العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ

رحيل صوت الحساسية الروائية في أميركا... روبرت ستون

روبرت ستون
روبرت ستون

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

توفي الروائي الأميركي روبرت ستون، يوم السبت الماضي (10 يناير/ كانون الثاني 2015)، في منزله في "كي ويست" عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماً. هو "صوت الحساسية المعاصر"، بحسب ما كتبته منى سيمبسون، في "نيويورك تايمز بوك ريفيو" في العام 1992.

يأخذنا بروس ويبر في جولة استعراضية للتعرف على جوانب من حياة وأعمال ستون، تناولاً لبعض خصوصيات مشروعه الروائي والموضوعات التي تناولها، كل ذلك ضمن تقرير مطوّل كتبه في صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم السبت (10 يناير الجاري).

ستون، هو نفسه الذي كتب بطموح مُلفت، والفائزة رواياته التي تناولت الأميركيين المخطئين في ظروف خطرة، وتلك التي تتعلق بالأسئلة الوجودية، بالعديد من الجوائز الكبرى، هو أحد المعلِّقين على الأمَّة الضالة الجامحة في حقبة حرب فيتنام وما بعدها.

وأرجعت زوجته جانيس سبب وفاته إلى معاناته من مرض الانسداد الرئوي المزمن. وقد شُخِّص مرض ستون سابقاً على أنه "انتفاخ رئوي"، فيما صرَّح في العام 2010، عبْرَ مقابلة مع "سان فرانسيسكو كرونيكل" بالقول: "هو عقابي عن مرحلة طويلة من التدخين"، على رغم أنه أقلع عنه في العام 1982.

عاشق البحر الذي جاب أعاليه، قضى بعضاً من سنوات عمره في نيويورك، ثم في ولاية كاليفورنيا. وأبدى ستون في وقت مبكِّر من حياته جرأة حاسمة في تطوير عمله، وتحقيق قفزات فيه.

جمعته علاقة بالروائي كين كيسي وأصدقائه، ضمن جماعتهم التي عرفت باسم "مخادعي الميلاد المجيد"، كما أمضى فترة وجيزة من الوقت كمراسل في حرب فيتنام.

ستون، المؤلف لثماني روايات ومجموعتين قصصيتين، إضافة إلى المذكرات، ربما لا يكون صاحب إنتاج غزير، إلا أن رواياته كانت كبيرة وجادّة في الوقت نفسه. ويقود الانتباه في تناوله للأحداث بلغته الأدبية اللافتة، وغالباً ما استولى على اهتمام النقاد باعتباره فرصة لتناول التقاليد الروائية في زمنه، كما كان مفعماً بالحيوية وديمومة أعماله وامتدادها، وكم الإساءة والتحدّي الذي عرفت به.

تشمل رواياته "جنود الكلب"، والتي نشرت في العام 1974، والتي دخلت قائمة أفضل 100 رواية منذ العام 1923، التي وضعتها مجلة "التايم" الأميركية. الرواية المذكورة تمَّتْ كتابتها في بلدين: فيتنام وكاليفورنيا، مع الفارق في طبيعة الزمنين، وتتناول عملية تهريب للمخدرات، ينتابها ارتكاب خطأ فظيع، مع التنويه إلى أن الرواية فازت بجائزة الكتاب الوطني في الولايات المتحدة الأميركية بعد عام من صدورها؛ أي في العام 1975.

أما روايته "راية للشروق" والتي أصدرها في العام 1981، وترشحت للأدوار النهائية لجائزة بوليتزر، فتتناول قصة أستاذ جامعي وآخرين يتراجعون بشكل مشئوم، فترة ثورة الأمة في أميركا الوسطى، تذكّراً لنيكاراغوا عشية الانقلاب السانديني. كما أن له أعمالاً أخرى اقترب فيها من تناول الأزمات بشقيها الملموس/ الواقعي، والآخر الروحي.

من دون أن ننسى "بوابة دمشق"، التي أصدرها في العام 1998، في قصة مثيرة تبدأ من القدس وغزة، وتتناول تهريب البنادق والمخدرات، وما بين ذلك الانتفاضة الفلسطينية.

جمع الروائي ستون في أعماله ذلك المزج البارع والمتكامل، باتجاه الإثارة والتشويق الذي تتيحه القصص البوليسية، وكذلك التأمّل الوجودي في عمق لا يمكن أن يُغفل عنه، وذهابه في الاختراقات الشعورية، بالقدرة على تناول العبثية التي تسم الزمن الإنساني، بما أتيح له من طاقة وقدرة على السرْد ذي النفَس والمراس الطويل، في ما يشبه تحصين نفسه بحساسية رافقته تجاه المصير الذي ينتظر الفن الروائي، وهو محاط بالمعطيات التكنولوجية المتطورة ونتاجاتها من المسلسلات، وقصص الخيال العلمي وغيرها.

وبالعودة إلى ما كتبته منى سيمبسون، في "نيويورك تايمز بوك ريفيو" في العام 1992، نقف على إشارتها إلى أنه "كانت هنالك دائماً سلالة في الخيال الأميركي الذي يبدو أنه ينمو مباشرة من ميلفيل وكونراد"، "صوت هذه الحساسية في عصرنا وقبل كل شيء، هو روبرت ستون".

ثمة قوة في نثره، يمكن رؤيته والوقوف عليه، كما نقف على عدم تورُّعه عن الاقتراب من الهلوسة والسريالية، في مناخات كرّسها لبعض شخصياته، ضمن الحالات القصوى من حرجها. وكان في كتاباته صدى للاهتمامات الفلسفية، والانقسامات التي تكتنف الوجود... الحياة والموت... الخير والشر... الله والإلحاد... في حالات من الاصطراع الذي يكاد ألاّ ينتهي، وهو اصطراع روحي يعود تاريخه إلى طفولته، حيث نشأ في جزء منها في دار كاثوليكية للأيتام، ووجد جزءاً من حاجته إلى غذاء غير مادي كان محط اهتمامه.

يذكر، أن روبرت ستون ولد في بروكلين في 21 أغسطس/ آب 1937، من والدين لم يتزوجا قط، وانفصلا عندما كان ستون رضيعاً. عمل والده، هوميروس ستون، في شركة للسكك الحديد. افتتن في وقت مبكر من حياته بالبحر، وكان يعاني من انفصام الشخصية، وبسببه أدخل المستشفى مرات عديدة. عاش في دار للأيتام يديرها الإخوة المريميون وترعى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والعاشرة.

من بين الجوائز الأدبية الكبرى التي حصل عليها، جائزة جون دوس باسوس للآداب، وجائزة الأكاديمية الأميركية، وجائزة معهد الفنون والآداب.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً