون ردة فعل الغرب والعرب لو أن شيخاً مسلماً طالب بمثل ما طالب به ذلك اليهودي المتطرف؟

وفي «إسرائيل» أيضاً حزب «مفدال»، وهو من الأحزاب ذات المرجعية الدينية المتطرفة؛ وهذا الحزب مسئول عن كثير من الأعمال الإجرامية ضد الفلسطينيين، ويؤمن هذا الحزب بعقيدة «إسرائيل الكبرى»، ووجوب طرد الفلسطينيين من أرضهم! وثالث هذه الأحزاب حزب «الليكود» وهو حزب ديني متطرف، وقد تولّى قادة هذا الحزب الحكم مراراً، ومن هؤلاء مناحيم بيجن وشارون!

وإلى جانب هذه الأحزاب، توجد جماعات متطرفة تعمل تحت سمع الدولة وبصرها وتلقى دعماً وحمايةً لكل جرائمها ضد الفلسطينيين. واللافت أن كل الجرائم التي يمارسها الصهاينة تكون باسم الدين ولا تجد من الغرب أو الأميركان من يستنكر ذلك ولا من ينسب الإرهاب إلى الدين اليهودي أو اليهود بصفتهم الدينية!

وفي أوروبا تكثر الأحزاب ذات المرجعيات الدينية، مع أن أوروبا معروفة بالليبرالية والعلمانية لكن الدين يبقى ذا تأثير واضح على بعض مجريات الأمور فيها، وأنا هنا أشير إلى الدين الذي يؤمن به المسيحيون حالياً وليس إلى أصل الدين المسيحي. ولا تجد دول أوروبا حرجاً في السماح بإنشاء أحزاب ذات مرجعيات دينية، بل إن بعض هذه الأحزاب وصل إلى الحكم كما هو حال الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا الذي حكم ألمانيا سنوات طوالاً ولم يعترض أحد لا في ألمانيا ولا في غيرها على ذلك. ونجد أيضاً في فرنسا وبريطانيا أحزاباً تشير مسمياتها إلى الديمقراطية المسيحية، وهذه الأحزاب تعتبر نفسها ممثلة للدين المسيحي والأخلاق المسيحية. وهي غالباً ما تتحدث عن قضايا الإجهاض وتعدد الزوجات والطلاق، بالإضافة إلى التأكيد على الأعياد والإجازات الدينية في نظام الدولة.

وفي أوروبا جماعات دينية متطرفة خصوصاً ضد الأقليات المسلمة حتى وإن كانت من أبناء البلاد الأصليين أو ممن يحملون جنسيتها! ولهذا نسمع كثيراً عن قضايا منع النقاب، وكذلك بناء منائر للمساجد ومنع الأذان، بل وصل الأمر في بعض دول أوروبا إلى المطالبة بطرد المسلمين نهائياً من أوروبا! وقد نقلت بعض الصحف عن الرئيس الفرنسي السابق (ساركوزي) قوله: «إن المآذن غريبة عن التراث الأوروبي»! ولعل هذا الرئيس لم يعرف أن عدداً من دول أوروبا كان يدين بالإسلام مئات السنين!

وفي الهند أيضاً أحزاب دينية متطرفة منها حزب «بهاراتا جاناتا»، الهندوسي المتطرف الذي حكم الهند مراراً، وهو من قاد الحملة ضد مسجد البابري، وقد تمكن من هدمه ثم أعاد بناءه معبداً للإله «رام» الهندوسي العام 1992! ولم نسمع من الغربيين وأشباههم استنكاراً حقيقياً حول هذه الجريمة التي راح ضحيتها الكثير من المسلمين، كما لم نسمع أيضاً أن أحداً من الغرب أو الأميركان أو العرب من استنكر إنشاء أحزاب ذات مرجعيات دينية في أي مكان في العالم.

وإزاء هذا كله أطرح السؤال مرة أخرى : لماذا لا تسمح الدول التي تسمح أنظمتها بوجود الاحزاب بوجود أحزاب ذات مرجعيات دينية ؟! مع أن الفارق بين هذه الدول وبين الدول التي ذكرتها كبير جدا ؛ فدولنا تؤمن بالاسلام وتجعله مصدرا أساسيا من مصادرها التشريعية بينما الاخرى لاتفعل ذلك ؟! وكثير من دولنا لم تقف عند حد منع الاحزاب الدينية بل إنها تمنع وجود جمعيات دينية مستقلة عن توجه الدولة، وبعضها الآخر لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه الى محاربة الاسلام والتهجم على مبادئه وأحكامه وثوابته؛ فمنهم من يجعل الخمر ولحم الخنزير حلالا ؛ ومنهم من يبيعه في الاسواق، ومنهم من يسخر بالجهاد وبالصيام والحج !! وبدأ البعض وتحت سمع دولهم وبصرها يشكك بالقرآن الكريم وبسنة سيدنا محمد عليه السلام، الى غير ذلك من القضايا التي تشعرك أن هذه الدول لا تطيق الاسلام الذي يؤمن به معظم شعوبها وأنها من أجل ذلك تسخر كثيرا من إمكاناتها لحربه وحث ناشئتها على البعد عنه.

الدول العربية كما نعرف تسمح بوجود أحزاب ليست ذات مرجعيات دينية متعللة بعلل واهية وهذا شجع جماعات ترتبط بالدين حسب مفهومها تشكل تجمعات سرية تعمل تحت الارض خوفا من الملاحقة وهذا شجع على وجود تيارات متشددة تتخذ من العنف طريقا لها !! كما أن القول بأن الاحزاب الاسلامية لا تؤمن بالديمقراطية أصبح قولا غير قابل للتصديق فقد كذبه الواقع أكثر من مرة فكان دعاة الديمقراطية هم أول الخارجين عليها وبطرق مقززة!

بقي أن أشير هنا إلى حزب الله في لبنان وإلى جماعة الحوثي الذين يسمون أنفسهم أنصار الله في اليمن، فالحوثي فرض نفسه بالخيانة وبقوة السلاح ولم يتخذ الديمقراطية منهجاً، فوق أن اليمن لم تسمح له بالقيام أصلاً! أما حزب الله فقد نشأ في ظروف خاصة وهو الحزب الوحيد ذو المرجعية الإسلامية في عالمنا العربي! بطبيعة الحال لم أشر إلى الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية في مصر التي وجدت في السنة التي حكم فيها الرئيس مرسي، فهذه الأحزاب بدأت تتلاشى وبدأت الأصوات تعلو مناديةً بالقضاء عليها والعودة بمصر كما كانت بدون أحزاب دينية! أما البحرين فبحسب نظامها لا يوجد بها أحزابٌ أصلاً، ولهذا سمحت الدولة بوحود جمعيات ذات مرجعيات دينية سنية وشيعية، ومثلها دولة الكويت، وهذه الجمعيات تراقبها الدولة وربما تتعرض للملاحقة والمساءلة بين آونة وأخرى!

الدول العربية والإسلامية في أسوأ حالاتها، ومن يتبين وضعها الاقتصادي والعسكري والصناعي كما يتأمل مكانتها بين دول العالم، يظهر له بوضوح أنها تقبع في مؤخرة دوله، والذي أعتقده أن احتقار تلك الدول لدينها وتاريخها ولغتها هو الذي أوصلها إلى هذه الحالة المتردية الهزيلة. فالأمم الكبرى تعتز بماضيها وبقادتها العظام كما تستلهم منهم بناء حاضرها، وهي تربّي أجيالها على ذلك الخلق الرفيع، وفي تاريخنا العظيم دروس وعبر يصر أعداؤنا على طمسها ومحاولة إبعادنا عنها، ويساعدهم على ذلك مجموعات من أبنائنا المفتونين بهم وبأكاذيبهم. وما محاربة الإسلام ومبادئه وأخلاقه إلا مظهراً من مظاهر تجهيل الأمة ومحاولة فصلها عن تاريخها! وإلا كيف نفهم اعتزاز الغربيين بدينهم وتاريخهم وازدراء المسلمين لدينهم وتاريخهم؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4504 - الإثنين 05 يناير 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:06 ص

      محب الوطن دكتاتورية الأنظمة العربية لا تبرر أخطاء الأحزاب الدينية المدمرة 0930

      صباح الخير للجميع الأحزاب الدينية في الوطن العربي لا تريد أن تطبق الديمقراطية المتعارف عليها عالمياً بل هذا عطاء وشعار لمبرر وجودها لاكن الحقيقة كل واحدة تريد تطبق كتب منظريها الخاصة بها لا حتى في العبادات والشعائر فلهذا نر الكوارث بسبب اختلافها وتكفيرها لبعض

    • زائر 5 | 12:59 ص

      محب الوطن يبقى أساس الديمقراطيات العريقة فصل الدين عن السياسة 0855

      صباح الخير للجميع في الدول الديمقراطية العريقة فصل الدين عن السياسة هو الراسخ وما تتربا عليه الأجيال وتسير عليه الشعوب سنين طويلة ولا تنقطع عن تعلم السياسة وتطوير الديمقراطية والقوانين التي يحتكم اليها الكل اما الشوادوظهور بعض الأحزاب الدينية تبقى ثانوية لا تؤثر في الأساس المتين

    • زائر 2 | 11:38 م

      العلمانية في بلد منقسم طائفياً

      في بلد منقسم طائفياً نقل البحرين العلمانية و منع قيام جمعيات طائفية هو الحل الوحيد فلا انا سأقبل بالثوب القصير و اللحية الطويلة و لا غيري سيقبل بالعمامة هذه هي الحقيقة ان تدخل رجال الدين في سياسي في البحرين سبب لنا شرخ كبير في المجتمع

    • زائر 1 | 11:03 م

      مشكلتنا

      مشكلتنا أننا ابتلشنا مع ناس مايعرفون الإسلام إلا اسمه والناس تقدسهم مثل الأنبياء برغم عدم حفطهم للقرآن الكريم بس اعترار بمظهرهم ولباسهم المميز وهؤلاء الروبيضه إلي يتكلمون بشؤون الناس

اقرأ ايضاً