العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ

ذاكرة الاحساء ومسالك الهجرة إلى البحرين

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

للوجود الاحسائي في البحرين حكاية قديمة تعود بجذورها إلى قرون سالفة، لكن مطالع القرن الماضي شهد أكثرها وضوحاً، إذ يشير كتاب جديد صدر حديثاً تحت عنوان «من الذاكرة الاحسائية» للباحث أحمد حسين البقشي، إلى أن الفترة من الخمسينيات إلى أواسط السبعينيات، شهدت ذروة وجود الاحسائيين المقيمين في البحرين، لكن أعدادهم بدأت نهاية السبعينيات تتقلص بسبب تحسن الوضع المعيشي في السعودية بعد أن لاحت تباشير الطفرة النفطية على أهل الخليج. وكتاب البقشي يقدّم تصويراً مشوقاً ونابضاً، حاكياً عن حياة الناس والمجتمع الإحسائي في القرن العشرين، وقد وُفّق في مسعاه إلى حد بعيد.

في البحرين عمل الاحسائيون في مهن عديدة، أهمها التجارة وخياطة «البشوت» و»العبى» النسائية والزراعة والبناء والتجارة، كما عمل قسم منهم في الغوص قبل اضمحلال المهنة بعد انتشار اللؤلؤ الصناعي في عشرينيات القرن الماضي.

ولكن لماذا لجأ الاحسائيون إلى البحرين دون غيرها؟ يقول المؤلف إن هناك خمسة أسباب دفعت بالاحسائي إلى تفضيل الهجرة للبحرين:

الانتعاش الاقتصادي، حيث كانت البحرين أسبق دول الخليج في احتضان ممثليات الشركات التجارية الأجنبية، إضافةً إلى انتعاش سوق خياطة البشوت التي عمل فيها القطاع الأوسع من الاحسائيين في البحرين. وتوفر الوسائل الحديثة الأساسية وتطوّر الخدمات الصحية، إضافةً إلى تفضيل أرباب الأراضي البحرينيين للفلاح الإحسائي في العمل الزراعي بسبب مهارته في رعاية النخيل. ناهيك عن القرب الجغرافي، حتى أن الإحسائي عندما يريد زيارة أهله أو يقرّر العودة إلى وطنه يقول: «أنا بأحدر الاحساء»، كناية عن قرب المسافة.

يتضمن الكتاب كل شروط النص الناجح، وضوحاً في اللغة، وعذوبةً في السرد، وتنوعاً في المصادر، وثراءً في المعلومة. ويمكن وصف الكتاب باعتباره «وثيقة عشق» لبلد التمور والحياكة والخناجر المذهّبة، فقد سرد فيه البقشي كل ما يمكن أن يطرأ على الذهن من حياة المجتمع؛ فكتب عن ذكريات الحرب العالمية الثانية وصداها، وتحدّث عن صناعة الخنجر الإحسائي، وتوغّل عميقاً في عالم الحِرَف والحياة، من الخياطة والحياكة والزراعة، والرق والعبودية، والخبز والحمار والجراد والبقرة والبرسيم والبقالة في تراث الاحساء الشعبي. كما تعقّب أثر الحساويين أينما اتجهت بهم دروب الهجرة، فكتب عن الهجرة الاحسائية إلى العراق والمدينة المنورة والبحرين والكويت والشام.

بالطبع لم يكن البقشي أول من كتب في هذا الموضوع، فقد سبقه كثيرون، أعرف منهم الباحث الدؤوب محمد علي الحرز، الذي أخرج أكثر من كتاب حول الإحساء، تناولت جميعها مظاهر الحياة العلمية وأبرز أعلام هذه المنطقة ذات الخصوصية والثراء التاريخيين، لكن كتابه الأهم دون شك هو «إحسائيون مهاجرون» (2010)، الذي أودع فيه معلومات مهمة عن تواجد الإحسائيين في البحرين، ضمن مواقع انتشارهم في العالم.

أين كان يقيم الإحسائي في البحرين؟ لقد كانت المهنة هي من تختار مكان الإقامة، فأرباب الخياطة والخياطون الذين جاءوا في أوقات مبكرة، قصدوا المحرّق بسبب كونها العاصمة القديمة للبحرين، وتواجد أغلب شيوخ الأسرة الحاكمة فيها. أمّا الذين جاءوا في فترات تالية أو الذين قصدوا التجارة العامة، فقد استقرّوا في حي المخارقة في سوق المنامة، أما الفلاحون منهم فقد انتشروا في قرى البحرين والمناطق الزراعية لقربها من أعمالهم.

ونظراً لأن خيّاطي البشوت كانوا يشكّلون القطاع الأكبر بين الإحسائيين حينها، ونظراً لتمركز عدد كبير من مستهلكي البشوت الرئيسيين وهم أفراد الأسرة الحاكمة في المحرق، فقد تواجد عدد من معازيب ومحال بيع البشوت في هذه المدينة.

كما احتضنت أسواق المنامة عدداً كبيراً من أصحاب الحرف الأخرى كالبنائين والنجارين والصاغة وأصحاب المحال التجارية التي اختصّت في بيع البشوت والعبي النسائية. وقد برز من هذه الأسر الإحسائية أسماء تجارية استطاعت أن تمنح للجالية الإحسائية شهرتها في النجاح والمثابرة، كالسيد عبدالله اليوسف، والحاج علي بوكنان والوجيه الحاج طاهر التحو والحاج يوسف الحواج وإخوانه وآخرون.

وكان من آثار الإقامة في البحرين على الإحسائيين، التوطن والاستقرار النهائي، فقد حصلت شريحةٌ من الإحسائيين على الجنسية البحرينية وصاروا جزءًا مهماً من نسيج المجتمع في البحرين، منها بيوت تجارية معروفة في مختلف الأنشطة كالقصيبي والعجاجي والتحو والحواج وبوكنان وغيرهم.

وكغيرهم من الجاليات المغتربة في كل مكان، حرص الإحسائيون على تأسيس مؤسساتهم الدينية، فأنشأوا في العاصمة المنامة مأتم الحساوية في حي المخارقة العام 1927، وتولّى رعايته الوجيه الإحسائي الحاج طاهر التحو وآخرون. وكان هذا المأتم مكاناً لاجتماع الإحسائيين في البحرين، يأوي إليه من لا يتمكن من دفع قيمة الإيجار في الفنادق والخانات، وملتقى يجمع الإحسائيين في الأفراح والأحزان.

كتاب شيق زادته الصور الفوتوغرافية قيمةً وثائقيةً، ورحم الله تلك الأيام التي كانت فيها البحرين جاذبةً لأهل الخليج عندما كانت الدنيا غير هذه.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4511 - الإثنين 12 يناير 2015م الموافق 21 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 7:35 م

      بيت المهدي

      السلام عليكم،، شكرا على هذا المقال الشيق،، انا من بيت المهدي و بالفعل جدنا الاكبر كان يشتغل بالخياطة و بيتنا العود كان في المحرق،، و للحين استغرب انه لما احد يسألني عن اصلي و اقوله حساوي ما يفهمني و يرد يسأل يعني بحراني لو سني ؟

    • زائر 8 | 3:38 ص

      تصحيح

      القصيبي والعجاجي والتذكير والبسام هؤلاء من عرب نجد

    • زائر 6 | 2:02 ص

      مازالو في البحرين

      أخالفك الرأي اخي العزيز وسام فجميع من قدم الي البحرين من الأحساء وتسمو بأسماء مهنهم ما زالو موجودين ولا اذكر ان احدهم قد غادر مره اخري للقطيف ،، وعند قدومنا استوطنا في المحرق بسبب ان بيت الحاكم موجود هنا ،، ولقد امر الحاكم بأصدار جوازات سفر بحرينية وأصبحنا وأبناءنا منذ تلك اللحظة مواطنيين ولا زال ابنائنا وابنائهم لا يعرفون غير البحرين بلدآ لهم ،، مع جزيل الشكر

    • زائر 7 زائر 6 | 3:15 ص

      اضافة جميلة

      اضافة جميلة صديقي الزائر 6.. صحيح ان قسم كبير من الاحسائيين اتخذوا من البحرين وطنا دائما لهم .. لكن الصحيح ايضاً ان الاغلبية الساحقة قد عادت لوطنها في نهاية السبعينات بداية الثمانينات.. دمت بخير

    • زائر 4 | 12:19 ص

      سبب ارتباط اسماء العوائل بالمهن

      السلام عليكم تعليق جميل على موضوع شيق وبالنسبه لاستفسار الاخ الزائر لماذا اغلب اسماء العوائل بالمهن فالمجتمع الاحسائ مجتمع مدني معتمد على ذاته في معيشته لذا ارتبطت اسماء اغلب العرائل بالمهن اما من ناحيه القبائل فاغلب الاسر الاحسائيه تنتمي لقبيله بني عبد القيس المعروفه والعريقه وقد حملت بعض الاسر اسماء مناطق ومهن وبعض اجدادهم للتعريف

    • زائر 3 | 11:49 م

      الهجرات الاحسائية

      لم تكن هجرة الاحسائيين للبحرين فقط، هجراتهم كانت للبحرين والكويت والبصرة والمحمرة والكاظمية وصولا لدمشق! وكانوا يمارسون مهن الزراعة وصناعة البشوت التى تميزو بها.
      مازال الاحسائيون يتواجدون في المحمرة وشادكان (الدورق) والكويت والبحرين، اما دمشق فعاد من هاجر اليها مع تحسن الاوضاع الاقتصادية في المملكة العربية السعودية

    • زائر 2 | 11:36 م

      البحرين جاذبة وغير وغير كانت

      الله يرحم ذاك الزمن احلى زمن عاصرته سنين اواخر الخمسنات في ريعان الطفولة والستينات عندما كنت اذهب لبيت جدي في الديه وأبيت من كل اسبوع وفي طوال عطلة الصيف اصيف هناك عند اهلى وحت بدايات السبعين فبعدها البحرين غير وكل ما تقدم العمر تكون حسرة ع ذاك الزمن وتبكي على الناس وتشفق ع أهل هالزمن ع ماحاق بهم وبدنياهم ياريت اتوسدت تربتي الازليه ولم ابصر هالزمن الردي

    • زائر 1 | 10:45 م

      الأخ وسام

      ليش معظم مال الحسا ينتمون لمهن ومناطق وشوارع عكس القبائل العربيه

    • زائر 5 زائر 1 | 12:32 ص

      توضيح

      اهل الاحساء لانهم حضر غالبيتهم
      ويمتهنون كل شي لانهم متحضرين ومنطقتهم زراعيه اهما واهل القصيم و جيزان بعد وفي قبايل مهنهم غير بعد

اقرأ ايضاً